لم تعد تدري السيدة أم بكر كيف تمضي يومها بينما تفكيرها مشغول بغياب زوجها ونجلها في سجون الاحتلال الإسرائيلي، ونجلها الآخر في السجون السعودية. أما صورهم جميعا، فتضعها أمامها، وتخاطبهم، راجية منهم العودة إلى منزلهم الصغير في مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية المحتلة.
وتمر الأيام على السيدة، دون أي خبر عن نجلها بكر الحصري الذي كان يعمل في السعودية مديرا للتسويق منذ خمس سنوات، لكن أخباره انقطعت منذ التاسع والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، حين حاول السفر إلى الأردن كما اعتاد دوما.
وتقول أم بكر لـ "عربي21" إن نجلها يعمل في شركة سعودية منذ عدة سنوات، وفي الثامن والعشرين من تموز حاول أن يحصل على إذن بالخروج والعودة ليتوجه إلى الأردن، لكنه علم أنه مطلوب للشرطة السعودية، وبعد ساعات طويلة تم احتجازه ونقله إلى جهة مجهولة.
وتوضح أن العائلة علمت عن طريق الشركة أنه محتجز لدى مباحث أمن الدولة، واستمر اعتقاله هناك لمدة 65 يوما، ثم تم نقله إلى سجن آخر، ومن هناك تلقّى زوج شقيقة زوجته مكالمة هاتفية منه، أبلغه فيها أن يقوم بإخلاء منزله من الأثاث ويسلمه لأصحابه.
وتبين الوالدة أن هذه العبارة أثارت الشكوك والقلق لديها، فهي ربما تعني أن غيابه قد يطول كثيرا، علما أنه متزوج وأب لطفل يبلغ من العمر عشرة أشهر، لافتة إلى أن زوجته توجهت إلى الأردن لزيارة عائلتها قبل تاريخ اعتقاله بعشرة أيام، على أمل أن يلحق بها بعد ذلك.
وتوضح أن نجلها موقوف هناك بلا تهم ولا محاكمة، وحتى دون السماح للعائلة بتوكيل محام للدفاع عنه؛ كونه يحتاج إلى توكيل من أحد أقربائه من الدرجة الأولى، ولا يوجد أي منهم في السعودية، لافتة إلى أن الشركة التي كان يعمل فيها حاولت التوصل إلى أي معلومات عنه، لكنها لم تنجح في ذلك.
وتضيف: "تواصلنا مع السفير السعودي في الأردن وفلسطين، ولكن حتى الآن لم تتم إفادتنا بشيء، ونحن نطالب بمعرفة مصيره أو حتى محاكمته إذا كانت عليه أي تهمة، ولكن أن يبقى اعتقاله مستمرا دون سبب فهذا ظلم كبير، فحتى لو كان هناك شخص مجرم تتم محاسبته ومحاكمته، لكن بكر لا توجد عليه تهم، ولا يتم الحديث معنا عن أي شيء يتعلق به".
وكانت قوات الاحتلال اعتقلت والد بكر منذ أربعة أشهر ضمن الاعتقال الإداري الذي تم تجديده لأربعة أشهر أخرى، فيما اعتقلت شقيقه مصعب قبل عشرة أشهر، وما زال موقوفا إلى الآن.
أما مهندس الكهرباء عبد الله عودة من مدينة قلقيلية، فانقطعت أخباره عن عائلته منذ اعتقاله في السجون السعودية منذ الثامن من أغسطس/ آب الماضي، وذلك رغم عمله في إحدى الشركات السعودية منذ عام 2015، دون وجود أي مخالفة أو نقطة أمنية تجاهه.
ويقول شقيقه مصطفى لـ"عربي21" بأن عبد الله اعتاد دوما أن يقضي إجازته خارج السعودية؛ حيث توجه في الثامن من أغسطس إلى دائرة الجوازات لإتمام ترتيبات السفر، ولكن تم احتجاز وثائقه على أن يراجع الأمن العام، وفي اليوم التالي اصطحب معه التأشيرة الخاصة به، وتم احتجازه لساعات في مكتب الأمن العام، ومنذ ذلك اليوم لم تسمع عنه عائلته أي شيء إلى الآن.
ويشير إلى أن العائلة خاطبت أكثر من مرة الجهات الرسمية السعودية، كالسفارات والخارجية وبعض الشخصيات ذات العلاقات مع الحكومة السعودية، ولكن دون فائدة، مبينا بأنها تقدمت كذلك بمناشدة تدعو إلى محاكمته إذا كان متهما بأي تهمة أو لديه أي مخالفة.
ويوضح أن شقيقه متزوج ولديه طفل يبلغ من العمر عامين؛ حيث توجهت زوجته قبيل اعتقاله للضفة الغربية، ولا تستطيع العودة إلى السعودية؛ لأن الإقامة باسم زوجها.
