أثار قرار رئيس سلطة الانقلاب العسكري في مصر، عبد الفتاح السيسي، بحظر استيراد السلع المخالفة للمعايير الأوروبية، اعتبارا من آذار/ مارس 2022، تساؤلات وتكهنات في الأوساط الاقتصادية المصرية.
السيسي، قال خلال افتتاحه مشروع تطوير ميناء الإسكندرية (شمال)؛ إنه لن يسمح بدخول المنتجات رديئة الجودة، وسيمنح فرصة للمستوردين للتعاقد على بضائع جديدة مطابقة للمواصفات بدلا من المنتجات القديمة.
ووفقا لنشرة وزارة التجارة المصرية 9 شباط/ فبراير 2021، بلغت قيمة الواردات المصرية غير البترولية خلال الفترة من كانون الثاني/ يناير– إلى كانون الأول/ ديسمبر ٢٠٢٠ نحو 63.587 مليار دولار.
وسجلت الواردات من دول الاتحاد الأوروبي 18.724 مليار دولار محققة أعلى معدل، فيما بلغت الواردات المصرية من الصين 11.570 مليار دولار، لتحل الواردات الأمريكية ثالثة بنحو 4.577 مليار دولار.
أما الواردات من الدول العربية، فتبلغ 4.265 مليار دولار، لتأتي القارة الأفريقية في مركز متواضع بمبلغ 1.209 مليار دولار.
وتكشف الأرقام الرسمية، أن الواردات المصرية من الصين تأتي بالمركز الأول بقيمة 11.570 مليار دولار، بينما احتلت أمريكا المركز الثاني بقيمة 4.577 مليار دولار، أما ألمانيا فسجلت المركز الثالث بنحو 3.959 مليار دولار.
وجاءت إيطاليا في المركز الرابع للواردات المصرية بقيمة 3.148 مليار دولار، ثم تأتى تركيا لتشغل المركز الخامس بقيمة بلغت 3.061 مليار دولار.
وبحسب البيانات، سجل قطاع السلع الهندسية المركز الأول بنحو ثلث حجم الواردات المصرية خلال عام ٢٠٢٠، إذ بلغت نحو 18.790 مليار دولار.
توجه السيسي، لاقى جدلا؛ بين مؤيد للقرار منتقدا رداءة البضائع والسلع بالسوق المصرية وخاصة الصينية، وبين متخوف من القرار معتبرا أن ارتفاعا كبيرا في أسعار السلع المستوردة سيكون نتيجة منطقية له.
"عربي21"، تواصلت مع عدد من المسؤولين في وزارة الصناعة والتجارة المصرية، إلا أنهم فضلوا عدم الحديث. لكن، مصدرا من الوزارة رفض الكشف عن اسمه، أكد أن الأمر أُعلن عنه فقط الثلاثاء، من جهة الرئاسة المصرية، وليس من طرف الوزارة.
وقال المصدر؛ إن الأمر لم تظهر معالمه بعد، وستكشف الفترة القادمة عن ماهيته، وكيفية تطبيقه، بما لا يضر بتعاقدات المستورد المصري.
وطالب سياسيون وخبراء اقتصاد بوضع قوائم واضحة بالمواصفات القياسية والمعايير المطلوبة، وإعلانها بكل وضوح للمستوردين للاسترشاد والالتزام بها.
توجه إيجابي
وفي تقييمه للقرار ودوافع الحكومة المصرية ومردوده على البلاد، يقول الخبير الاقتصادي والمستشار الأممي السابق، إبراهيم نوار؛ إن "القرار سليم فيما يتعلق بمحاولة الارتقاء بنوعية البضائع المستوردة في السوق المحلي".
وأضاف لـ"عربي21": "لكن ذلك يتطلب وضع قائمة واضحة بمواصفات الجودة المطلوبة للسلع، وأن يكون مستورد الصنف على علم كامل بها، وعدم تغييرها بدون علم المستوردين".
وتابع: "إذا أخذت مصر بمعايير ومواصفات الجودة الأوروبية؛ فيجب عدم التلاعب فيها أو تغييرها من جانب السلطات التنفيذية بمصر، ليكون كل من المصدر والمستورد على علم كامل".
وعن تأثير القرار على السوق والمستورد والمستهلك المصري، يرى نوار بأنه "إذا حدث ذلك، فهو بالطبع سيؤثر على السوق المصري، بما يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، وخروج طبقة المستوردين الهواة الذين يستهدفون الربح السريع بصرف النظر عن معايير الجودة".
وأردف: "لكن ذلك سيؤدي أيضا؛ لزيادة كفاءة السلع ودرجة الأمان الصناعي والبيئي والصحي، ويحقق وفورات خارجية للاقتصاد بشكل عام؛ عبر تحسين الصحة للأفراد، والمحافظة على البيئة، ورفع كفاءة السلع الهندسية في الإنتاج، وغيرها".
