دعوات محمد علي أنتجت
الحراك الشعبي في مصر
في العشرين من سبتمبر الجاري ومن خلال مقطع فيديو
قصير دعا المقاول والفنان محمد علي جماهير الشعب المصري إلى النزول إلى الشارع
لرفض هدم بيوتهم أو التصالح ودفع غرامات تقدر بمئات الآلاف من الجنيهات من أجل
الإبقاء عليها دون هدم، في صور لا يمكن تفسيرها إلى أنها شكل من أشكال الابتزاز
الحكومي للشعب الفقير، والذي ازداد فقرا بقرارات اقتصادية قاسية لم تراع البعد
الاجتماعي للشعب المصري الذي تم إفقاره على مدى سبعين عاما.
كما لم تراع تلك القرارات البعد الاقتصادي الذي
تعيشه البلاد والعالم أجمع، فلم تظهر المؤشرات زيادة في الناتج القومي مثلا، ولا
ارتفاعا في متوسط دخل الفرد، بل على العكس أكل التضخم ما تبقي من الطبقة المتوسطة
وأجهز على الطبقة الفقيرة واسعة الانتشار، فكانت هذه العوامل مع هدم بيوت البسطاء محفزا
للاستجابة لدعوة المقاول والفنان محمد علي.
توقعات المعارضة
للحراك الشعبي أخَّر تفاعلها
كان يوم العشرين من سبتمبر يوما عاديا لدى جموع
المصريين، وكانت إجابة كل، أو دعونا نقول السواد الأعظم من المعارضة المصرية في
الخارج، عن سؤال: ما ستنتج عنه دعوة محمد علي للتظاهر، تذهب إلى أن لا حراك سيكون
في الداخل، فكان سقف توقعات المعارضة للحراك
الشعبي أوطى من جحر النملة، مُعللين ذلك أن محمد علي ليس زعيما شعبيا وليس عنده
رؤية، وأن ما حدث العام الماضي في نفس التاريخ لم يكن إلا تنفيسا عن الغضب الذي
تولد من حجم الفساد الذي يعيشه النظام، والأرقام المهولة التي نهبها من قوت الشعب،
في مقابل خطاب يدعو إلى التقشف من النظام، وتحديدا رأس النظام الذي ادعى أن ثلاجته
ظلت عشر سنوات لا تحوي إلا المياه، وأن ما عرضه محمد علي في فيديوهاته لم يكن إلا
غيض من فيض، فما خفي كان أعظم.
وعلى الرغم من هذه الحقائق كانت تذاع على قنوات
المعارضة وتنشرها مواقعهم ويتداولها أنصارهم، إلا أنها لم تجد صدى لدى الشارع على
النحو المأمول، وفي نفس الخطأ وقعت المعارضة بعدم الدخول على خط الدعوات التي
أطلقها محمد علي في العشرين من الشهر الجاري، لا سيما وأن الرجل - أو من وراءه -
قرروا التحرك في مسافة تبعد قليلا عن مربع المعارضة المصرية في الخارج بعد الخذلان
الذي وجده منهم في الدعوة للتظاهر في يناير الماضي، وبعد أيام من نجاح دعوة محمد
علي وتزايد الأعداد وانتظار ما ستسفر عنه جمعة الغضب بعد إطلاق وسم
(#جمعة_الغضب_25_سبتمبر) بدأت المعارضة تتحرك، في تأخر واضح عن فهم حقيقة المعطيات
الجديدة على الأرض في الشارع المصري.
المعارضة لا
تأخذ بالنصائح ولا ترى إلا ما ترى
فيما يبدو أن المعارضة المصرية في الخارج لا تأخذ
بالنصائح ولو كانت من مقربين أو حتى ممن هو جزء منها، وأن هناك أفراد بعينهم هم من
قرأوا المشهد ويتحركون على أساس ما انتهوا إليه دون النظر إلى آراء الآخرين، وهو
بالمناسبة ما جعل كفاءات كثيرة تأخذ جانبا بعيدا عن العمل المنظم في أروقة
المعارضة، وإن كانت لم تتحرك سنتيمترا واحدا بعيدا عن قضيتها الوجودية، تحرير مصر،
فالقرارات التي يتخذها النظام والسياسات التي ينتهجها والاتفاقيات التي يبرمها
جعلت من المخلصين يزدادون تمسكا بإنقاذ مصر مما هي فيه بعد أن وصلت الأمور إلى
حافة الهاوية، بعد ضياع النيل والأرض والحقوق في الحدود الاقتصادية وما يترتب
عليها من ضياع الثروات، والأزمات الاقتصادية التي يدفع ثمنها المواطن الفقير.
