في الثاني والعشرين من أيار/ مايو عام 1967، وفي مؤتمر صحفي دعي له ممثلون عن الصحف وممثلو وكالات الأجنبية العاملة في
مصر، أعلن الرئيس الراحل جمال عبد الناصر إغلاقه مضيق تيران، وهو ما يعني إعلان حرب على العدو الإسرائيلي، وقال حينها وهو يفتح يديه: "أهلا وسهلا إحنا مستعدين للحرب".
وبعد أقل من أسبوعين كان جيش العدو يحتل ثلث مساحة مصر، ويمزق الجيش الذي كان مستعدا للحرب ويقطع أوصاله ويدمر بنيته التحتية، فيما حاول الإعلام تخفيف وطأته بإطلاق مصطلح النكسة على تلك الهزيمة النكراء؛ التي لم يحاسب المتسبب فيها بالشكل الذي يكافئ ما ارتكبه في حق الجيش والشعب.
وعلى الرغم الكتابات التي تناولت الهزيمة في 5 حزيران/ يونيو من المنصفين أو المنحازين من الطرفين المؤيد والمعارض، يبقى الفعل وصمة عار في جبين الجيش وقيادته التي ساقت رجاله وشبابه إلى مصارعهم، مستهينة بالأرواح ومفرطة في السلاح والعتاد الذي دفع ثمنه الشعب الفقير من دمه، في حلم تحرير فلسطين الغالية والخلاص من العدو الخبيث الذي كان بمثابة شماعة تضع عليها القيادة السياسية أخطاءها، أو تبرر بها قراراتها للتقشف أو كبت الحريات أو تخوين المعارضين، ومن ثم تستمد من محاربة هذا العدو الشرعية الشعبية بعد أن انكشفت خدعة الثورة والتحرر من الإقطاع، وبعد أن كشف الضباط "الأحرار" عن وجههم الإقطاعي، حتى أصبحوا يسمون بين المثقفين باسم الإقطاعيين الجدد.
وللمصادفة تمر السنون، وفي الخامس من حزيران/ يونيو عام 2020 ، أي في الذكرى الـــ 53 لذكرى النكسة، يأبى هذا التاريخ إلا أن يترك بصمته على كاتبي تاريخ جيش النظام في مصر.
ففي
ليبيا يسطر الثوار أروع البطولات، ويحررون
كامل مدينة ترهونة، ويستولون على معدات ثقيلة وأسلحة وذخائر خلفتها قوات النظام المصري بعد هروبها من جنوب طرابلس وتحرير الثوار كامل حدود العاصمة طرابلس التي مكنت قوات النظام المصري قوات المنقلب خليفة
حفتر من احتلال حدودها الجنوبية.
وقد سبق ذلك تحرير قاعدة الوطية، منطلق طيران المنقلبين لقتل الأبرياء المدنيين في طرابلس التي كانت واحدة من مناطق تمركز قوات
السيسي، ومنها تدار عمليات قتل الأبرياء وتقويض الشرعية في ليبيا.
لقد دخل السيسي ليبيا لمحاربة الإرهاب كما يدعي، ولمساندة اللواء المنقلب خليفة حفتر في تأمين حدود مصر الغربية، والأهداف الحقيقية غير ذلك ومعلومة لدى الكافة. لقد دفع شعب مصر فاتورة باهظة الثمن لتحقيق أهداف وأطماع النظام في مصر. وتتنوع الخسائر الناجمة عن هذه الأطماع بين خسائر بشرية وخسائر اقتصادية؛ تنقسم إلى خسائر مباشرة في المعدات التي تفقدها القوات في ليبيا، وغير مباشرة تتمثل في الرفض الشعبي في الجارة الليبية للعمالة المصرية، والتي كانت تحقق عائدات كبيرة تضخ في الاقتصاد المصري من خلال تحويلاتهم.
فبحساب بسيط لما ينفقه النظام منذ ست سنوات في ليبيا على التسليح والذخائر والمعدات، بعيدا عن الشحن وبدلات القوات، نجد أن الصاروخ من طراز "أس 300" على سبيل المثال يبلغ ثمنه مليون دولار، والطلعة الجوية الواحدة لطائرة "اف 16" تزيد عن 27 ألف دولار، وطلعة الطائرة (الأباتشي) المروحية هو 12 ألف دولار في الساعة. نجد أن مليارات الدولارات تنفق على حرب ليس لمصر ناقة فيها ولا جمل، إلا محاربة ثورات الشعوب وتحطيم آمالها
تنفيذا لرغبة الكفيل الخليجي.
وعندما نضع في الاعتبار أن غرفة العمليات في ليبيا يديرها ضباط مصريون، نفهم لماذا يسارع رأس النظام الآن في تقديم مبادرة
لوقف القتال في ليبيا.
والسؤال: لماذا لم تخرج المبادرة وقت أن كانت طائراتك تقتل الأبرياء المدنيين؟ ولماذا لم تخرج المبادرة وجيش الانقلابي حفتر المدعوم والمسير من قبل قادتك يفرض سيطرته على أغلب التراب الليبي ويهدد الحكومة الشرعية في العاصمة؟ ولماذا دعمت وبررت هروب حفتر من موسكو قبل التوقيع على اتفاق مشابه مع اختلاف الظروف؟
كل هذه الأسئلة ليست مطروحة على النظام، ولكنها مطروحة على الشعب المصري ليفهم الواقع الذي أخذه إليه النظام. فالنظام يقتل أبناء الشعب ويمحو تاريخ الجيش الوطني الذي نجلّه ويجله كل مصري غيور على وطنه وجيشه.
كم يؤلمني أن أشاهد أو أسمع خبر أسر أحد الجنود أو الضباط المصريين في ليبيا، وأن تصفه الحكومة الليبية بالمرتزق المصري.. هل وصل بنا الحال إلى أن يطلق على رجال جيشنا العظيم وصف مرتزقة؟ هل وصل بنا الحال إلى أن نؤجر بندقيتنا لكفيل خليجي يريد أن يلهو؟ هل يعقل أن يكون أعرق وأقدم جيش منظم في التاريخ البشري حفنة من المرتزقة؟
إنها صرخة محب ومخلص لهذا البلد وهذا الجيش.. يجب أن نوقف تلك المهزلة، يجب أن يعود رجالنا من ليبيا، يجب أن نكسر اللعبة التي يلعب بها الكفيل الخليجي، فأبناؤنا يموتون من أجل أن يلهو الكفيل الخليجي. أحزنتنا ضحكات لساكني القصور، فلا تقدموا دماءكم لمتعة المرضى النفسيين.