لم يكن غريباً ولا مفاجئاً هذا الاهتمام
الفلسطيني بالتطورات الأخيرة في أفغانستان، إثر الانسحاب الأمريكي غير المنظم العشوائي والمهين، وهروب الرئيس أشرف غني وأركان حكومته من كابول وسيطرة حركة
طالبان على الأوضاع والسلطة في العاصمة وأقاليم البلاد كلها، بما في ذلك وادي بانشير.
الاهتمام الفلسطيني جاء - كما العادة - مختلفاً نسبياً عن الاهتمام الإقليمي والعالمي؛ نظراً لأوجه التشابه بين الأوضاع في أفغانستان وفلسطين، والرغبة في تكرار المشهد نفسه لجهة دحر
الاحتلال الأجنبي والاستقلال وتقرير المصير في فلسطين. ومن هنا بدا لافتاً جداً التطابق ولو بالخطوط العريضة في قراءتي السلطة الفلسطينية وحركة حماس للحدث الأفغاني، مع اختلاف طبعاً في الاستنتاجات والعبر نتيجة التباعد في خياراتهم السياسية.
إذن فهمت الرئاسة الفلسطينية عبر الناطق باسمها نبيل أبو ردينة (16 آب/ أغسطس) الحدث الأفغاني باعتباره دليلا على حتمية انتهاء الاحتلال الأجنبي وعجز القوى الخارجية عن حماية الأمر الواقع أو استمراره لفترة طويلة، في إشارة طبعاً إلى الاحتلال
الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، المحمي والمدعوم خارجياً وتحديداً من الولايات المتحدة الأمريكية؛ القوة الكبرى القائمة بالاحتلال أيضاً في أفغانستان.
الاهتمام الفلسطيني جاء - كما العادة - مختلفاً نسبياً عن الاهتمام الإقليمي والعالمي؛ نظراً لأوجه التشابه بين الأوضاع في أفغانستان وفلسطين، والرغبة في تكرار المشهد نفسه لجهة دحر الاحتلال الأجنبي والاستقلال وتقرير المصير في فلسطين
إلى ذلك كان لافتاً جداً أيضاً تحذير الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية من استمرار الممارسات الإسرائيلية والقتل والاستيطان والتهويد وتأجيج الأوضاع في فلسطين، ما سيؤدي إلى انفجارها وخروجها عن السيطرة، حيث لا يمكن التكهن بعواقب ذلك على المنطقة بأسرها، في ما بدا وكأنه تحذير من تكرار الحدث الأفغاني وتحديداً نموذج طالبان إذا استمر تجاهل القضية الفلسطينية وتركها، كما قال أبو ردينة، دون حل عادل وشامل وفق الشرعية الدولية وقراراتها، بما يكفل إقامة الدولة الفلسطينية (بقيادة السلطة الحالية) على الأراضي المحتلة في حزيران/ يونيو 1967 على أن تكون عاصمتها القدس.
أبو ردينة ودون أن يقصد طبعاً، وفي سياق سعيه لوضع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين في مربع نظيره الأمريكي لأفغانستان، وحماس وطالبان في مربع واحد، وضع السلطة الفلسطينية نفسها ولو ضمنياً في خانة أشرف غني والحكومة الأفغانية السابقة المدعومة - كما الفلسطينية - سياسياً واقتصادياً وأمنياً من واشنطن والعواصم الغربية الأخرى.
الهارب أشرف غني كان تلقى وسلطته المنهارة وعبر عقدين من الزمن؛ مليارات الدولارات من المساعدات الدولية، لكنه عجز عن بناء الدولة والمؤسسات أو تحقيق الاستقلال الوطني بشكل جاد. وبالعموم ظلت سلطة أشرف غني دائماً أقرب إلى هيئة الحكم الذاتي المحدود الخاضعة للوصاية الأجنبية، والأمريكية تحديداً، أي سلطة بلا سلطة فعلية على الأرض، علما أن هذا المصطلح (سلطة بلا سلطة) فلسطيني بامتياز، استخدمه ويستخدمه أركان "قيادة رام الله" دائماً عند الحديث عن انسداد آفاق عملية التسوية، بل وموتها سريرياً نتيجة انتهاك إسرائيل الفظّ والمنهجي للاتفاقات الموقّعة، رغم تمسك الطرف الفلسطيني الحرفي والدقيق وحتى اليائس بها.
