في صبيحة يوم الأحد الماضي هبطت
في مطار مالبينسا بميلانو شمالي
إيطاليا طائرة شحن تابعة لشركة
مصر للطيران وعلى متنها
مليون ومائتي ألف كمامة هدية من حكومة الانقلاب في مصر لمساعدة إيطاليا في مواجهة عواقب
تفشي مرض فيروس (كوفيد-19) الذي يجتاح العالم، وعلى قمّة المتضررين منه منطقة الشمال
الإيطالي التي يُوصف الوضع فيها بالكارثي.
وتزامنا مع ذلك اشتعل الإعلام ومواقع
التواصل الاجتماعي بالشكوى المرّة لأفراد وأطقم الهيئات الطبية والتمريضية في مصر من
عدم وفرة الأجهزة والمعدات والمستلزمات الأساسية للوقاية من العدوى بهذا الفيروس الفتاك،
وقصور وسائل حماية العاملين في القطاع الصحيّ من إصابتهم بالعدوى، بالإضافة إلى طرق
علاج المرضى منه، وكان هناك إجماع على توجيه اللوم المباشر للمسؤولين في وزارة الصحة
بالفشل التام في إدارة الأزمة وفي قواعد التعامل مع انتشار المرض داخل مصر، والتخبط
في وسائل مسح واكتشاف وعزل المصابين بالفيروس، بل وانعدام التخطيط السليم أصلا لمواجهة
مثل هذه الأوبئة والكوارث.
لقد اتسمت طريقة القائمين على شؤون
الصحة في مصر في استقبال أخبار انتشار فيروس (كوفيد-19) وانتقاله بسرعة من بلد لآخر
باللامبالاة في البداية، حيث إن قناعة ألمسؤولين في الكيان الانقلابي هي إنكار المنهج
العلمي في التعامل مع البرامج والمشروعات، فقائد الانقلاب وأعوانه مثلا لا يؤمنون بدراسات
الجدوى قبل البدء في أي عمل جدّي ويعتبرونه ضياعا للوقت.
وقد طلب عبد الفتاح السيسي من جمهور
المصريين ألا يطيعوا أحدا سواه فهو "طبيب الفلاسفة" يشخّص المشكلة ويصف حلّها،
وهو "ففهمناها سليمان"، حيث فقد الآخرون الإدراك والمعرفة، وبهذا أصبح إنجاز
الأمور يتم بالارتجالية متجنبا القواعد العلمية، وهو عكس الواقع وخلاف التطوير والتحديث
وكانت النتيجة في ظلّ ذلك انهيار المنظومة الصحية في مصر فبحسب مؤشر "إنديغو ويلنس"
للرفاه تقع مصر ضمن أسوأ عشرين دولة أداءً في تصنيف الصحة العالمية.
إيطاليا دولة أوروبية، وعضو في الاتحاد
الأوروبي، وفي حلف شمال الأطلسي، وهي ليست بالدولة الفقيرة، وعلى افتراض وصولها إلى
درجة الاحتياج والافتقار فسيهبّ الأوروبيون لمساعدتها ونجدتها ومنعها من الانهيار تماما
كما فعلوا مع اليونان، والمنطقة الشمالية من إيطاليا معروفة بصناعاتها وبتقدم الخدمات
الطبية فيها، ويظهر أن فيروس (كوفيد-19) قد داهمها على حين غفلة ليصل حجم الكارثة إلى
درجة غير مسبوقة، وعلى الرغم من تجربة الصين في الحدّ من انتشار الفيروس، والتي يكتنفها
كثير من الغموض، إلا أن الصين قامت بإنشاء مشفيين كبيرين خلال عشرة أيام لاستيعاب أعداد
المرضى المتزايدة.
أما الوضع في إيطاليا فإنها تفتقر
للأماكن التي يمكن معالجة المرضى فيها، وتنقصها أجهزة التنفس الاصطناعي، كما أنها بحاجة
إلى الأيدي العاملة، وبالذات من فئة الأطباء والممرضين في هذه الظروف الصعبة، هذه الظروف
التي جعلت كل دولة في العالم تقول: نفسي نفسي، فيكاد يكون مستحيلا أن تفرط دولة فيما
لديها من إمكانات ومعدات ومستلزمات، فنحن نرى الفيروس إذا حلّ بساحة بلد ما يشلّ كل
أركانها.
وما تمرّ به إيطاليا الآن دفع البريطانيين
إلى استيعاب الدرس فها هي الحكومة البريطانية تخصص المليارات دون قيود للصرف على منظومتها
الصحية، وتستدعي خمسين ألفا من العاملين السابقين فيها للخدمة مرة أخرى، وقامت بتأجير
كل مستشفيات القطاع الخاص بما فيه من أجهزة ومعدات وقوى عاملة وطلبت من المصانع تحويل
انتاجها في الوقت الحالي للأجهزة والمعدات الطبية فقط تحوطا لحدوث كارثة شبيهة بالإيطالية.
وهنا نتساءل عن الدافع وراء هدية
الكمامات لإيطاليا ومصر "دولة عوَز"، كما وصفها زعيم الانقلاب، وهذه الكمامات
من النوع البسيط الذي تحكي التقارير عنه أن له منافسين أفضل تأثيرا وجودة منه؟، وبينما
يظهر المسؤولون في دول العالم يوميا يحدثون ويصارحون شعوبهم نجد أن قائد الانقلاب العسكري
عبدالفتاح السيسي – الذي ملّ الناس من ظهوره في ما يسمى "الفيديو كونفرنس"
مع كل مناسبة كبيرة وصغيرة – نجده قد اختفى تماما – سوى مرة واحدة- عن التواصل مع المصريين،
بينما الأزمة تتفاقم، فهل دلالة إرسال الكمامات إلى إيطاليا علامة على اهتمامه بالوضع
الصحي هناك بعيدا عن تركيزه على تفشي المرض بين المصريين؟
فالملاحظ أنه منذ مقتل الدارس الإيطالي
جوليو
ريجيني تحت التعذيب وتوجيه أصابع الاتهام لقمة الحكم الحالي في مصر لم تفتر،
وفي المقابل لا يغيب عن بال السيسي استرضاء إيطاليا كلما حانت الفرصة، وكان أخرها مشروع
شراء فرقاطتين بحريتين ضمن صفقة بالمليارات .
وسيظل هاجس ريجيني يراود السيسي
ويحكم علاقته بإيطاليا لحين وقوع الصيد السمين في الشبكة.