ملفات وتقارير

4 أعوام على تنازل السيسي عن تيران وصنافير.. هذه خسائر مصر

"موقع مصر على البحر الأحمر وتحكمها بمضيق تيران كان بمثابة مكانة مرموقة"- جيتي

حلت الخميس الذكرى السنوية الرابعة لتنازل رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، عن جزيرتي تيران وصنافير للسعودية، وهو القرار الذي عارضه كثير من المصريين، وتبعته تغيرات سياسية واقتصادية كبيرة بالمنطقة.

فقد صادق السيسي في 24 حزيران/ يونيو 2017 على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية؛ والتي انتقلت بمقتضاها الجزيرتان لحوزة المملكة، ما جعل "تيران" مضيقا دوليا يحق للاحتلال الإسرائيلي وغيره من دول العالم المرور به بعدما كان مصريا خالصا. 

وخلال السنوات الأربع الماضية؛ وقعت أحداث كثيرة أكدت، وفق ناشطين ومراقبين، أن تنازل مصر عن الجزيرة كان خطأ استراتيجيا أثر على أمن البلاد القومي، وعلى اقتصادها وتجارتها وعلى عبور السفن لقناة السويس، وذلك لما منحه ذلك التنازل للاحتلال من حق المرور الحر في مضيق "تيران" كممر ملاحي دولي.

ومنح التنازل المصري للاحتلال فرصة عقد اتفاقيات نقل البترول من الإمارات عبر سفن عملاقة إلى ميناء "إيلات" مرورا بمضيق تيران، والتي كانت أول شحنة لها في 28 أيار/ مايو 2021، ما يؤثر على مستقبل قناة السويس.
 
ووسط إجراءات أمنية مشددة إزاء المظاهرات الرافضة للاتفاقية في القاهرة، أقر مجلس النواب المصري في 13 يونيو/ حزيران 2017، اتفاقية ترسيم الحدود البحرية التي تقر بسيادة السعودية على تيران وصنافير، ليصدق عليها السيسي في 24 حزيران/ يونيو 2017.

اقرأ أيضا: 7 أعوام على حكم السيسي.. كيف رآها النشطاء والإعلام؟

"خطة خبيثة"

الخبير الاقتصادي والاستراتيجي علاء السيد، قال إن "التنازل عن تيران وصنافير لم يكن خطأ استراتيجيا، ولكنه يدخل ضمن خطة خبيثة لإضاعة الموارد وفقدان القوة وتراجع المراكز التي وصلتها مصر بكل الأصعدة".

وأكد السيد في حديث لـ"عربي21"، أن "نظام الانقلاب أتى بأجندة وخطة استراتيجية لإفقار هذا الشعب وإضاعة موارده مثل الغاز ومياه النيل وممر العقبة عبر مضيق تيران".

ولفت إلى أن "العبور بخليج العقبة كان حقا أصيلا لمصر وحدها؛ لأنه في نهاية خليج العقبة جنوبا لا يوجد إلا ممر تيران، ومن نقطة الممر حتى رأس خليج العقبة كان يعتبر مياها شبه مصرية". 

وذكر السيد، أنه "بالعام 2012، و2013، كانت هناك خطة للرئيس الراحل محمد مرسي لحفر قناة جديدة -شاركت في الحصول على تمويل لها- لربط خليج العقبة بالبحر المتوسط وصناعة حاجز مائي يحمي سيناء من الكيان الصهيوني، اعتمادا على أن ممر تيران مصري".

وأشار إلى أنه "كان مخططا لحفر القناة وفق معايير غير التي حفرت بها قناة السويس وبعمق يسمح بالبواخر العملاقة بالمرور، وليكون المجرى الجديد مساعدا لقناة السويس كي لا تنتظر السفن في رحلتي الإياب والذهاب، ما يوفر يومين برحلة السفن".

الخبير الاقتصادي، جزم بأن "مصر خسرت فرصة حفر هذه القناة بعدما صار ممر تيران دوليا بالتنازل عن الجزيرتين"، مضيفا: "ولكن الكيان الصهيوني كسب بهذا التنازل عن تيران وصنافير وسيقوم بحفر قناة مزدوجة تتكلف 30 مليار دولار أمريكي".

وأكد أنه "بالفعل اعتمدت البنوك الأمريكية التمويل بفائدة 1 بالمئة، وسيتم الحفر بـ5 سنوات بنحو 60 شهرا، والعائد المتوقع 6 مليارات دولار سنويا، وسداد تكلفة الحفر على 30 سنة؛ ولك أن تتخيل حجم العائد الكبير، بخلاف تأثير ذلك المباشر على أداء قناة السويس وخسارة بإيراداتها من 40 إلى 50 بالمئة".

وخلص السيد، إلى أن "التنازل عن الجزيرتين لم يكن خطأ استراتيجيا، ولكن قيادة الانقلاب جاءت لتوفير فرص استثمارية للكيان الصهيوني، وتنمية اقتصاده، وحماية حدوده وخدمته قولا واحدا". 

وأضاف أنه "في المقابل يفعل كل ما من شأنه تدمير الاقتصاد المصري، الذاهب للتدمير الشامل، وحالة شبه الإفلاس، وعدم القدرة على سداد الديون، بحالة أسوأ مما كانت عليه مصر في عهد الخديوي إسماعيل، الذي أثبتت دراسات حسابية أنه كان قادرا على سداد الديون ولم يكن مجبرا على بيع ما باعه من أصول مصرية".