في هذا السياق لا بد من الإشارة أيضاً إلى التطورات الأخيرة في فلسطين بعد هبة القدس ومعركة سيفها، وهروب قيادة السلطة من إجراء الانتخابات الرئاسية التشريعية التي وضعت بنفسها قواعدها ومحدداتها، ما أكد انفصالها الموصوف عن الواقع وعجزها عن تلمس نبض ومزاج الشارع الفلسطيني، وقبولها بدعم أو للدقة بتنفس اصطناعي وإنعاش سياسي واقتصادي وأمني غربي أمريكي وحتى إسرائيلي لها، دون أفق سياسي. أي أنها باتت تقبل عملياً بسلطة دون سلطة فقط مقابل بقائها في سدة القيادة رغماً عن الجمهور الفلسطيني وإرادته، ما يعني ببساطة أنها أصبحت ورغم قراءتها الأخيرة للحدث الأفغاني وربما دون أن تنتبه؛ أكثر شبهاً بسلطة أشرف غني المنهارة والساقطة.
هنا أيضاً لا بأس من التذكير بسابقة تشبيه الرئيس محمود عباس نفسه بحامد كرزاي، أول رئيس أفغاني بعد الاحتلال الأمريكي، وإطلاق لقب كرزاي فلسطين عليه، علماً أن التوصيف لم يأت من حماس ولا حتى من المعارضة، وإنما من الرئيس الشهيد ياسر عرفات
هنا أيضاً لا بأس من التذكير بسابقة تشبيه الرئيس محمود عباس نفسه بحامد كرزاي، أول رئيس أفغاني بعد الاحتلال الأمريكي، وإطلاق لقب كرزاي فلسطين عليه، علماً أن التوصيف لم يأت من حماس ولا حتى من المعارضة، وإنما من الرئيس الشهيد ياسر عرفات وحركة فتح باعتبار أنفسهم الممثلين الحقيقيين لحركة التحرر الوطني. هنا بدوا وكأنهم وضعوا أنفسهم أيضاً في خانة خصوم وأعداء كرزاي، أي طالبان، رغم الاختلاف (سياسياً ووطنياً) معها، كونهم تموضعوا بالمعنى الواسع العريض في مواجهة مشروع كرزاي وسلطة الحكم الذاتي الأفغانية المدعومة أجنبياً.
حركة حماس قامت من جهتها بتقديم التهاني والتبريكات لطالبان والشعب الأفغاني عبر اتصال من رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية مع نظيره في طالبان، بالتوازي مع الكشف عن تواصل ولقاءات بين الحركتين، آخرها لقاء قيادي رفيع المستوى عقد في أعقاب العدوان الإسرائيلي الأخير على غزة. حماس أصدرت كذلك بياناً رسمياً بالمناسبة بدا بروتوكوليا وديبلوماسيا نوعاً ما، قدمت فيه التهاني للشعب الأفغاني بالانتصار، كما تضمن تقريباً نفس الخطوط العريضة التي طرحتها الرئاسة الفلسطينية لجهة حتمية رحيل الاحتلال والسلطة المدعومة أجنبياً، وحتمية انتصار الشعوب وحركات التحرر الوطني وفرض إرادتها على المحتلين.
