في بلدي، كل شيء مرتبط بالسياسة.. الفن والرياضة وحتى النكتة. منذ أن وصل العسكر في 1952 إلى سدة الحكم في
مصر وكل شيء مرتبط بالسياسة ويوظف للسياسة. والسياسة في بلدي تعني تمرير قرارات الحاكم والحكومة خيرها وشرها، حلوها ومرها، ومن أجل ذلك فإنه في بلدي إدارة خاصة في الأجهزة الأمنية تسمى إدارة الشائعات، دورها تهيئة الشارع للقرارات الهامة، أو التي يمكن أن تصيب المواطن في رزقه أو حياته على العموم، وتوظف في ذلك كل الأجهزة والأدوات الحكومية أو غير الحكومية والمرتبطة بالنظام من خلال مصالح.
منذ ما يزيد على الشهر
أعدم هشام عشماوي بعد أسابيع من القبض عليه، بعد محاكمة عسكرية، سريعة التحضير، أصدرت ضده حكم الإعدام، لينفذ الحكم بعد أسابيع من النطق به.
عملية تسليم هشام عشماوي من قبل القوات الليبية التابعة للواء خليفة حفتر للمخابرات الأمنية تم تصويرها من الألف إلى الياء، وذلك لأن الأجواء كانت تحتاج المشهد والنظام متعطش لمشهد انتصار حتى لو لم يشارك فيه. وبعد أسابيع من إعدام "الإرهابي" هشام عشماوي ينطلق مسلسل أنفق عليه الملايين يحكي قصة غريمه والمسئول عن متابعته، الضابط أحمد المنسي "الأسطورة". وكان إطلاق المسلسل من أجل تعبئة الشارع الذي بدأت تفتر حماسته تجاه النظام الفاشل على مستوى ملفات مصيرية.
في تشرين الأول/ أكتوبر عام 2017 وأثناء مداهمة الشرطة مخبأ للإرهابيين في صحراء الواحات البحرية، وقعت قوة الشرطة المنفذة للعملية في كمين خطط له بعناية من قبل الإرهابيين، اشتبكت فيه القوة المهاجمة مع العناصر الإرهابية في معركة استمرت ساعات، أسفرت عن مقتل 16 وإصابة 13 آخرين من رجال الشرطة في الاشتباك، فيما أكد مصدر أمني لصحيفة واشنطن بوست أن القتلى من الشرطة تخطى عددهم الــ50 بين ضباط وأفراد. وبعد أشهر من هذه العملية تم القبض على قائد تلك المجموعة وهو عبد الرحيم المسماري، الليبي الجنسية من مدينة درنة، دخل الحدود المصرية عبر الصحراء مع مجموعته. وقد اعترف المسماري بأنه دخل مصر بغرض الانتقام من القوات المصرية التي تقصف بلاده وتقتل المدنيين، بحسب مصادر من داخل التحقيقات.
وعلى الرغم من أن عبد الرحيم المسماري قبض عليه في نفس العام الذي نفذت فيه العملية الكبيرة التي راح ضحيتها أكثر من خمسين من ضباط وأفراد القوات المصرية، إلا أنه، وعلى عكس العشماوي،
نفذ فيه حكم الإعدام بعد ثلاث سنوات من محاكمته، وهو ما يعيدنا إلى منطلق المقال وتوطئته. إن الحكم الذي أصدرته المحكمة العسكرية ضد المسماري ومجموعته لم يكن لينفذ إلا بأمر سياسي، فالنظام يشكل محاكم خاصة بهيئة قضائية خاصة، تصدر أحكاما خاصة، تنفذ في أوقات خاصة تراها القيادة السياسية للنظام.
فبعد المبادرة التي لم تسمع بها إلا جدران القصر الذي صدرت منه للحل السياسي في
ليبيا، كان لزاما على النظام المصري المتورط في القتال أن
يهدد ويتوعد، بعد الانتصارات الكبيرة التي حققتها الحكومة الشرعية وقواتها، ومن أجل إضفاء الشرعية المفقودة لتدخله، أحضر زعماء بعض القبائل المصرية التي لها امتداد في الداخل الليبي، وهي ظاهرة يعرفها كل المصريين، كأولاد علي والجوابيص والبراعصة والفوايد والهنادي والفرجان والبهجة والجميعات والقطعان والموالك والرماح والحبون وأولاد الشيخ. وبالمناسبة، لا يمكن أن تقول إن هذه القبائل كلها تساند حفتر، فمنها من يسانده ومنها من هو ضده ولو لم يرفع السلاح في وجهه، فهؤلاء الذين أظهرهم
السيسي وهو يستعرض قواته في الحقيقية لا يمثلون زعماء
القبائل الليبية، ومن ثم فإن طلبهم التدخل في ليبيا لمحاربة "الإرهاب" إنما يصنف تحت بند كذب الدولة.
أما المسماري فقد كان أضحية يجب أن تؤكل في حفل التوحد ضد الإرهاب. فالرجل من درنة الواقعة في الشرق الليبي، المهددة للحدود المصرية ومنطلق العلميات العسكرية ضد القوات المصرية في غرب البلاد، بحسب زعم النظام، هذه التهديدات التي تستدعى كما يستدعى كل موقف وتاريخ من أجل خدمة أطماع النظام في خيرات الجيران، أو تهديدهم وقمع طموحاتهم. وعلى الرغم من أن درنة تحت سيطرة قوات الانقلاب بقيادة حفتر وداعميه في الإمارات ومصر، إلا أن إظهار ابن درنة الآن يثبت مزاعم النظام في الحق المشروع في الدفاع عن أمنه القومي.
يستعرض السيسي قواته في المنطقة الغربية، ويستدعي شهود زور يستنجدون به، ويعدم عبد الرحيم المسماري ابن درنة ليؤكد فكرته، لكنه في النهاية لن يقاتل في ليبيا، وكل ما يحدث هو
عملية نصب كبيرة على الإمارات لسحب مزيد من الرز على خلفية هذا التحشيد، فلو كان السيسي سيقاتل، لكان قاتل في اليمن بعد أن قبض مليارات السعودية.