تعتبر الأغنية الشعبية أحد أهم أركان الهوية الوطنية الفلسطينية والتراث الفلسطيني؛ الذي يعد بدوره سجلاً متكاملاً لتاريخ فلسطين وأساليب حياة الشعب الفلسطيني بتفاصيلها المختلفة لتشكل بمجملها الدالة الجوهرية على هوية الوطن والشعب، والسيرورة في مواجهة سياسات الاحتلال لتهويد الزمان والمكان وطمس الهوية المتجذرة في عمق التاريخ. وفي هذا السياق نستحضر رمزين فلسطينيين من حراس التراث والهوية الوطنية الفلسطينية عبر الغناء الشعبي، وهما فرقة أغاني العاشقين، ودلال أبو آمنة.
فرقة أغاني العاشقين
تعتبر فرقة أغاني العاشقين من أهم الفرق الفنية الغنائية الفلسطينية التي غنت وتغني للوطن والهوية؛ وقد تأسست عام 1977 في العاصمة السورية دمشق؛ لكن الثابت وهذه حقيقة ماثلة عند أهالي مخيم اليرموك؛ أن بذور نشأة فرقة أغاني العاشقين كانت قد انطلقت في حنايا جنوب المخيم، وبالتحديد حارة المغاربة على يد الوالد الهباش وأبنائه الستة؛ محمد وخليل وخالد وفاطمة وآمنة وعائشة؛ حيث قرّر الوالد أن تحكي العائلة قصة اللجوء والبعد عن الوطن من خلال الأغنية.
وهكذا بدأت الفرقة العائلية الصغيرة، وانطلقت تؤدي الحفلات في المناسبات التي تُدعى إليها، وسطع نجم الفرقة رويدا رويدا بين أهالي اليرموك، لتصبح مكانتهم رفيعة وهم يستحضرون سيرة وهوية وطن لن يضيع.
وتعود أصول عائلة الهباش إلى قرية معذر في قضاء مدينة طبريا الفلسطينية. ولتترسخ فيما بعد فرقة أغاني العاشقين ولها العديد من الأغاني الوطنية الفلسطينية. وقد أنشدت هذه الفرقة بأغاني من أشعار كبار شعراء فلسطين؛ الشاعر الراحل محمود درويش، والشاعر الراحل توفيق زياد، والشاعر الراحل سميح القاسم والشاعر الراحل أحمد دحبور إضافة إلى أبو الصادق صلاح الدين الحسيني، والشهيد نوح إبراهيم، وحسين حمزة والمرحوم الشاعر يوسف الحسون وآخرين.
وقد وضع معظم ألحان أغاني العاشقين الأستاذ الكبير حسين نازك إضافة إلى السيد محمد سعد ذياب، كما لحن بعض أغانيها كل من مطيع المصري، محمد هباش.
كانت فرقة العاشقين صوت فلسطين الحر الذي أثبت حقيقة أن الثورة الفلسطينية المعاصرة لم تكن بندقية ثائر فقط بل كانت بعدا ثقافيا شكل استثناء تاريخيا لهوية شعب لاجئ، روت أغانيها قصة شعب يكافح لنيل الحرية والاستقلال.
غنت فرقة العاشقين في العواصم العربية والشيوعية، وقامت بجولات غنائية في العديد من الدول الأجنبية منها اليونان، الولايات المتحدة الأمريكية كندا، بريطانيا، وغيرها ونالت هذه الفرقة جائزة في مهرجان نانت الفرنسي للفن الشعبي وغيرها من الجوائز التقديرية.
واستمرت العاشقين بالعمل لعام 1993م بعد أن أنتجت مجموعة كبيرة من الأغاني واللحوحات الفلكلورية ومجموعة البومات غنائية.
في عام 2009 جاءت فكرة إعادة عمل العاشقين من جديد بعدد من الوجوه الجديدة ومن المؤسسين والجيل الأساسي بالفرقة منهم الفنان حسين المنذر والفنان والملحن محمد هباش وشقيقه عازف القانون والمجوز الشهير خالد هباش وأخيرًا قدمت الفرقة البوما غنائيا من أشهر أغانيه أغنية إعلان الدولة ـ أعلنها يا شعبي من ألحان محمد هباش وكلمات شاعر سوري من اللاذقية هو حسام حنوف ومجموعة أغاني مثل عرجالها ورحلة شعب والقدس والجدار وفلسطينيون نادت علينا وأغنيات خاصة لمخيم اليرموك وغزة بسبب الأزمات التي حصلت.. وقدمت عشرات الحفلات في كل من سوريا والأردن ولبنان وأوروبا والإمارات والمغرب العربي.
