كشف البنك المركزي
المصري عن استمرار أزمة البلاد مع العملات الأجنبية، معلنا عن انخفاض حاد في صافي
الأصول الأجنبية في شباط/ فبراير الماضي وللشهر الخامس على التوالي، إلى سالب 50.3 مليار جنيه من 186.3 مليار جنيه قيمة صافي الأصول الأجنبية في نهاية أيلول/ سبتمبر الماضي.
وأظهرت بيانات البنك المركزي المصري الأحد الماضي، أن صافي الأصول الأجنبية المصرية شهد تراجعا حادا، إذ انخفض بمقدار 60 مليار جنيه مصري (3.29 مليار دولار)، إلى سالب 50.3 مليار جنيه، وذلك للمرة الأولى منذ العام 2017.
إعلان المركزي المصري جاء متزامنا مع خبر صادم للأوساط السياسية والاقتصادية العربية، حيث أعلن نائب رئيس الحكومة اللبنانية سعادة الشامي، الاثنين، إفلاس لبنان ومصرفها المركزي رسميا، ما يثير المخاوف على الاقتصاد المصري الذي يعاني مع الديون الخارجية (أكثر من 140 مليار دولار)، وفق مراقبين.
ويرى محللون بينهم رئيسة إدارة البحوث في شركة الأهلي فاروس المالية رضوى السويفي أن عمليات تخارج المستثمرين الأجانب من أدوات الدين الحكومية في مصر تسبب في تحول صافي أصول مصر الأجنبية إلى السالب، وذلك في تصريح لـ"الشرق بلومبرغ".
وتسبب نقص العملات الأجنبية في اتخاذ البنك المركزي قرارا في 21 آذار/ مارس الجاري، قرارا بخفض قيمة الجنيه 14 بالمئة، في التعويم الثاني للجنيه في عهد رئيس النظام عبدالفتاح
السيسي، بعد التعويم الأول في تشرين الثاني/ نوفمبر 2016.
ومن نحو 15.65 جنيه للدولار قبل 21 آذار/ مارس الماضي، تحرك الدولار ليتعدى 18.5 جنيه، مسجلا نحو 18.23 جنيه للدولار، الاثنين.
وصافي الأصول الأجنبية، مؤشر يصدر بشكل دوري من البنك المركزي، عن صافي حجم ما تملكه البنوك المصرية من أصول بالعملة الأجنبية بين ودائع، وأوراق مالية وخلافه، مخصوما منه التزاماتها كأقساط وفوائد الديون الخارجية بالنقد الأجنبي.
وبحسب مراقبين فإن تسجيل صافي الأصول الأجنبية بالسالب وفقا للمركزي المصري، يعني أن الالتزامات الخارجية على الحكومة المصرية من النقد الأجنبي تتعدى ما لديها من العملات الأجنبية.
"أسباب الانخفاض"
وحول خطورة استمرار الانخفاض الحاد في صافي الأصول الأجنبية في مصر للشهر الخامس على التوالي وأسباب تحوله للسالب، قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز: "لا شك أن أزمة السيولة الدولارية في مصر كبيرة، ولها أسباب كثيرة، منها ما هو معلن ومنها ما هو غير ذلك".
الأكاديمي المصري، وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "إعلان البنك المركزي إنخفاض الأصول الأجنبية إلى سالب 50.3 مليار جنيه شباط/ فبراير الماضي، يوضح لنا أن قرار الحكومة تغطية الاعتمادات المستندية كشرط للاستيراد في الشهر ذاته".
وأشار إلى أن "وضع عراقيل عدة لتغطية الاعتماد من البنوك، ومطالبة البنوك للتجار للتصرف وتوفير الدولار بأنفسهم كان نتيجة انخفاض حاد للعملة بالبنوك، وليس نتيجة رؤية اقتصادية، ما أدى لخفض قيمة الجنيه بأكثر من 14 بالمئة، ورفع سعر الفائدة 1 بالمئة، وطرح شهادات الاستثمار ذات العائد الـ18 بالمئة".
وفي رؤيته لأسباب انخفاض صافي الأصول الأجنبية للشهر الخامس على التوالي بمصر، يرى عبدالعزيز، أن "منها: ارتفاع تكاليف الواردات بسبب التعافي من كورونا، والضغط على سلاسل الإمداد العالمية، وارتفاع التضخم بأمريكا بأكثر من 7 بالمئة، ورفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة 25 نقطة".
"وخروج 15 مليار دولار من استثمارات الأجانب في أدوات الدين المحلية، وجاءت حرب روسيا على أوكرانيا لتزيد الطين بلة، فتزايدت دوافع خروج المستثمرين من الأسواق الناشئة ومنها مصر لعدم اليقين فيما ستسفر عنه الحرب والعقوبات على روسيا"، بحسب الخبير المصري.
وأضاف: "لا شك أن سفه النظام في الانفاق الدولاري على بعض المشروعات قليلة الجدوى أو غير ذات الأولوية الآن، والتوسع في القروض الخارجية؛ أسباب ساهمت في ضعف الاقتصاد المصري وجعلته غير قادر على المواجهة".
وأشار لأهمية ودور المليارات التي أعلنت عن دفقها السعودية وقطر والإمارات في السوق المصري في تخفيف حجم الأزمة سواء عبر ودائع (5 مليارات دولار) كما فعلت الرياض أو استثمارات كما قررت الدوحة بـ(5 مليارت دولار)، أو استحواذات على أصول مصرية كما فعلت أبوظبي مؤخرا بـ(ملياري دولار) خلال الشهر الماضي.
