يعود الكاتب والإعلامي
عبداللطيف المناوي، إلى قيادة المشهد الصحفي والإعلامي
المصري، بعد 14 عاما من طرده من مبنى "
ماسبيرو"، في 22 شباط/ فبراير 2011، بعد 11 يوما من كتابته خطاب تنحي للرئيس المصري المخلوع حسني مبارك الذي أطاحت به ثورة 25 كانون الثاني/يناير من ذات العام.
ويظل مشهد هجوم مئات العاملين بالتليفزيون المصري على المناوي والمطالبة بإقالته ومحاسبته على ما وصفوه بـ"إهدار المال العام" خلال رئاسته "قطاع الأخبار" بماسبيرو، باقيا عبر موقع "يوتيوب"، والذي يُظهر مغادرته في حماية قوات الجيش المتمركزة بالمبنى المطل على نيل القاهرة.
وخلال الأيام الماضية، عاد اسم المناوي، أحد أهم رموز إعلام حسني مبارك للواجهة بعد سنوات من الإبعاد عن العمل الصحفي والإعلامي الرسمي، ليثير الجدل كما أثاره كثيرا بملفات عديدة قبل وبعد الإطاحة به، ومن بينها العمل مع الثورة المضادة لثورة 25 يناير، وما أثير عن تسريبه ملف مذكرات الفنانة سعاد حسني التي قُتلت في لندن عام 2001.
وفي الوقت الذي أعلنت فيه الشركة المتحدة للخدمات
الإعلامية، عن تعيين المناوي رئيسا تنفيذيا للأخبار والصحافة بالشركة المملوكة لجهاز سيادي مصري، في خبر مثير للجدل نشرته العديد من الصحف والمواقع المحلية وبينها "دار الهلال" الحكومية، جرى حذف الخبر من صفحة الشركة ومن المواقع الأخرى.
وأحدث حذف خبر تعيين المناوي دويا أكبر من الذي صنعه قرار قيادته للمشهد الإعلامي، والذي يأتي بعد شهر من تغيير قيادات الشركة المتحدة المسيطرة على الإعلام في مصر والتي تأسست في 2017، ويعمل بها 8 آلاف و700 موظف، وتملك 40 شركة، و10 منصات إخبارية، و17 قناة تلفزيونية.
وفي 10 كانون الأول/ ديسمبر الماضي، أُعلن عن ترأس رجل الإعلانات الشهير طارق نور، وأحد أهم رموز إعلام مبارك وصاحب فضائية "القاهرة والناس"، للإدارة الشركة، في قرار تبعه في 25 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي الاستعانة بأحمد المسلماني وهو رمز آخر من رموز الصحافة في عهد مبارك لرئاسة "الهيئة الوطنية للإعلام"، المشرفة على التليفزيون المصري (ماسبيرو).
والشهر الماضي، أعلنت الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية، عن تحالفها مع شركة "طارق نور القابضة"، وقناة "المحور"، لوضع استراتيجية مستقبلية لتطوير المنظومة الإعلامية، في قرار نتج عنه تعيين طارق مخلوف عضوا منتدبا، وعضوية سيف الوزيري، ومحمد السعدي، وتامر مرسي، وأحمد طارق، وعمرو الفقي، وشريف الخولي، وعمرو الخياط، بالمجلس الجديد للشركة.
"أجواء القرار"
وتأتي الاستعانة بالمناوي، أحد أهم رجال إعلام حسني مبارك، والذي قام بأدوار داعمة له وللثورة المضادة إبان ثورة 25 يناير 2011، بعد اهتزاز إمبراطورية الإعلام التي صنعها
السيسي مع الإطاحة باللواء عباس كامل رئيس المخابرات العامة منتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والعقيد أحمد شعبان الذين قادا ملفات الإعلام والصحافة والفن والإعلانات والإنتاج السينمائي والدرامي بمصر منذ عام 2016.