إلا أن عضو المكتب السياسي ونائب قائد الحركة في الخارج، موسى أبو مرزوق، قدم في 15 آب/ أغسطس توضيحات أو تفاصيل ومعطيات إضافية عن جوهر قراءة حماس للحدث الأفغاني و"انتصار طالبان"، والاستنتاجات والعبر المستخلصة منه، مركزاً على مفاهيم مثل رفض المسكنات والتلهي بالحديث عن الديمقراطية والانتخابات والحلول الوسط.
رغم الاختلاف على نهج طالبان وحتى على الحركة نفسها وقدرتها على الحكم وحل مشاكل وأزمات أفغانستان التاريخية والمستعصية، والناتجة أساساً عن الاستعمار الخارجي بأشكاله وتجلياته المختلفة الشرقية الغربية كما الانقسامات والتباينات الداخلية المستحكمة، إلا أن ثمة إجماعا تبدّى في وسائل التواصل الاجتماعي وعموم الإعلام الجديد غير الخاضع للهيمنة والرقابة السلطوية؛ على الاحتفاء بالانتصار الأفغاني
وهنا بدا أبو مرزوق وكأنه يسعى لإيصال رسالة مفادها أن نهج حماس بشكل عام هو الذي انتصر استراتيجيا في أفغانستان، وسينتصر حتماً في فلسطين، مع أن التشابه في النهج لا يعني أبداً التساوق مع طالبان نفسها بأي حال من الأحوال، رغم تأكيد أبو مرزوق أنها باتت الآن أكثر ذكاء وواقعية بعدما كانت تتهم بالتخلف والرجعية والإرهاب، علماً أن حماس تقدم نفسها دائماً كمن تنتمي إلى حركات الإسلام الوسطي، وبالتالي تختلف فكرياً مع ممارسات الحركة الأفغانية وفهمها المتشدد للدين الإسلامي، مع الانتباه طبعاً إلى أن الجيل الطالباني الجديد - حسب تعبير وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان - يبدو أكثر نضجاً وخبرة وقدرة على تفهم ومراعاة الحساسيات الداخلية والخارجية، ما انعكس في إعطاء حيز مهم في خطاب الحركة لحقوق النساء والأقليات الدينية والعرقية وضرورة تشكيل مظلة وطنية واسعة لحكم البلاد. وهذا الجيل الطالباني الشاب سيتأثر، بل تأثر فعلاً، وسيتأثر أكثر مع الوقت بعلاقات الحركة الجيدة والراسخة مع باكستان وقطر، والإيجابية المتطورة مع تركيا والتي ستأخذ أبعاداً سياسية واقتصادية وأمنية متعددة خلال الفترة القادمة، حسب التصريحات الصادرة عن الجانبين.
فلسطينياً؛ ولكن أيضا في السياق الشعبي والجماهيري، ورغم الاختلاف على نهج طالبان وحتى على الحركة نفسها وقدرتها على الحكم وحل مشاكل وأزمات أفغانستان التاريخية والمستعصية، والناتجة أساساً عن الاستعمار الخارجي بأشكاله وتجلياته المختلفة الشرقية الغربية كما الانقسامات والتباينات الداخلية المستحكمة، إلا أن ثمة إجماعا تبدّى في وسائل التواصل الاجتماعي وعموم الإعلام الجديد غير الخاضع للهيمنة والرقابة السلطوية؛ على الاحتفاء بالانتصار الأفغاني مع توافق ملحوظ وواسع على الخطوط العريضة لقراءتي السلطة وحماس، وتحديداً حقيقة أو حقائق أن الاحتلال الأجنبي حتماً إلى زوال، وأن لا قدرة لأي سلطة على المكوث أو البقاء طويلاً دون شرعية داخلية ومعتمدةً فقط على الدعم الخارجي، وقبل ذلك وبعده الخلاصة أو العبرة الأهم والمتمثلة بالقناعة الفلسطينية المتجذرة القائلة بحتمية انتصار حركات التحرر الوطني ولو بعد حين، وأن هذا صحيح في فلسطين كما هو صحيح في أفغانستان أيضاً.