وجاءت الفرصة للعاشقين لزيارة فلسطين مرتين إلى الضفة الغربية ومرة إلى غزة في الأعوام 2011 و2012 و2013 ثم وبسبب الظروف في سوريا وسفر أغلب أعضائها وتشتتها عاودت الفرقة العمل من السويد بتقديم المزيد من الحفلات والإصدارات، ومنها أغاني جديدة مثل شيل سلاحك ـ ثورة شعب فلسطين هواك فلسطيني وتحديث وتطوير بعض الأغاني القديمة بتوزيع وشكل جديد.
ومن أبرز أغاني فرقة العاشقين "ألبوم بأم عيني 1977، ويا ظلام السجن خيم، مويل الهوى، اللوز الأخضر والله لازرعك بالدار، ربما، عن إنسان ـ يا دامع العين والكفين، يحكون في بلادنا، ومغناة سرحان والماسورة 1979، شريط عن عز الدين القسام 1981، شريط بيروت 1982م، ألبوم دلعونا وظريف الطول 1983، ألبوم طير الغربة 1985، مغناة الأرض 1987، ألبوم أطفال الحجارة 1988، ألبوم مغناة الانتفاضة 1989، ألبومين للجذور الامتداد للعاشقين ومن أغانيها، سبل العيون ـ زغردي يم الجدايل ـ فلسطين مزيونة ـ البطل نادو عليه ـ يا رامي الحجار ـ حجر حجر بيدي حجر ـ يا صبايا زغردن.
دلال أبو آمنة
مغنية ومنتجة فلسطينية ودكتورة باحثة في علوم الدماغ وفيسيولوجيا الأعصاب من معهد التخنيون التطبيقي في حيفا. ولدت عام 1983 في مدينة الناصرة شمال فلسطين. وتعرف دلال بتقديمها للفن الإنساني الملتزم وتعمل على تطوير الفن الفلسطيني بحيث يحافظ على أصالته من ناحية ويحاكي الجيل الشاب والمستمع الغربي من ناحية أخرى كوسيلة لترسيخ الهوية الفلسطينية ودعم قضايا الشعب الفلسطيني.
بدأت دلال الغناء في سن الرابعة حيث شاركت في مسابقة أميرة الربيع ونالت حينها اللقب عن أغنية "مريم مريمتي" عام 1987، وفي عمر السادسة عشرة عرفت بآدائها المتقن لأغاني الطرب الأصيل والأدوار القديمة، إلى جانب تأديتها لأغاني التراث الفلسطيني والشامي. شهد لها كبار موسيقيي العالم العربي مثل صلاح الشرنوبي وأصالة نصري وأشادوا بصوتها الذي يدمج برأيهم بين الأصالة والحداثة.
شاركت دلال في مهرجانات عالمية وعربية هامة مثل مهرجان جرش ومهرجان الموسيقى العربية في دار الأوبرا المصرية وقامت بتمثيل فلسطين في عدة أوبريتات عربية كأوبيريت أرض الأنبياء 2012 وأوبريت نداء الحرية 2014، كما تشارك بشكل دائم في امسيات ثقافية وفنية محليا وعربيًّا ودوليًّا. بالأضافة لمشاركاتها ضمن فرقتها الخاصة، دلال هي المغنية الرئيسية في الأوركسترا العالمية MESTO وتقدم من خلالها أغاني التراث العربي والفلسطيني بمرافقة موسيقيين غربيين وبتوزيع اوركسترالي في كافة انحاء العالم.
وقدأصدرت عدة ألبومات وأغانٍ منفردة لاقت نجاحًا كبيرًا في فلسطين واكتسبت انتشارًا واسعًا لدى شريحة كبيرة من المتابعين إضافة إلي المثقفين العرب والأجانب في كل أنحاء العالم، إحدى هذه الألبومات بعنوان "عن بلدي"، والذي تحكي فيه عن فلسطين من زوايا جديدة ومتعددة تكشف فيه عن الجمال والفرح الفلسطيني، من خلال أغان من إبداع ملحنيين وشعراء فلسطينيين، بتوزيع موسيقى حديث يتماشى وأصالة القالب الموسيقى الطربي للأغاني.ثم أطلقت مشروع وألبوم "يا ستي"، الذي يعتبره النقاد واحدًا من أهم المشاريع الفنية العربية التي توثق الغناء التراثي النسوي، حيث يتميز المشروع بمرافقة مجموعة من "الجدات ـ حافظات التراث" لدلال على خشبة المسرح، حيث يستحضرن أجواء العائلة الشامية والعربية، بالغناء الجماعي وبأسلوب مسرحي عفوي . ويتابعها الالاف حين تغني عبر فيديوهات قصيرة للوطن والمدن الفلسطينية ومن داخلها كمدينة حيفا وعكا وغيرها من مدن فلسطين .
*كاتب فلسطيني مقيم في هولندا
إحياء التراث الشعبي الفلسطيني ترسيخ للهوية الوطنية
نموذجان في الإعلام لترسيخ هوية قضية فلسطين العادلة
حائط البراق.. وقف إسلامي خالص يتحدى سيطرة المتباكين