نشرت صحيفة "نيويورك تايمز" تقريرا لكل من ديكلان وولش وندى رشوان، تحت عنوان "في إرث مبارك يرى المصريون خلل الربيع العربي".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "عربي21"، إلى أن الرئيس المصري السابق تنعم في السنوات الأخيرة من حياته بحب عائلته وأنصاره، لافتا إلى أن صورا التقطت للحاكم المستبد السابق وحفيدته في حضنه مبتسما على شاطئ البحر المتوسط، فيما ظهر ابناه، اللذان نبذهما غالب المصريين، في النوادي الليلية ومباريات كرة القدم.
ويذكر الكاتبان أنه في الشهر الماضي، عندما كان مبارك يقترب من نهايته، نشر حفيده عمر صورة على "إنستغرام" ظهر فيها وهو يقوم بتقبيل جبهة جده، وكتب تحتها "كل الحب والتقدير" مع رمز تعبيري على شكل قلب.
وتعلق الصحيفة على نهاية مبارك المنعمة والمريحة، التي تتناقض مع نهاية خليفته محمد مرسي، الذي انتخب بطريقة ديمقراطية في عام 2012، وأطيح به بعد عام، وتم وضعه في سجن عالي السرية، حيث حرم من الأدوية الأساسية والزيارات العائلية، وتوفي في حزيران/ يونيو 2019، وهو في قفص في قاعة المحكمة، مشيرة إلى أن المصيرين المتناقضين للرئيسين يؤكدان المهمة المعقدة التي تواجه المصريين وهم يحاولون تقييم إرث مبارك الذي قسمهم في حياته ومماته أيضا.
ويلفت التقرير إلى أن الآمال العالية بالديمقراطية والإصلاح أثناء الربيع العربي، الذي أطاح بمبارك، قد سحقت بالكامل في ظل الحاكم المصري الحالي عبد الفتاح السيسي، ما دفع ببعض المصريين للحنين لحكم الرئيس الذي مقتوه ذات مرة.
وينقل الكاتبان عن مصري، قوله على "تويتر" معلقا: "كان محتالا.. لكنه كان رجلا حقيقيا، ولم يهن مصر أبدا، على خلاف الأيام السوداء التي نعيشها الآن".
وتعلق الصحيفة قائلة إن هذا الاحترام المفعم بالحقد لمبارك يجعل من إحياء وفاته أمرا حساسا للسيسي، الذي أعلن عن حداد لمدة ثلاثة أيام، مشيرة إلى أن الإشارات كانت كلها تشير إلى رغبة الحكومة في الاحتفال بمبارك بصفته بطل حرب، خاصة لدوره في القوة الجوية أثناء حرب 1973 ضد إسرائيل، لكنها في الوقت ذاته كانت تريد تجنب مظاهر تعاطف وحزن شعبية واسعة.
وينوه التقرير إلى أن هذه الازدواجية كانت واضحة في الساعات الأولى التي أعلن فيها عن وفاة مبارك، حيث قدم التلفاز المصري نعيا ناقدا، تحدث عن السنوات العشر الأخيرة من حكم مبارك بأنها سنوات الفرص الضائعة، قبل أن يتحول للترويج إلى برامج حوارية، مشيرا إلى أن السيسي أصدر في الوقت ذاته بيانا، عبر فيه عن "حزنه العظيم وأسفه العميق" لرحيل مبارك، وجاء في بيانه عن الرئيس السابق: "كان واحدا من قادة حرب أكتوبر وأبطالها، وقاد سلاح الجو خلال الحرب، وساهم في استعادة الكرامة والفخر للأمة العربية".
ويشير الكاتبان إلى أن ردود الفعل على وفاته تفاوتت بين المصريين، فشعر الكثير من المصريين بالغضب لأنه مات بسلام، وقال الخبير الاقتصادي محمد الدهشان في تغريدة على "تويتر": "كان يجب أن يظل في الزنزانة" أو "في محكمة لاهاي، لكنه انتفع من نظام العدالة المكسور الذي خلفه لنا".
وتلفت الصحيفة إلى أن هناك من تجاهل الأمر، فقال تاكر سليمان، الذي كان شقيقه واحدا من 800 مصري قتلوا أثناء الانتفاضة: "بعد تسعة أعوام لم نعد نهتم.. لم تحقق الثورة أي شيء، وقلبت مطالبها رأسا على عقب، ونسيها 90% من المصريين، ويمكنهم منح مبارك أي جنازة يريدونها".
وينوه التقرير إلى أن محكمة قد أصدرت حكما ضد مبارك في عام 2012 بالمؤبد؛ لدوره في قتل المتظاهرين أثناء الثورة، ثم برئت ساحته في محاكمة ثانية، فيما انهارت قضايا فساد أخرى ضد المسؤولين في نظامه وضد ابنيه علاء وجمال، مشيرا إلى أنه بدأ تقاعده في عام 2017، بعدما أفرج عنه من الحجز في مستشفى عسكري في القاهرة، وعاد إلى فيلته في حي هيلوبوليس الراقي في القاهرة، وحينها أصبح معظم الناشطين الذين ساهموا في الإطاحة به إما سجناء أو أنهم أجبروا على الهروب إلى المنفى.