وفي رده على التساؤل: "هل يدعم القرار الصناعة المحلية المصرية أم يؤثر على قدرة المنتج المصري في منافسة أي منتج بالمواصفات الأوروبية؟ أكد الخبير المصري أن "هذا يعني أيضا رفع كفاءة الصناعة المحلية وزيادة قدرتها على المنافسة داخليا وخارجيا".
وأوضح أن "القرار أو التوجه إيجابي بشكل عام؛ إذا التزم قواعد الشفافية والانضباط ومواجهة التهرب منه أو التهريب بحزم عن طريق القانون"، مشيرا إلى أن "الصناعة الرديئة لا تعيش، وأنها ضارة لكل من المنتج والمستهلك، باستثناء الباحثين عن الكسب السريع عن طريق الغش والاحتيال".
ويرى الخبير المصري أن "البضائع الصينية ليست جميعها رديئة، وهذا اعتقاد خاطئ تماما، فالمنتجات الصينية قادرة على المنافسة في كل العالم، وخصوصا في أسواق الدول الصناعية المتقدمة".
ولفت إلى أن "المشكلة ليست في السلع الصينية، ولكن في المستورد الذي يطلب أقل المواصفات وأسوأها، والمنتج الصيني يبيع للمستورد السلع بالمواصفات التي يطلبها، والمستورد المصري يتخذ قراره بالاستيراد على أساس السعر، وليس على أساس الالتزام بمواصفات محددة".
واستطرد: "والنتيجة تلف السلع بسرعة، وظهور عيوب فيها، أو حدوث أضرار بسبب حوادث تنتج عن استخدامها، وهذا كله ناتج عن سلوك المستورد في سوق مفتوحة للتهريب، حتى من خلال المنافذ الجمركية الرسمية".
"مافيا الاستيراد"
وأكد الخبير الاقتصادي رضا عيسى، أن "الاستيراد بمواصفات جيدة، فكرة حاول رشيد محمد رشيد، وزير الصناعة المصري الأسبق في عهد حسني مبارك، تطبيقها.
وأوضح لـ"عربي21"، أنه "طالب المستوردين بالحصول على شهادة جودة لتمرير ما يستوردونه لمصر من الصين وسنغافورة وغيرها، ولكنه اصطدم بمافيا الاستيراد ولم يقدر على تنفيذ القرار".
وأشار إلى أنه "بالموقع الإلكتروني بالغرفة التجارية المصرية، كشف بأسماء الشركات المسجلة في مصر، وستجد أن 85 بالمئة منها للاستيراد والتصدير والـ15 بالمئة الباقية للتصنيع، أي استيراد وتجارة لا تصنيع، وبضاعة رديئة أقل من المصري".
ولفت إلى أن "القرار يعود على المستهلك بشراء بضاعة جيدة، ولكن مافيا الاستيراد قوية وكبيرة وأقوى من الحكومة، ويمكنها التلاعب بالسوق وتعطيشه ورفع الأسعار؛ لو فرض القرار على تلك المافيا الرهيبة".
وفي تقديره لتأثير القرار على الصناعة المحلية، وهل يدعمها أم يضر بها؟ ومدى تأثيره على قدرة المنتج المصري في المنافسة مع منتج بمواصفات أوروبية، قال: "من المفروض أن يرفع القرار درجة المنافسة نحو السلعة الجيدة".
وأوضح أن "المنافسة نوعان؛ أولها السعر وهو ما يبحث عنه الفقراء، وثانيها الجودة وهو ما يطلبه من لديهم قدرة شرائية أكبر، ولكن داخل مصر يغلب محدد السعر نظرا لزيادة نسب الفقر في البلاد".
قوائم المواصفات
السفيرالمصري السابق محمد مرسي، وصف القرار، عبر صفحته على "فيسبوك"، بأنه موفق وطالما طالب به البعض، خاصة بعد إغراق السوق المصري بسلع مستوردة غاية في الرداءة وغير مطابقة للمواصفات.
وأضاف: "والضحية كالعادة هي الاقتصاد المصري والمواطن وصحته وأمنه وسلامته ومحفظة نقوده شبه الخاوية عند الكثيرين".
ودعا مرسي لوضع قوائم بالمواصفات، وتدريب رجال الجمارك على تلك المعايير، وتعريف المستهلك بمتوسطات أسعار السلع المستوردة بعد حساب الجمارك والضرائب والتكاليف الأخر.
ويرى مرسي، أن "هذه الخطوة كفيلة بفضح التجار الجشعين الذين يبالغون في تحديد أرباحهم".
أسعار القطن تقفز في مصر.. هل ابتسم الحظ للفلاح أخيرا؟
الإمارات توقع اتفاقات اقتصادية.. غابت عنها السعودية ومصر
ضرائب السيسي تهوي بالبورصة.. وتحذير من هروب المستثمرين