وجبة "تحيا مصر" تسمم الطلاب.. والجيش يتجاهل الواقعة

أثار تسمم أكثر من ألفي تلميذ في صعيد مصر، بعد تناولهم وجبات مدرسية يقوم بتوريدها جهاز تابع للجيش، حالة من الغضب بين المصريين، وسط تجاهل الجيش وقائد الانقلاب عبد الفتاح السيسي للواقعة، رغم تكرار حدوثها.

وشهدت مدارس محافظة سوهاج بصعيد مصر، الثلاثاء، تسمم أكثر من 2260 تلميذا، بعد تناولهم وجبات التغذية المدرسية التي يوردها الجيش لوزارة التعليم، فيما تم نقل المصابين للمستشفيات، وتماثل معظمهم للشفاء، حسب وزارة الصحة.

الجيش هو المورد

وطالت سيطرة الجيش على قطاعات عديدة في الاقتصاد المصري؛ عمليات توريد الأغذية للمدارس، حيث تقوم شركة النصر للخدمات والصيانة "كوين سرفيس"، التابعة لجهاز الخدمة الوطنية بالقوات المسلحة، بتوريد 95 في المئة من التغذية المدرسية لطلاب المدارس والمعاهد الأزهرية، مع بداية العام الدراسي في تشرين الأول/ أكتوبر 2016.

وشارك الجهاز العسكري عام 2015 في تصنيع الوجبة المدرسية في ست محافظات، ويقوم الآن بإنتاج وتصنيع الأغذية كاملة مع وزارة الزراعة، واضعا جملة "تحيا مصر" و"مصر آمنة" على أغلفة الوجبات، وعبارة "معبأ خصيصا لصالح جهاز مشروعات الخدمة الوطنية ق.م"، حسب تصريح سابق لراندا حلاوة، رئيسة الإدارة المركزية لمعالجة التسرب من التعليم.

وكشف تقرير لصحيفة واشنطن بوست الأمريكية أن الجيش المصري يسيطر على 60 في المئة من اقتصاد البلاد، ويتمتع بميزانية سرية، وأعماله معفاة من الضرائب. وحذر التقرير من أن سيطرة العسكر على الاقتصاد ربما تنذر بتعميق الفساد.

تجاهل العسكر واستفزاز حكومي

ووسط اتهامات للنظام بالتستر على عمليات فساد في توريد الأغذية للطلاب وإهمال لصحة ملايين الأطفال؛ تجاهل السيسي الواقعة، فيما أعلنت حكومة الانقلاب التحقيق وتعهدت بمحاسبة المسؤول.

وتعتمد مصر على المنح الخارجية لتوفير التغذية لطلاب المدارس، فيما حصلت القاهرة على منحتين بقيمة 120 مليون يورو، في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، لهذا الغرض.

وجاءت تصريحات المسؤولين الحكوميين لتزيد من حالة الغضب الشعبي، حيث ادعى محافظ سوهاج أيمن عبد المنعم، أن حالات التسمم جاءت نتيجة وجبة لانشون خارج المدارس، فيما زعم وكيل وزارة التعليم بسوهاج، محمد حسام الدين، أن حالات التسمم ما هي إلا "افتكاسة" من أهالي الطلاب للحصول على تعويض مالي قيمته 5 آلاف جنيها للتلميذ المصاب.

خارج نطاق المساءلة

وانتقد الكاتب الصحفي ياسر عجلان تصريح الوزير، واعتبره تهربا من المسؤولية، وقال عبر "فيسبوك": "تبرير المحافظ عذر أقبح من ذنب؛ فالمحال المكتظة باللانشون الفاسد - بفرض صحة روايته - تقع ضمن مسؤولياته باعتباره محافظ الإقليم".

وأضاف عجلان: "المحافظ أطلق أكاذيبه وكله ثقة أن أحدا لن يحاسبه، خاصة أن هذا هو حادث التسمم الثاني في مدارس المحافظة خلال أسبوع واحد فقط طال 14 تلميذا؛ ولم يتعرض للمحاسبة"، كما قال.

وطالب أبوبكر مظهر، أحد أبناء سوهاج بإقالة المحافظ ونعته بـ"الفاشل"، مستنكرا ما أسماه بمسلسل حماية الفساد والفاسدين، وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، وجه رسالته لقائد الانقلاب ووزرائه وأعضاء البرلمان بقوله: "رصيدكم نفد لدينا وإن غدا لناظره قريب".

لا جديد مع الفساد

وقال الكاتب الصحفي أسامة الهتيمي، إن "حادثة تسمم طلاب سوهاج ليست الأولى ولن تكون الأخيرة"، مشيرا إلى أن "أخبار التسمم في المدارس أصبحت أمرا عاديا يتلقاه المصريون بلا دهشة".

وتكررت حوادث التسمم خلال العام الدراسي الحالي. ففي شباط/ فبراير، تسبب بسكويت "تحيا مصر" في تسمم 261 تلميذا بمحافظات المنيا والبحر الأحمر والشرقية. وفي كانون الأول/ ديسمبر، تسمم 6 طلاب بالدقهلية، وشهدت محافظتا الجيزة والبحيرة تسمم 174 تلميذا في تشرين الثاني/ نوفمبر. وفي تشرين الأول/ أكتوبر تسمم 10 تلاميذ بالشرقية.

وأكد الهتيمي لـ"عربي21" أنه "ليس هناك تحرك حقيقي للبحث عن الأسباب وراء هذا التسمم"، معبرا عن اعتقاده بأنه "سيتم إغلاق القضية دون الكشف عن مسؤولين حقيقيين"، وفق تقديره.

وانتقد الهتيمي "مسارعة أغلب المسؤولين من الصحة والتعليم والزراعة إلى الحديث عن أن التسمم ليس إلا حالة هلع بالإيحاء، وأن الوجبات التي تقدم بريئة براءة الذئب من دم ابن يعقوب"، كما قال.

وقال إن "هذا هو السيناريو المتوقع فيما يخص حادثة سوهاج". وأضاف: "يتم غلق القضية وتهدئتها أو التضحية ببعض المشرفين"، محذار من أن "نفس الحادثة سوف تتكرر بعد مدة".

المسؤول يعرفه الشعب

وتابع الهتيمي لـ"عربي21": "بطبيعة الحال، فإن المصريين لا يتوقعون محاسبة للمسؤولين عن الحادث".

وأكد أن الشعب "يدرك أن الأطراف المشاركة في الإنتاج والتوزيع فضلا عن الإشراف على هذه الوجبات لن تتعرض للمحاسبة، حتى لا تختلط الأمور ويتم المساس بالجهة التي يفترض أنها مسؤولة عن إنتاج نحو 90 في المئة من وجبات التغذية"، مطالبا بـ"تشكيل لجنة برلمانية لتقصي الحقائق وكشف التفاصيل".