وقال الخبير الاقتصادي، إن "أموال
الخليج التى وصلت لـ12 مليار دولار حتى الآن في ظل فجوة هذا العام قد تصل إلى 50 مليار دولار، وهو رقم قليل، مع استمرار رفع فائدة الفيدرالي الأمريكي والمتوقع أن تصل لـ 50 نقطة خلال نيسان/ أبريل الجاري".
"ومع استمرار الحرب الروسية، وضعف مدخول الدولار من السياحة، ومن الاستثمارات المباشرة وغير المباشرة، وصعوبات الاقتراض فإن الأزمة تزداد سوءا".
ولفت إلى أن "أموال الخليج جاءت في وقت يتفاوض فيه النظام المصري مع صندوق النقد الدولي للحصول على قرض بـ8 أو 10 مليارات دولار، وبالتالى فقد تكون أموال الخليج في إطار شروط الصندوق، والتي منها تخفيض الجنيه وتحقيق مرونة سعرية كاملة للدولار" .
وأشار عبدالعزيز، إلى احتمال أن "تؤجل أموال الخليج، وقرض صندوق النقد، والسندات اليابانية (الساموراي)، والصكوك السيادية، من مزيد الانهيار للجنيه".
وختم بالقول: "ولكن حتما سيحدث إنهيار أكبر مما حدث في 2016، وإن كانت هناك أسباب عالمية، لكن يبقى السيسي هو السبب الرئيسي لتدمير الاقتصاد المصري".
"ضغط شديد"
وفي تحليل نشرته وكالة (رويترز)، الأحد، قال إن "تداعيات حرب روسيا وأوكرانيا دفعت بلدان من أفقر دول العالم إلى أزمات شاملة، وكشفت عن قائمة الدول المعرضة للخطر، وأيضا قائمة الانتظار عند باب صندوق النقد الدولي".
وأشارت إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز والمواد الغذائية الأساسية، مثل القمح والذرة، بين 25 بالمئة و40 بالمئة هذا العام، ووضعت عدة دول تحت ضغط شديد.
وأضاف التحليل: "التكاليف المتزايدة للواردات والدعم لتلك الضروريات اليومية دفعت القاهرة لخفض قيمة عملتها بنسبة 15 بالمئة، وطلب مساعدة صندوق النقد الدولي".
ووجهت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، تحذيرا صارخا من أن "الحرب في أوكرانيا تعني الجوع في إفريقيا"، معربة عن مخاوفها من تفاقم الأوضاع في مصر.
وقال البنك الدولي، إن عشرات من أفقر دول العالم قد تتخلف الآن عن سداد ديونها خلال العام المقبل، وهو ما سيكون "أكبر موجة من أزمات الديون في الاقتصادات النامية خلال جيل واحد".
"روشتة اقتصادية"
وفي حديثه لـ"عربي21"، أشار أحد أساتذة الاقتصاد في مصر –رفض ذكر اسمه- إلى "أهمية النقد الأجنبي لأي دولة، وخاصة الدول التي تستورد احتياجاتها من الخارج".
ولفت أيضا إلى "أن مصر تستورد ما يزيد عن 56 بالمئة من السلع والخدمات الاستهلاكية والإنتاجية".
وأضاف: "نقص النقد الأجنبي يترتب عليه عدم قدرة الحكومة على توفير احتياجات الأفراد والمؤسسات، ويترتب على ذلك مزيد من البطالة وبالتالي مزيد من الفقر".
وأعرب عن أسفه من أن "الاقتصاد المصري وصل لما وصل إليه الاقتصاد اللبناني، لولا تدخل دول الخليج في الفترة الأخيرة، حتى لا يترتب على إفلاس الاقتصاد المصري عدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والسياسي في المنطقة".
ووفق رؤيته، فإن "هذه الأموال تعتبر مسكنات للاقتصاد المصري، إن لم يتم تغيير أولوياته الاقتصادية".
وفي رؤيته لحل الأزمة المالية والاقتصادية المصرية المتفاقمة، يرى الأكاديمي المصري، أن "الاقتصاد المصري مصاب بأزمات حادة ترتب عليها تزايد الاختلالات الهيكلية والنقدية، ما ترتب عليه اتباع برنامج للإصلاح الاقتصادي".
وأضاف أن هناك خطوط عريضة يجب اتباعها لإنقاذ الحالة المصرية من معاناتها، مشيرا إلى ضرورة اعتراف الحكومة المصرية بما لديها من أزمات، وتقديم أهل الخبرة والكفاءة لمواقع القيادة.
ودعا إلى "الالتزام بالأولويات الاقتصادية في كل قطاعات الاقتصاد، وترشيد الإنفاق الحكومي وخاصة في الاستيراد، والإنفاق على المشروعات القومية، وزيادة معدل التصدير وخفض معدل الواردات، والعمل على خفض العجز في الميزان التجاري".
وشدد على "ضرورة محاربة الفساد والمحسوبية، وضبط سوق الصرف الأجنبي، وكذلك خفض سعر الفائدة لزيادة معدل الاستثمار المباشر".
وفي تعليقه على وصول صافي الأصول الأجنبية في مصر للسالب، قال الخبير الاقتصادي محمود وهبه: "الأموال الساخنة تواصل الهروب من مصر، وودائع الخليج وقروض صندوق النقد قد تؤدي لإبطائها أو إيقافها عن الهروب، ولو أن هذا مشكوك فيه نظرا لسياسات البنك الفيدرالي الأمريكي".