تغييرات عديدة بالمشهد الإعلامي سبقت قدوم المناوي، وجاءت مع تولية اللواء حسن رشاد بمنصب رئيس المخابرات العامة في 16 تشرين الأول/ أكتوبر 2024، بقرار من السيسي، وبدلا من عباس كامل، ومنها إطاحة الشركة المتحدة بالصحفي محمود مسلم من رئاسة قطاع الصحافة (رئيس لجنة الثقافة والإعلام في مجلس الشيوخ)، وأحمد الطاهري من "قطاع الأخبار"، وهو مؤلف كتاب "الطريق إلى الجمهورية الثانية" والذي تطاله اتهامات بالفساد ويرجح أنه خارج البلاد.
منذ إقالة كامل، والإطاحة بشعبان، كشف صحفيون وكتاب مصريون عن ملفات فساد بالمليارات داخل الشركة المتحدة وخسائر تصل 20 مليار جنيه، وبينما جرى الإعلان عن خسائر مالية كبيرة للشركة عام 2021، إلا أنه جرى مؤخرا التكتم على تلك الملفات والتي كان الحديث عنها سببا في اعتقال الكاتب الصحفي سيد صابر 27 تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.
وفي أيار/ مايو 2021، أقالت المتحدة من قياداتها المنتج تامر مرسي، ليتولى مجلس إدارتها المصرفي، حسن عبدالله (محافظ البنك المركزي حاليا)، معلنة عن خسائر بلغت 460 مليون جنيه عام 2017، ونحو 101 مليون جنيه في 2018، وحوالي 20 مليون جنيه عام 2019، و46 مليون جنيه في 2020، مبينة أنها في العام التالي حققت 256.7 مليون جنيه أرباح.
وتمتلك الشركة فضائيات "دي إم سي"، و"الحياة"، و"سي بي سي"، و"إكسترا نيوز"، و"المحور"، و"الناس"، و"أون"، و"تايم سبورتس"، و"النادي الأهلي"، و"نادي الزمالك"، وبرامج "القناة الأولى" و"الفضائية" المصرية، ومحطات إذاعية هي: "شبكة راديو النيل"، و"ميغا إف إم"، و"نغم إف إم"، و"شعبي إف إم"، و"راديو هيتس"، و"راديو 9090"، إلى جانب الكثير من المواقع الصحفية.
ووفق موقع "المنصة" المحلي، يُرجح وجود سيناريوهات لتحويل القنوات الأربعة التابعة لقطاع الأخبار؛ وهي "القاهرة الإخبارية" بالعربية والإنجليزية و"إكسترا نيوز" و"إكسترا نيوز لايف"، إلى شركات مستقلة، مع استحداث منصب يجمع إدارة قطاعي الأخبار والصحافة بشكل "غير مسبوق".
"سيرة المناوي ومواقف مثيرة"
ووفق ما ذكرته الشركة المتحدة عن سيرة المناوي، وتاريخه الإعلامي أنه شغل مناصب متعددة بين تأسيس قنوات إخبارية وإدارتها، كذا رئاسة تحرير العديد من الصحف المصرية والإقليمية، وله العديد من المؤلفات في الشئون السياسية والاجتماعية، وهو عضو مجلس الأكاديمية الدولية للفنون والعلوم التليفزيونية في نيويورك.
وتخرج في جامعة القاهرة عام 1981، حيث درس الصحافة بكلية الإعلام، لينضم إلى مؤسسة الأهرام الحكومية عبر العمل كمحرر بمجلتها الاقتصادية، وله العديد من الكتب منها "الأيام الأخيرة لمبارك"، و"قبل 25 يناير بقليل"، و"شاهد على وقف العنف: تحولات الجماعة الإسلامية في مصر".
ومرارا انتقد المناوي، ملف الإعلام المصري، وبينما كان يترأس قناة "الغد العربي" الإخبارية من القاهرة، وفي كانون الأول/ ديسمبر 2015، قال المناوي لصحيفة الـ"المونيتور" الأمريكية: "الإعلام في مصر خرج عن دوره، نتيجة حال الاهتزاز التي تعيشها الدولة، ومطلوب ضبط الأداء الإعلامي، وفقا للقانون الذي ينظم الحرية ولا يضيعها".
كما أنه في آذار/ مارس 2023، قال لفضائية "سي بي سي"، التابعة للشركة المتحدة، إن "الصحافة المصرية تعاني الكثير من المشكلات وأبرزها ما يتعلق بالأزمة الاقتصادية".