ويذكر الكاتبان أن مبارك تحدث في الخريف الماضي في شريط فيديو على "يوتيوب" حول حرب 1973، وكان أول لقاء له أمام الكاميرا منذ الإطاحة به، وتحدث في أيار/ مايو 2019 مع صحافي كويتي حول سياسته الخارجية عندما كان في الحكم، وجهوده لمنع اجتياح العراق للكويت عام 1991، مشيرين إلى أن ما لفت انتباه المصريين في المقابلة هو صورته التي ظهر فيها وهو جالس في غرفة مزينة ببذخ، ووضعت الصورة على "تويتر" بتوقيع منه.
وتشير الصحيفة إلى أن قادة إسرائيل وفلسطين قدموا التعازي بوفاته، حيث كان النزاع بينهما هو واحد من انشغالات مبارك أثناء عقود من حكمه، ووصفه رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بـ"الصديق الشخصي" فيما قال رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس إن مبارك "قضى حياته خادما لوطنه، ودافع عن قضايا الحق والعدالة في العالم، وكانت قضية الشعب الفلسطيني على رأسها".
ويفيد التقرير بأنه بالنسبة للسيسي فإن مبارك هو شخص معقد، فهو الزعيم الذي أطاحت به ثورة شعبية، وكان ديكتاتورا يدعمه الجيش.
ويورد الكاتبان نقلا عن أندرو ميللر من مشروع الديمقراطية في الشرق الأوسط، قوله أن إرث مبارك هو حكم القبضة الحديدية الذي يمارسه السيسي، وأضاف: "لقد ذهب مبارك لكن لا يزال مئة مليون مصري يعيشون في مصر.. يعد السيسي أسوأ من مبارك من عدة نواح، لكن دون مبارك لم يكن السيسي ليظهر، وهذا هو إرثه الحقيقي".
وتقول الصحيفة إن التناقض أو حسن حظ مبارك ظهرا عندما قدم هو وابناه شهادات ضد مرسي، فحضر مبارك ونجلاه إلى قاعة المحكمة بالبدلات، أما الرئيس المنتخب مرسي فكان يرتدي زي السجن، مشيرة إلى أنه بعد وفاة مرسي، فإن مذيعي نشرات الأخبار قرأوا نعيا وزعته عليهم المخابرات لم يتجاوز 42 كلمة، ولم تتم فيه الإشارة إليه بالرئيس السابق.
ويلفت التقرير إلى أن من حاول معارضة السيسي من داخل المؤسسة العسكرية فإنه لقي معاملة قاسية، مثل أحمد شفيق وسامي عنان، اللذين تم إسكاتهما عندما قررا تحدي السيسي في انتخابات عام 2018.
وينقل الكاتبان عن أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الأمريكية في القاهرة الذي يعيش في المنفى الآن، عماد شاهين، قوله: "هذه رسالة واضحة: لن يتعرض رجالنا للإهانة طالما التزموا بالخط".
وتنوه الصحيفة إلى أن أنصار مبارك تلقوا خبر وفاته بالحزن الشديد، وقال عاصم أبو الخير، الذي دعم الرئيس أثناء المحاكمة، من خلال جماعة "أبناء مبارك"، إنه بكى و"لم أصدق الخبر".
ويورد التقرير نقلا عن الباحثة في السياسة المصرية في جامعة نيويورك، منى الغباشي، قولها إن الحنين المشترك بين المصريين العاديين لحقبة مبارك هو نتاج الانقسامات داخل المجتمع المصري منذ ثورة 2011، التي وضعت من يريدون تغييرا جذريا ضد الخائفين منه، وأضافت أن المصريين منقسمون بطريقة أعمق من الأمريكيين في مرحلة ما بعد الحرب الأهلية.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى أن الناشط في حقوق الإنسان جمال عيد، يرى أنه لو واجه مبارك عدالة حقيقية لكانت مثالا قويا للعالم العربي كله، وقال: "لقد فقد طغاة العالم واحدا منهم، أما عن إرثه فهو فساد مستشر وقوانين سيئة وأنصار يمارسون التأثير الآن ويعرفون بالدولة العميقة"، وقبل هذا كله "فأنا حزين لأنه مات دون محاسبة".
لقراءة النص الأصلي اضغط (هنا)
الغارديان: مبارك "ديكتاتور" حكم مصر 30 عاما
WP: لماذا لم يتعلم ترامب والسيسي من فشل مبارك؟
WP: جائزة للسيسي تؤدي لمقاطعات وتهديدات بحفل أوبرا شهير