قضايا وآراء

أي تجارب مصرية تريد حكومة قيس نقلها؟!

1300x600
حين انتصرت الثورة التونسية في كانون الثاني/ يناير 2011 انتقلت عدواها على الفور إلى مصر، رغم أن النظام وإعلامه ظلا يرددان أن مصر ليست مثل تونس. ولم يقتصر تصدير الثورة على مصر، بل تعداها إلى دول أخرى.

لكن تونس التي كانت مصدّرة للثورات والحريات والديمقراطية تحولت مع انقلاب قيس سعيد في 25 تموز/ يوليو الماضي إلى مستورد للاستبداد والخراب، من أكبر نظام استبدادي عربي، وهو نظام السيسي الذي بنى حكمه على أشلاء آلاف المصريين.

يتذكر الجميع أن انقلاب قيس تم بعد زيارة للسيسي في نيسان/ أبريل الماضي، بينما كان الاحتقان يتصاعد في تونس بسبب الأزمات الاقتصادية من ناحية، وبسبب الأزمة السياسية، ومهازل البرلمان، ورفض قيس سعيد نفسه تمرير حكومة هشام المشيشي، من ناحية أخرى. لم نكن بحاجة لقراءة محضر الاجتماعات المغلقة بين السيسي وسعيد لنعرف الوصفة المصرية لمواجهة الاحتقان في تونس، وهي الوصفة التي نفذها سعيد لاحقا، والتي أشارت بعض الأنباء إلى مشاركة ضباط أمن مصريين في الإشراف على تنفيذها على الأرض التونسية.
لا ندري أي قصة نجاح اقتصادي أو أمني حققها النظام المصري الحالي تستحق أن تنقل إلى تونس؟! وهل راجعت السيدة نجلاء بودن المؤشرات الاقتصادية والأمنية في التقارير الدولية التي أوصل النظام الحالي مصر إليها، والتي تتبوأ فيها مراكز متدنية

الجديد الذي أثار تندر الكثيرين هو تصريحات رئيسة الوزراء التونسية نجلاء بودن بعد لقائها السيسي على هامش مؤتمر باريس حول ليبيا يوم الجمعة الماضي، والتي أعلنت فيها عن حاجة بلادها لنقل التجربة المصرية، أو ما وصفتها بقصص النجاح الاقتصادية والأمنية في الفترة الأخيرة. ولا ندري أي قصة نجاح اقتصادي أو أمني حققها النظام المصري الحالي تستحق أن تنقل إلى تونس؟! وهل راجعت السيدة نجلاء بودن المؤشرات الاقتصادية والأمنية في التقارير الدولية التي أوصل النظام الحالي مصر إليها، والتي تتبوأ فيها مراكز متدنية، وأحدثها مؤشر حكم القانون الصادر عن مشروع العدالة العالمية والذي تبوأت مصر فيه المركز 136 من بين 139 دولة للعلم 2021، والمركز الأخير بين دول المنطقة؟

كما احتلت مصر المرتبة الأخيرة (139 من 139) في إتاحة المعلومات، والمشاركة في الحكم، وإمكانية مساءلة الحكومة، وفي المرتبة قبل الأخيرة (138 من 139) في وجود قيود أو كوابح على السلطة، وفي العامل الذي يقيس الحقوق الأساسية، بينما جاءت في المرتبة 130 من 139 في القدرة على إنفاذ اللوائح والقوانين، وكذلك في العدالة المدنية، واحتلت المرتبة 113 من 139 في النظام والأمن، والمرتبة 109 من 139 في العدالة الجنائية، والمرتبة 104 من 139 في غياب الفساد.. فهل تريد السيدة نجلاء بودن استيراد التجربة المصرية في المؤشرات السابقة؟

الحقيقة أن مصر فيها العديد من تجارب التميز والنجاح لشعبها وعلمائها قديما وحديثا؛ يفخر بها كل مصري وكل عربي، لكن وزيرة قيس سعيد لم تقصد ذلك، وإنما قصدت نجاحات نسبتها لنظام السيسي في المجالين الاقتصادي والأمني!!

فهل تريد الوزيرة استيراد التجربة المصرية في الغلاء والتضخم والركود التي تعيشه مصر حاليا، والذي تعاني منه بلادها أيضا؟

هل تريد استنساخ تجربة هيمنة المؤسسة العسكرية على الاقتصاد، وتهميش القطاعين العام والخاص؟
مصر فيها العديد من تجارب التميز والنجاح لشعبها وعلمائها قديما وحديثا؛ يفخر بها كل مصري وكل عربي، لكن وزيرة قيس سعيد لم تقصد ذلك، وإنما قصدت نجاحات نسبتها لنظام السيسي في المجالين الاقتصادي والأمني!!