وإثر الإطاحة بحسني مبارك، ورموز نظامه وعلى رأسهم رئيس مجلس الشورى ووزير الإعلام الأشهر صفوت الشريف، تفجر الحديث مجددا عن قضية وفاة الفنانة المصرية سعاد حسني في لندن عام 2001، وتوجيه أصابع الاتهام من قبل أسرتها عبر بلاغ رسمي إلى الشريف، وسط تقارير صحفية عن تورط عبداللطيف المناوي في القضية بتسليمه مذكرات "السندريلا" إلى الشريف، رجل المخابرات السابق.
"من النملية الإعلامية"
ويشكك إعلاميون في قدرات المناوي، على ضبط وتوجيه والنهوض بالمشهد الصحفي والإعلامي المصري، مشيرين لمغادرته فضائية "الغد العربي" في 30 تشرين الأول/ أكتوبر 2016، بعد عام ونصف فقط، وإقالته من صحيفة "المصري اليوم" أيلول/ سبتمبر 2023، بعد 5 سنوات من رئاسة تحريرها.
وكتب الإعلامي المصري المقيم في الولايات المتحدة محمد السطوحي، ساخرا، بقوله: "تهانينا للمتحدة للإعلام بمرحلة جديدة عظيمة باختيار الإعلامي الفذ عبداللطيف المناوي رئيسا للأخبار بها بعد إخراجه من خزين (النملية الإعلامية)".
وأضاف عبر "فيسبوك": "المناوى صاحب تاريخ ناصع، مازلنا نذكر له وضع الكاميرات على نيل مصر الهادئ بينما العالم كله يتابع ميدان التحرير الهادر"، مضيفا: "وتُوِج مجهوده الكبير فى ماسبيرو بخروجه مشيعا بالأحذية من الموظفين الغاضبين".
وتابع السطوحي: "لم تتوقف إبداعاته بعد هروبه للندن لسنوات، فقد عاد ليتولى قيادة قناة (الغد العربي) حيث كانت انطلاقتها على يديه أشبه بـ(نورماندي 2)، فتم عزله بعد سنة فقط رغم جهده المشكور فى تطوير مكتبه وتفخيمه بميزانية أثارت الغمز واللمز".
ولفت إلى أن "آخر إنجازاته العظيمة كانت برئاسة تحرير (المصري اليوم) ليحقق فيها انفرادات هائلة لم يشعر بها أحد، لتتم إقالته منذ أشهر، فتخاطفته المؤسسات الإعلامية والصحفية الكبرى في العالم، لكنه رفض عروضها المليارية لإصراره على وضع خبرته الطويلة لخدمة الجمهورية الجديدة وجبهتها الوطنية".
وختم الإعلامي المصري الذي كان يعمل مراسلا للتليفزيون المصري من واشنطن، حديثه بالقول: "أعيد ماذكرته من قبل: مأساة الإعلام في مصر تولية من لا يعرفون الفارق بين الميكروفون وكوز الذرة".
وحول أسباب استعانة الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية برجل إعلام حسني مبارك وكاتب آخر خطاباته، ودلالات تلك الاستعانة، والذي يمكن أن يقدمه أو يضيفه أو يفعله المناوي ولم يفعله العقيد شعبان ورجاله، مثل الطاهري ومسلم وغيرهما، تحدثت "عربي21"، مع مختصين بالمجال الإعلامي.
"إعادة تدوير للنفايات"
وقال الباحث الإعلامي المصري خالد الأصور: "لا أرى غرابة في استعانة النظام برموز عهد مبارك، فهم أيضا كانوا معه منذ البداية.
وأضاف لـ"عربي21": "نعم ركز على العسكريين في تولي المناصب، لكن الحكومات المتعاقبة منذ 2014 ضمت كثيرين من رموز مبارك والدولة العميقة في عهده، وكذلك رجال المال والأعمال في هذا العهد هم هم الذين لا يزالون يتصدرون الساحة".