ومع عمل المعارضة في الخارج على هذه الملفات،
لكنها مع الأسف تنتهج نهجا تقليديا غير مرن وتتمترس في مربع واحد لا تريد التحرك عنه، ما جعل تحركها بطئ في التعاطي مع دعوة محمد علي
للتظاهر، وفي مقالنا المنشور على موقع "عربي21" بعنوان "محمد علي
يكتب قواعد جديدة للصراع في مصر" أسدينا النصيحة للكتلة الصلبة في أي حراك،
بأن أدفعوا سريعا بكوادركم، وكانت النصيحة أيضا لكل من يستطيع الحشد من قوى
المعارضة، وعلى الرغم من تزايد أعداد المتظاهرين وبرغم كسر حاجز الخوف، إلا أن
المعارضة لا تزال تقف مترددة.
تعاطي المعارضة
سيفشل الحراك الشعبي
لما كانت المرونة عنصرا غائبا في أدبيات المعارضة
المصرية في الخارج على النحو الذي يؤهلها للتعاطي مع الحراك الشعبي الحادث الآن،
فإن وجود مشاريع فعلية لا يمكن وصفها إلا بالجيدة، لم تستطع أن تواكب الحدث وتطور
نفسها سريعا وتتمحور مع المعطيات الحادثة، فلا تزال المعارضة تستخدم نفس الأدوات
والآليات منذ سبع سنوات لم تتجدد.
وهنا الحديث أيضا على مستوى المطالب والأهداف
التي تريد أن تمليها على الحراك الواقع والحادث من جموع غير مؤدلجة، فحديث البعض
عن أن دوافع الحراك وأهدافه تتمثل في انقلاب السيسي على الحراك الديمقراطي، وسجن
الآلاف، وبيعه مقدرات الدولة وتقليصه دور مصر على الساحة الإقليمية والدولية، وتجميده
الحياة السياسية، ومن ثمة يجب خلعه، هو أمر مثير للشفقة وينم عن أن بعض من يتصدرون
القيادة في المعارضة منفصل عن الواقع بالنتيجة.
تشريح الدور
الذي لعبته المعارضة خلال السبع سنوات الماضية
التجارب التاريخية لدور المعارضة من الخارج لم
تثبت نجاحات كبيرة ولعل أشهر نموذج للمعارضة من الخارج هو نموذج الثورة الإيرانية
في سبعينات القرن الماضي، وهو مضرب المثل لكل قادة المعارضة المصرية في الخارج، مع
ذلك فإن الوقوف على تلك التجربة يكشف حقيقة الدور الذي تلعبه المعارضة المصرية
ومدى نجاحه.
وعليه، فإن لعب المعارضة المصرية دور الزعامة في
مشهد شعبي كالذي تعيشه مصر الآن، دور لا يليق بوزنها الفعلي على الأرض، والذي كشفه
محمد علي بهاتفه المحمول ودعواته البسيطة، أنا لا أقبل أن يطلق على الحراك الدائر
في مصر الآن ثورة المهمشين، لأنه مصطلح لا يليق بشعب أثبت وعيا وسابقا في ذلك
نخبته، فأزمة هذا الشعب في النخب، وأزمة تلك النخب أنه تم تخديرها بمقولة إن
الصراع بين الجيش أو الدولة والإخوان، وارتضت بأن يكون اسمها متداولا ولو لم تحدث
أثرا أو نتيجة حقيقية تغير واقعا، بل على العكس كانت القرارات المتخذة تبرد
الشارع، ولعله خير.
الدور الحقيقي
للمعارضة في الخارج
ولعل قرار تبريد الشارع كان لمصلحة مصر، أكثر من
قرار المعارضة التي ارتأت أن تعمل على وقف نزيف كوادرها في إطار الاعتقالات والتصفيات
التي تحصلها أسبوعيا، مع ذلك لم تتوقف الاعتقالات ولم تنته التصفيات، فقد كان قرار
المعارضة في مصلحة الشارع، لأنه أعطى الحراك الدائر الآن فرصة للتعبير عن نفسه
بعيدا عن صراعات ثنائية حدية التوصيف، صفرية النتائج، سواء على المستوى القانوني
بتوصيف أي معارضة بأنها إخوان وتصنيفها إرهابية، أو على المستوى الأمني بالاعتقال
المباشر أو الإخفاء أو التصفية.
والآن أصبح على المعارضة أن تتلاشى وتتجرد وتذوب
في الحراك الشعبي غير المؤدلج الحاصل الآن من دون أستاذية أو زعامة لم تحقق لمصر
ما ينفعها في صراع الاستقلال والانعتاق من أغلال الاحتلال بالوكالة، وهو الدور
الذي يلعبه قادة الجيش بامتياز لصالح الإمبريالية التقليدية والمتجددة.
وعلى المعارضة أن تنزل راياتها وتواري شعاراتها،
وتؤخر أهدافها ومطالبها وتنخرط في هذا الحراك بالنصح بما لديها من خبرة ودراية
وتجربة، أما دون ذلك فإن هذه المعارضة ستنتهي للأبد ليس فقط لرفض الشعب لها بعد
سبع سنوات من الشيطنة، لكن لأن هذا الشعب لا يقبل الأستاذية عليه، لا سيما وهو
يمسك الأرض.