هل تريد استنساخ تجربة الديون الخارجية طويلة الأجل التي تكبل أعناق أجيال وأجيال قادمة؟ (كل مصري - كهلا أو طفلا - في رقبته دين بأكثر من ألف دولار).

هل تريد استنساخ تجربة إغلاق المصانع والشركات الكبرى وتسريح العمال والموظفين بها؟

هل تريد نقل تجربة السكك الحديدية المصرية التي لا يخلو شهر من وقوع حوادث دامية فيها، وبدلا من تخصيص الميزانيات اللازمة لتطويرها يتم إنشاء خطوط سكك حديد جديدة تخدم فئات قليلة من المجتمع؟

هل تريد نقل تجربة مصر في الاكتفاء الذاتي من المحاصيل الزراعية مثلا؟ كنا نتمنى أن تكون لدينا تجربة في ذلك نصدرها للأشقاء، لكن الرئيس الذي رفع شعار نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع تم الانقلاب عليه وقتله في محبسه.

هل تريد نقل تجربة مصادرة الأموال، وملاحقة رجال الأعمال، وحبس بعضهم بتهم ملفقة ليكونوا عبرة لغيرهم، وليوافقوا على دفع "الأتاوات" المطلوبة منهم لصناديق رئاسية خارجة عن أي رقابة مؤسسية؟

هل تريد استيراد تجربة "صبّح على مصر بجنيه" وتبرع للدولة بفائض "الفكة" وبقايا صرف العملات الكبيرة؟

هل تريد استنساخ تجربة السياحة المصرية التي تمر بأسوأ عهودها؟ فمن هو السائح المجنون الذي يجازف بحياته وبأمواله للسياحة في مصر في ظل أوضاع أمنية ملبدة؟

هل تريد نقل تجربة مصر في تصدير الغاز لإسرائيل بسعر دولار (للمليون وحدة حرارية) ثم استيراده منها بثمانية دولارات، وبما يزيد بنسبة الثلثين عن الأسعار العالمية؟

لربما انبهرت الوزيرة الأولى بعمليات الحفر والبناء في القاهرة وغلافها، وهي مبان وإنشاءات لا يعرف أحد فائدتها، أو قيمتها المضافة، أو مدى تحقيقها لاحتياجات المواطنين، هي مجرد مساكن للطبقة الوسطى والعليا لا يحتاجها ولا يقدر عليها المواطن البسيط، ولذلك تتراكم إلى جوار بعضها دون أن يشتريها أو يستأجرها أحد بل تسكنها الأشباح؟

وحتى العاصمة الإدارية الجديدة وبعض المشاريع الكبرى الأخرى التي تستدين مصر لأجلها عشرات المليارات؛ هي ليست ذات أهمية أو أولوية للاقتصاد المصري، بل تمثل عبئا كبيرا عليه الآن ومستقبلا، وكل ما تحققه هي أحلام الحاكم ورغبته في إنجاز أي شيء بغض النظر عن الحاجة إليه.

وفي المجال الأمني حدث ولا حرج، فهل تريد الوزيرة الأولى استيراد نسخ جديدة من تجربة القمع المصرية، والتي بدأت تطبيقها العملي جزئيا في تونس؟
في الأمثال المصرية يقال للطفل الذي يعود إلى أمه بأشياء تافهة ظنا منه أنها أشياء ثمينة: "ياما جاب الغراب لأمه"، وأصل المثل أن الغربان تستهويها الأشياء اللامعة المكسورة التي لا قيمة لها

وهل تريد استيراد تجربة سجن أكثر من ستين ألف معارض سياسي في ظل سجون لا إنسانية؟

وهل تريد استيراد تجربة بناء سجن مركزي ضخم يتسع لمئات الآلاف من التونسيين، كما هو السجن المصري الجديد الذي يتفاخر به نظام السيسي والذي أطلق أغنية خاصة عنه؟

هل تريد استيراد تجارب التعذيب وطرق التحقيق الشيطانية التي تهدر كرامة المعارضين السياسيين؟

هل تريد استيراد تجربة المواجهة بين الجيش و"ألف إرهابي داعشي" في سيناء والممتدة منذ سنوات، ولم تنته حتى الآن رغم توفير كل الإمكانيات اللازمة لها؟

في الأمثال المصرية يقال للطفل الذي يعود إلى أمه بأشياء تافهة ظنا منه أنها أشياء ثمينة: "ياما جاب الغراب لأمه"، وأصل المثل أن الغربان تستهويها الأشياء اللامعة المكسورة التي لا قيمة لها، وقديما قال الشاعر:

إذا كان الغراب دليل قوم    سيهديهم إلى دار الخراب

twitter.com/kotbelaraby
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع