علق مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" ديكلان وولش على جنازة الرئيس المصري السابق حسني مبارك، يوم الأربعاء، قائلا بأنها احتوت على عناصر التكريم لبطل حرب سابق، إلا أنها تجاهلت حكمه الطويل لمصر، أو بصفته أطول رئيس يحكم البلاد منذ ثورة يوليو عام 1952.
ويبدأ وولش مقاله، الذي ترجمته "عربي21"، بالقول: "عندما تجمعت الحشود في بداية الربيع العربي في كانون الثاني/ يناير 2011، أقسم حسني مبارك ألا يهرب من البلاد إلى المنفى حاملا معه العار، وقال: (أنا ومصر لن ننفصل حتى أدفن على ترابها)".
ويعلق الكاتب قائلا إن "هذا ما حدث يوم الأربعاء عندما مات مبارك عن عمر يناهز 91 عاما، وتم دفن حاكم مصر لثلاثة عقود في جنازة عسكرية في القاهرة، حضرتها عائلته وحلفاؤه والرجل القوي الذي يدعمه الجيش: عبد الفتاح السيسي".
ويشير وولش إلى أن صحيفة "الأهرام" الرسمية حملت عنوان "مبارك في ذمة الله"، لافتا إلى أنه في جنازة تم التحضير لها بعناية، وجرت خارج مسجد تابع للجيش، فإن السيسي قاد المعزين خلف نعش مبارك الذي توفي يوم الثلاثاء في المستشفى؛ نتيجة مشكلات في الكلى والقلب.
ويفيد الكاتب بأنها "كانت لحظة خشي فيها السيسي من بقايا تعاطف شعبي مع مبارك، التي توقعها منذ سنين، وتم ترتيب الجنازة على أنها لبطل حرب أدى دورا في حرب عام 1973 ضد إسرائيل، لكنها تجاهلت سجله باعتباره أطول رئيس حكم مصر".
ويلفت وولش إلى أنه "مع انطلاق 21 طلقة من مدفعية، حيث وضع نعش مبارك على عربة قادتها الخيول، وتم لفه بالعلم المصري، فإن جنديا سار حاملا ميدالياته العسكرية ورتبها على النعش، ومشى السيسي بنظارته السوداء إلى جانب نجلي مبارك علاء وجمال، اللذين كانا محلا لسخط الشعب بسبب المحسوبية التي ميزت سنوات مبارك الأخيرة في الحكم، وهما يعيشان حياة هادئة في حي من أحياء القاهرة".
وينوه الكاتب إلى أن السيسي صافح أرملة مبارك، سوزان، التي كانت قوة مهيمنة في الحياة المصرية العامة خلال سنوات حكم زوجها، وتم الثناء عليها لدورها في تشجيع التحكم في النسل ونشر التعليم، لكنها انتقدت بصفتها زوجة رجل قدم نفسه بأنه فرعون جديد.
ويذكر وولش أن قادة الأزهر قدموا تعازيهم، وكذلك الدبلوماسيون العرب والأجانب، مشيرا إلى أنه لم يكن هناك أي مؤشر على وجود قادة أجانب بين المشيعين.
ويقول الكاتب: "يظل التكريم العسكري محلا للجدل، فقد برئت ساحته من عدة تهم جنائية بعد ثورة 2011، لكن تهمة الفساد لصقت به بعد الحكم الصادر عليه في عام 2015، ما دفع بالصحافة المحلية للتكهن بأن التهمة كفيلة بحرمانه من جنازة عسكرية، إلا أنه تم تجاهل هذا العرف، وعندما تم بث الجنازة عبر التلفزيون الرسمي بدا واضحا أن الحكومة تريد أن تتحدث عن مسيرته العسكرية بتلميحات عابرة حول فترته بصفته رئيسا وسياسته الخارجية".
ويبين وولش أن "جنازة مبارك أظهرت بعدا من انتفاضة عام 2011: فالمسجد الذي نظمت فيه الجنازة يحمل اسم المشير حسين الطنطاوي الذي قاد المجلس العسكري الذي أخذ السلطة من مبارك، واصطف على طول الطريق السريع الذي يقود إلى المسجد الضخم رجال الأمن في بدلاتهم وسترهم الجلدية، للتذكير بالأجهزة الأمنية المعروفة بوحشيتها في ظل مبارك، وهي التي قتلت 800 من المتظاهرين في الأسابيع الأولى من ثورة عام 2011، وقبل إجباره على التنحي عن السلطة".
ويستدرك الكاتب بأن "مكان الجنازة كان إشارة إلى رؤية السيسي عن مصر، فالطريق السريع يقود إلى عاصمته الإدارية الجديدة التي كلفت عشرات المليارات من الدولارات، ولا تزال قيد الإنشاء في صحراء القاهرة، وعلى الطريق يافطات ضخمة تحاول جذب أبناء الطبقة المتوسطة والعليا للمشروع، مثل صورة تعد بأنه أكبر تجمع لانهائي في العالم".
ويقول وولش: "كان مبارك رجلا ضخم الجثة، فأعطى مظهره هيئة الرجل الذي لا يقهر ونجا من محاولات للاغتيال، وبحسب النكتة الشعبية، فإنه عندما أمر الله مبارك بوداع المصريين فإن جوابه كان (إلى أين سيذهبون؟)، وبعد الإطاحة به بدا ضعفه الذي أدهش المصريون وهم يشاهدونه في قفص المحاكمة أو يجر على عربة إليها لمواجهة تهم الفساد والقتل، وبحلول عام 2017 برئت ساحة مبارك من التهم الكبيرة، وعادت أسطورة بقائه الطويل".
ويفيد الكاتب بأنه ظهر في مقابلة تفاخر فيها بدوره في حروب مصر، وفي 21 كانون الثاني/ يناير نقل للمستشفى بسبب مشكلات في البطن، وخضع لعملية، مشيرا إلى أنه مات يوم الثلاثاء بسبب متاعب في الكلى والقلب.
ويشير وولش إلى أن جنازته، التي عقدت على حافة العاصمة، لم تكن متاحة للناس العاديين، الذين لم يكن بإمكانهم وداع رجل سيطر على حياتهم لثلاثة عقود.
ويختم الكاتب مقاله بالقول: "لم يمت حس الرجل الذي لا يقهر، فقد عاش ليرى من ثاروا ضده وقد سجنوا أو ماتوا أو خرجوا إلى المنفى، لكنه اليوم دفن على تراب مصر".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
FP: مبارك لم يكن بطلا لكن من ثاروا ضده هم الأبطال
NYT: هكذا يرى المصريون في إرث مبارك فشل الربيع العربي
الغارديان: مبارك "ديكتاتور" حكم مصر 30 عاما