دفنت السلطات الجزائرية، مشروع قانون نزع الجنسية، إلى غير رجعة، بعد أن تسبب في مخاوف كبرى من استعماله في تجريد مواطنين من جزائريتهم فقط لمعارضتهم نظام الحكم.
وأثار ذلك تساؤلات حول ما إذا كانت البلاد قد لحقت بخطى فرنسا في تبني المشروع، الذي اكتشفت باريس فشله سابقا.
وحرص الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون بنفسه، على إعلان خبر سحب مشروع قانون نزع الجنسية، مبررا ذلك بـ"سوء الفهم" الذي أحدثه المشروع والذي قد يؤدي إلى "تأويلات غير صحيحة".
ولم يكن مشروع القانون بحسب تبون، يريد تجريم حمل الجنسية المزدوجة التي تعترف بها الدولة الجزائرية، حسبه، ولا تشكك أبدا في "الروح الوطنية" لأصحابها وارتباطهم بوطنهم الأصلي.
وكان الهدف من القانون، وفق رأس السلطة في الجزائر، يرتبط بالتهديدات التي تواجه أمن الدولة، من طرف أشخاص في الخارج، والتي ستتم مواجهتها، بحسبه، بطريقة أخرى.
وفي الأسابيع الأخيرة، أصدر القضاء الجزائري مذكرات توقيف دولية بحق نشطاء في الخارج، بتهم تتعلق بالإرهاب، وهو ما فجّر جدلا آخر حول واقعية هذه المتابعات.
وجاء قرار الرئيس الجزائري، بإلغاء مشروع القانون المثير للجدل بعد نحو شهر من عرض وزير العدل بلقاسم زغماتي وهو أحد أعمدة الحكومة هذا النص على اجتماع الوزراء.
اقرأ أيضا: حبس 5 نشطاء في الجزائر إثر انتشار فيديو لقاصر عذبته الشرطة
المساس بالجنسية الأصلية
والمثير في هذا المشروع، أنه كان يتيح حتى نزع الجنسية الأصلية وليس فقط المكتسبة، لكل جزائري يقيم خارج التراب الوطني ويكون "متورطا بأفعال تلحق عمدا ضررا جسيما بمصالح الدولة أو تمس بالوحدة الوطنية".
ويمتد قرار نزع الجنسية، لكل من "يقوم بنشاط أو انخراط في الخارج في جماعة أو منظمة إرهابية أو تخريبية أو يقوم بتمويلها أو بالدعاية لصالحها، كما يتعلق الأمر بكل شخص تعامل مع دولة معادية للدولة الجزائرية".
واللافت أن الناطق الرسمي للحكومة، عمار بلحيمر، قد استبق الانتقادات الموجهة لمشروع القانون، بالقول إن كل هذه الإجراءات تستجيب لما تسمح به الاتفاقيات الدولية واستنفاذ إجراءات الطعن.
لكن كل ذلك لم يشفع للحكومة في تلقي وابل هجوم غير مسبوق من قانونيين وحقوقيين وسياسيين، رأوا في هذا المشروع خطرا حقيقيا على انسجام الجزائريين وتعديا على حق دستوري أصيل.
وفجّر المشروع ردود فعل مستاءة من شخصيات آثرت في الفترة الأخيرة التقليل من الظهور، على غرار منسق اجتماعات المعارضة السابق عبد العزيز رحابي والمحامي والناشط السياسي مقران آيت العربي.
وصبّ سياسيون في المعارضة جام غضبهم على وزير العدل بلقاسم زغماتي، ومنهم رئيسة حزب الاتحاد من أجل الرقي والتغيير زوبيدة عسول التي كانت قد طالبته بالاستقالة من منصبه.
وأوضح المحامي والخبير القانوني، عبد الرحمن صالح، أنه من الواضح أن إعداد هذا المشروع، كان قرارا ارتجاليا متسرعا، أسقط الحكومة في حرج بعد ردود الفعل الواسعة الرافضة له.
اقرأ أيضا: الجزائر تتحدث عن حركات انفصالية تستغل الحراك وتهدد بقمعها
وذكر صالح في تصريح لـ"عربي21"، أن السلطات لاحظت ما سببه مجرد الإعلان عن هذا المشروع، من استعداء للجالية الجزائرية في الخارج وغضبها من استهدافها في جزائريتها.
وأشار المتحدث، إلى أن هذا المشروع احتوى على توجه خطير وغير مسبوق في دول العالم، يتعلق بنزع الجنسية الأصلية للمواطنين، وهو أمر لم يكن ممكنا تجاوزه بالنظر لمساسه بحقوق أصيلة لا يجوز التصرف فيها.
"مناورة من السلطة"
وشبّه مراقبون من حيث الشكل، مشروع قانون نزع الجنسية، بما سبق عرضه في فرنسا زمن الرئيس السابق فرانسوا هولاند سنة 2015، وهو أمر زاد من حدة الجدل حول هذا المشروع.
وتسبب هذا المشروع في أزمة سياسية كبيرة للرئيس الفرنسي، بعد أن رفض الحزب الاشتراكي الذي ينتمي إليه هذا القانون بمبرر مخالفته للقيم الأساسية التي تقوم عليها الجمهورية.
وذكر عبد الغني بادي رئيس مكتب العاصمة في الرابطة الجزائرية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن السلطات الجزائرية حاولت استنساخ نفس الفكرة التي عرضت في فرنسا على الرغم من أنها فشلت هناك فضلا عن أن سياق عرضها كان مختلفا تماما.
وأوضح بادي في تصريح لـ"عربي21"، أن الفكرة في فرنسا رغم أنها لقيت معارضة شديدة، توفرت لها بيئة النقاش بسبب الهجمات الإرهابية التي تعرض لها هذا البلد، أما في الجزائر، فما دفع لذلك هو "الخلاف السياسي وليس الموضوع الأمني".
ورجّح بادي احتمال أن يكون هذا المشروع مجرد مناورة من السلطة، بحيث يظهر في الأخير رئيس الدولة الذي ألغى المشروع كأنه قام بإنجاز كبير، وهي حسبه نفس ممارسات السلطة السابقة.
لماذا تغيب الأحزاب العلمانية في الجزائر عن الانتخابات؟
من هم المشاركون والمقاطعون بانتخابات برلمان الجزائر؟
الجزائر ما بين الترحيب والتوجس بعد رفع سرية وثائق فرنسية