وتناشد العائلة مطالبة بمعرفة مصير عبد الله في السجون السعودية، وسبب اعتقاله، وأين يتم احتجازه، ومعرفة حالته الصحية وظروف اعتقاله؛ بينما يبين شقيقه بأنها توجهت للسلطة عن طريق رسائل شخصية من والده، ولكن لم تتم الاستجابة لأي منها.
ويذكر مصطفى أن عبد الله أسير سابق لدى الاحتلال، وأن عائلته كانت بصدد القيام بفعاليات خلال المباراة بين المنتخبين السعودي والفلسطيني في بلدة الرام شمال القدس يوم الثلاثاء، لكن أجهزة الأمن الفلسطينية اقتحمت منزلها، واعتقلت والد عبد الله وأشقاءه، وخيّرتهم إما بالتوقيع على تعهد بعدم الوصول إلى مكان المباراة، أو استمرار اعتقالهم لحين انتهاء المباراة.
ويضيف: "نحن نعلم تماما أن شقيقي ليست عليه أي مخالفات، وهو حسن السيرة والسلوك، ونحن نطالب بالإفراج عنه أو ترحيله من السعودية إذا كانوا لا يريدون وجوده فيها. أما اعتقاله بهذه الطريقة دون أي خبر عنه، فهو أمر مخالف لكل الوثائق والقوانين".
عشرات المعتقلين
وكانت حركة حماس كشفت في التاسع من سبتمبر/ أيلول الماضي لأول مرة أن السلطات السعودية اعتقلت أحد أبرز قيادييها المقيمين في السعودية، ونجله، رافضة الاستجابة لكل الوساطات التي تدخلت للإفراج عنه.
وذكرت في بيان لها حينها أن جهاز مباحث أمن الدولة السعودي اعتقل في الرابع من نيسان/ أبريل الماضي محمد صالح الخضري، المقيم في جدّة منذ نحو ثلاثة عقود، واصفة الاعتقال بأنه خطوة غريبة ومستهجنة، وأن الخضري كان مسؤولا عن إدارة العلاقة مع المملكة العربية السعودية على مدى عقدين من الزمان، وتقلّد مواقع قيادية عليا في الحركة، ويعاني من مرض عضال، ويبلغ من العمر 81 عاما.
وبحسب جهات حقوقية فلسطينية ودولية، فإن أعداد المعتقلين الفلسطينيين في السجون السعودية تصل إلى العشرات، دون تحديد معين لهوياتهم.
وقال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، في بيان له، إنه لم يحصر أعداد المعتقلين من الفلسطينيين في السعودية، لكنه وثق نحو ستين حالة، فيما تشير تقديرات داخل الجالية الفلسطينية في السعودية إلى أن العدد يفوق ذلك بكثير.
وأضاف أن شهادات بعض المعتقلين من زوار ومقيمين تؤكد أنه يتم عزلهم عن العالم الخارجي دون لوائح اتهام محددة، أو عرض على جهة الاختصاص (النيابة العامة)، ولا يسمح لهم بالتواصل مع أقاربهم أو محاميهم.
بدوره، يرى النائب في المجلس التشريعي الفلسطيني، فتحي القرعاوي، أن قضية المعتقلين الفلسطينيين في السجون السعودية هي قضية معقدة؛ لأنه لا يوجد طرف للتواصل معه بهذا الخصوص.
ويقول لـ"عربي21" إن الفلسطينيين يعتبرون السعودية دولة شقيقة، ومن الدول الراعية للقضية الفلسطينية، وتقف إلى جانبهم، لكن المعتقلين لديها منهم لم يقدموا لمحاكمة، ولم تتم محاسبتهم قانونيا، ولم توجه لهم أي تهم.
ويوضح القرعاوي أن المناشدات ما زالت مستمرة للعاهل السعودي وولي عهده، وكل من له شأن أن ينظر بعين الرحمة للفلسطينيين الذين انقطعوا عن عائلاتهم وبيوتهم وذويهم الذين ينتظرون إجابة شافية بخصوص المعتقلين.
ويضيف:" سبب الاعتقال لا نعرفه، ولا توجد أي إجابات حول اعتقالهم الذي تم دون إدانة لهم، وأملنا أن تحل القضية بعيدا عن إشكالات أخرى، وأن تبقى العلاقات طيبة".
وحول أثر مثل هذه الاعتقالات على رحلات الفلسطينيين إلى السعودية، أعرب القرعاوي عن أمله بألا تؤثر على هذه الناحية، خاصة رحلات العمرة والحج، مبينا أن الحكومة السعودية ما زالت تقدم تسهيلات خلال رحلات العبادة، ولم تحصل أي إشكاليات فيها حتى الآن.
زيارة المنتخب السعودي لفلسطين.. دعمٌ أم تطبيع؟
الاحتلال يغرق أراضي "48" بالجريمة.. وغياب للردع والعقاب
خبير إسرائيلي يرصد تطور العلاقات الأمنية والسياسية مع الرياض