الست الوزيرة ونظام جوبلز

تسعى الحكومات في كل الدنيا إلى إجلاء مواطنيها من كل دول العالم، فإن لم يكن واقع الحال يحتم ذلك فإن المواطن بطبيعة الحال يصر على العودة إلى وطنه في أوقات الأزمات، فالطبيعة البشرية تدفع الإنسان إلى الوطن، حيث الأهل والأحباب، والاحتماء بوطن يعرف تفاصيل التعامل مع دوائره الحكومية وأنظمته القانونية وطبائع سلوكه الاجتماعية.

وفي أغلب دساتير العالم إن لم يكن كلها، يتحتم على الحكومة أن تعيد مواطنها من الخارج ما إن يطلب ذلك، وإن لم تنص القوانين والدساتير، فإن المواثيق الدولية وفي القلب منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، نص على حرية التنقل والسفر ومن ثم حق العودة إلى الوطن، أما أن يرفض النظام في مصر استقبال طائرة إسبانية استأجرتها الدوحة لنقل عالقين مصريين لديها، في وقت يؤجر فيه النظام طائرات الشركة الوطنية، ملك الشعب، للولايات المتحدة الأمريكية لإجلاء رعاياها من دول العالم، فهذا أمر لا يمكن فهمه، كما لا يمكن فهم أن يرسل النظام طائرة على متنها وفد طبي مصري برئاسة وزيرة الصحة المثيرة للجدل، وتبرع عبارة عن مليون قناع واق مشحون على طائراتنا إلى مطار مالبينسا بإيطاليا.

مستلزمات طبية وقائية تتصارع عليها دول العالم.. فأمريكا مثلا، أقوى دولة في العالم، كانت لها معركة كبيرة مع إيطاليا حين "اختطفت" من الأخيرة حمولة مستلزمات طبية ووقاية صحية من على متن طائرة كانت مرابطة في الصين ومتجهة إلى إيطاليا، ودفعت فيها ثلاثة أضعاف الثمن من أجل شعبها، وهي (أمريكا) صاحبة التريليوني دولار لدعم الاقتصاد، والتي منحت إجازات مرضية مدفوعة الأجر للعاملين في الدولة، وأصدرت قرارا بقوة القانون بإجراء تحليل الكشف عن فيروس كورونا مجانا (وليس بثلاثة آلاف جنيه) وتحسين إعانة البطالة، وأقرت دعما إضافيا لبرامج الدعم الغذائي للفئات المحتاجة.

قد يفسر الأمر على أنه مصالح النظام مع إيطاليا المرتبطة بالغاز، أو بقضية ريجيني، أو أطماع النظام في ليبيا، أو كيدا في تركيا التي أرسلت طائرة محملة بالمستلزمات الطبية لإنقاذ الحليف الإيطالي، لكن الذي لا يمكن أن يفسر، أن يصاب كل الطاقم الطبي في مستشفى من أهم المستشفيات في مصر (مستشفى الأورام) بسبب عدم وجود اللوازم الطبية الكافية لحماية هذا الطاقم.

لا يمكن أن نفسر مقولة رأس النظام: "احنا فقرا أوي" وأن يعلن رئيس حزب الوفد (أحد الأحزاب الكارتونية في مسرحية الديمقراطية بعد الانقلاب) أنه سوف يتقدم بمشروع قانون للبرلمان، لكي يلزم المواطنين بالتبرع لصندوق تحيا مصر التابع لرأس النظام، لمواجهة فيروس كورونا، على أن يخصم التبرع من راتب الموظفين مباشرة، بما يعني أننا نعيش في اللا منطق.. أن تتبرع، يعني تطوعا، وتجبر بقوة القانون على ذلك التطوع، هذا اللا منطق يمرر عبر إعلام يعمل بمنطق اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس. ولأن جوزيف جوبلز، وزير الدعاية في عهد النازي، صاحب النظرية، لم يمهله القدر أن يعيش زمن السوشيال ميديا، فإنه لا يعرف أن الدعاية عبر الراديو أو السينما لم تعد بالأثر المطلوب، فأصبحت الحكومات الفاشية تستخدم حسابات مزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي لبث هذه الإشاعات والأكاذيب، لتمرير افتراءات وادعاءات وأباطيل تلك الحكومات الفاشية.

منذ أيام وتحديدا يوم الثاني من نيسان/ أبريل الجاري أعلنت إدارة "تويتر" أنها أزالت 20 ألف حساب مزيف مرتبط بحكومات السعودية والإمارات ومصر. وقالت إدارة "تويتر" إن هذه العملية جزء من تحقيق في أنشطة تدعمها دول لا تحترم مبادئ الشفافية على منصتها الاجتماعية، وتضيف إدارة المنصة أنه تم حذف أكثر من 2500 حساب مصري مربوط بموقع جريدة الفجر الإلكترونية، استخدمها النظام المصري لزيادة تمرير تغريدات ناقدة ضد خصومه السياسيين.

الإجراء الذي اتخذته إدارة "تويتر" جاء بعد أن تم انتقاد المنصة لكونها واحدة من أكبر مزودي المعلومات المضللة، جنبا إلى جنب مع منصة "فيسبوك". وكثيرا ما اتهمت المنصتان بأن إدارتيهما متسامحتان بشأن الحسابات المفبركة أو غير الحقيقية والمرتبطة في الأغلب بحملات الدعاية السياسية التي تبثها الأنظمة ضد معارضيها، فتلك المنصات كفيلة بتغيير قناعات الشعوب التي يتم تغييب وعيها منذ عشرات السنين، في الحالة المصرية، من خلال دعايات رخيصة غالبا مع تستخدم العاطفة أو التخويف لتمرير الأكاذيب، أو القرارات الفاشلة.

يقول جوزيف جوبلز: "كلما سمعت كلمة مثقف تحسست مسدسي"، وهكذا كل دكتاتور لا يستطيع الحياة إلا في بيئة الجهل والتخويف.. ثوروا تصحوا.