وأكد أنه "اتساقا مع هذا التحليل، كانت أحكام البراءة القضائية بالجملة للفريقين من الفاسدين من عهد مبارك، من وزرائه وكبار مسؤوليه، وكذلك رجال أعماله؛ فأن يأتي العهد الحالي برموز هذا العهد ليتصدروا المناصب الاعلامية، فلا جديد أيضا في المشهد يدل على أن ثمة تغييرا جذريا أو مهما".
وختم بالقول: "هذا مجرد إعادة تدوير للنفايات المستعدة دوما للدوران في ظل أي نظام استبدادي".
"دوائر الموثوقية لا الكفاءة"
من جانبها قالت الكاتب الصحفية مي عزام، إن "ما يحدث سواء على الساحة الإعلامية أو السياسية يُظهر أن هناك خلط لدى صانع القرار نتيجة فراغ لم يُملأ بعد إثر خروج اللواء عباس كامل من المشهد".
وأكدت لـ"عربي21"، أن "هذا واضح في اختيارات رجال المشهد الإعلامي، وكذلك في تأسيس حزب (الجبهة الوطنية) الجديد"، ملمحة إلى أن "هناك محاولة إحلال وتجديد لكن فيما يبدو أن من تم الاستعانة بهم لهذه العملية من رجالات عهد مبارك".
وترى الصحفية المصرية وكاتبة المقال في العديد من الصحف العربية، أنه "من الطبيعي أن يستعين هؤلاء بدوائر معارفهم القديمة الموثوق بولائهم بغض النظر عن الكفاءة أو إمكانية الإبداع والتجديد".
وتعتقد أن "كل ما يحدث وما سيحدث يؤكد أن هناك حالة بلبلة وعدم قدرة على الرؤية الصحيحة ومعرفة احتياجات المرحلة القادمة؛ سواء على الصعيد الداخلي أو على صعيد السياسة الخارجية والمواقف من الأحداث الجارية في الإقليم".
وفي إجابتها على السؤال: هل كل ما تم صرفه من مليارات بمجال الإعلام وتدشين شركات وشراء صحف ومواقع وفضائيات لم ينتج عنه سوى الفشل؟، قالت إن "الفشل من عدمه رؤية".
وأضافت: "ربما يجد النظام أنه نجح في منظومة الإعلام بإغلاق المجال العام أمام الأصوات المعارضة، في حين أن الجانب الآخر يجد أن المنظومة الإعلامية فاشلة وأنها لم تعد مؤثرة"، ملمحة إلى أن "الإعلام الرسمي بالعالم كله يتراجع أمام منصات التواصل الاجتماعي".
وترى في نهاية حديثها، أن ما ينقص المنظومة الإعلامية في مصر مع كل ما تم صرفه من أموال وتغييرات في رئاسة الشركة وفي قيادات المشهد الإعلامي "الكفاءات والمهنية والقدرة الإبداعية؛ وهذا كله لا يمكن أن يتحقق دون حرية تعبير، ورحابة في المجال العام".
"من يكتب الخطاب القادم؟"
وعبر مواقع التواصل الاجتماعي، هنأ إعلاميون وصحفيون المناوي بالمنصب الجديد، عبر صفحته بـ"فيسبوك"، فكتب الإعلامي محمد المغربي، عبر صفحته بـ"فيسبوك": "من لم يعمل مع المناوي، لن يدرك لماذا تمتلئ صفحات التواصل الاجتماعي بهذه البوستات المبتهجة بتوليه المسؤولية الجديدة".
لكنه وعلى الجانب الآخر انتقد البعض القرار، حيث سخر الإعلامي المصري حافظ الميرازي، من الاستعانة بالمناوي، والمسلماني، واصفا إياهما بكتبة خطابات تنحي حسني مبارك، متسائلا: "من يدري، من سيكتب الخطاب القادم ومن سيراجعه؟".
وعلى طريقة الميرازي، تنبأ الكاتب الصحفي سيد الجعفري، بنهاية مشابهة للنظام الحالي كنهاية حسني مبارك قائلا عن تعيين المناوي: "رائحة نهاية عهد مبارك تفوح في الأفق"، كما علق الحقوقي المصري أحمد العطار، بالقول: "لعلها تكون بشرة خير"، فيما كتبت المخرجة سوزان عباس البارودي: "2011 - 2025 = لف وارجع تاني".