 
وتابع: "لكن الآن صندوق مصر السيادي المستحوذ على كثير من الأصول المصرية من آثار ومصانع وأراض وعقارات وطرق وكباري ويرهنها للدائنين سوف يتم توزيعها على جهات التمويل حال عجز مصر عن السداد، وهذا متوقع خلال سنة أو أقل".

وشدد على وجود "تأثير مباشر الآن قبل إنشاء القناة الإسرائيلية، وسوف يتزايد هذا التأثير على قناة السويس بعد 5 سنوات لتفقد مصر واحدا من أهم مواردها (من 5 إلى 6 مليارات دولار سنويا)، وبابا مهما من أبواب النقد الأجنبي وموارد الخزينة المصرية".

وختم بالقول: "هذا ما خسرته مصر من التنازل عن تيران وصنافير، وهذا ما يربحه الكيان الصهيوني، بخلاف مسألة الأنبوب الذي كانت قد أنشأته إيران عندما أُغلقت قناة السويس بعد حرب 1967، واستولى عليه الاحتلال وسيحمل البترول الإماراتي إلى موانئ إسرائيل".

"التمكين للاحتلال"

المستشار السياسي والاقتصادي الدولي، الدكتور حسام الشاذلي، قال لـ"عربي21"، "لم يعد هناك شك بأن سياسة النظام الحاكم بمصر باتت أحد أعمدة استراتيجيات التمكين لإسرائيل بالمنطقة بأسرها".

وأكد أنه "إضافة لعمليات التطبيع التي باتت تتخذ شكلا جديدا يؤصل لوجود إسرائيل بالشارع العربي، وليس فقط على طاولات الحكام والحكومات؛ رأينا أيضا كيف باتت إسرائيل جزءا رئيسيا من نسيج الإمارات حيث باتت أعلام الكيان مرفوعة بكل مكان".

ولفت إلى أن "أصحاب القبعات الصغيرة يدعون لكل الاحتفالات والمؤتمرات والفعاليات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية، بل أصبحنا نرى أطفالا يتغنون بصداقة إسرائيل في حين يقصف الأطفال والرضع في فلسطين الحبيبة على أيدي نفس ذلك الكيان". 

أستاذ إدارة التغيير والتخطيط الاستراتيجي ورئيس جامعة كامبريدج المؤسسية، أضاف: "وعليه فإن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية والتنازل عن تيران وصنافير، لم تتمخض نتائجها فقط عن حرية الملاحة والتجارة لإسرائيل بالمنطقة بل وضع نظام الانقلاب الحاكم حجر الأساس لتواجد إسرائيلي مختلف ومسيطر بالمنطقة".

وألمح الشاذلي إلى أنه "ومنذ ذلك الحين ظهرت آثاره أيضا بعلاقات السعودية مع الكيان وصور الإسرائيليين بالقرب من الحرم المكي الشريف، وكذلك اتفاقية استيراد الغاز الإسرائيلي لمصر والتي تعدت ١٥ مليار دولار".

وجزم بأن الاحتلال، في المقابل، "فتح للنظام المصري أبواب القروض الدولية على مصراعيها بنفوذها المعلوم لدى المؤسسات المالية الدولية، وقد يدعم رؤيتي أكثر، ذلك التدخل المصري الأخير في المواجهة بين المقاومة الفلسطينية وإسرائيل ولعب دور الوسيط الذي أنقذ الاحتلال من ورطة ميدانية وسياسية".

وختم الشاذلي حديثه بالقول: "أزعم أن النظام بات الركيزة الرئيسية لإسرائيل بالمنطقة سياسيا واقتصاديا، والصديق الأقرب دوليا بعد أمريكا، وما زالت تبعات ذلك الدور لم تتضح بعد والقادم قد يحمل الكثير". 

"خسارة موقع استراتيجي"

من جانبها ترى الكاتبة الصحفية والمحللة السياسية مي عزام، أن "مصر خسرت موقعا استراتيجيا منّ الله عليها به، وتنازلنا عنه بكامل إرادة النظام الحاكم رغم المعارضة الشعبية للقرار".

وأضافت في حديثها لـ"عربي21"، أن "موقع مصر على البحر الأحمر وتحكمها بمضيق تيران كان بمثابة مكانة مرموقة لا يضاهيها سوى مضيق باب المندب". 

وأكدت عزام أن "مستقبل شرق أفريقيا والقرن الأفريقي والاكتشافات البترولية المتوقعة في البحر الأحمر كلها تصب في خانة الخسائر بالنسبة لمصر".


وحول دولة الاحتلال، ترى عزام، أن "مشروعها التوسعي الاحتلالي سيظل يأتي على حساب الأرض العربية؛ وأن أي خسارة لمصر تصب في صالح الكيان الصهيوني ومشروعه المناهض للمشروع العربي".

وفي إشارة منه إلى أن أي خسارة لمصر تعني مكسبا للاحتلال، قال الناشط السياسي المهندس ممدوح حمزة، عبر "فيسبوك" إن "التنازل عن جزر تيران وصنافير انتهى لمصلحة إسرائيل، واتفاق مبادئ سد النهضة ينتهي لصالح مدير السد أيضا إسرائيل".