خصصت مجلة "نيويوركر" مقالا طويلا، أعده الكاتب إيفان أوسنوس، حول
الأثرياء الأمريكيين القلقين بشأن
نهاية العالم وماذا سيحدث بعد ذلك.
وتقول المجلة إن مؤسس والمدير التنفيذي لموقع "ريديت"، الذي تقدر قيمته بحوالي 600 مليون دولار أمريكي، ستيف هوفمان تساءل قائلا: "ماذا سيحدث لو انتهت الحضارة، وحتى لو لم ينته العالم، فإن كانت لدينا مشكلة في الحصول على عدسات عين لاصقة أو نظارات، فسيكون الوضع مؤلما"، وقال: "بالنسبة لي فأنا متضرر".
ويشير التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن هوفمان كان عنده قصر نظر عندما قرر في عام 2015 القيام بعملية ليزر، ولم يكن دافعه تحسين المظهر، أو التخلص من مشكلات وضع النظارات، لكن لتحسين حظوظه للنجاة في حالة تعرض العالم إلى كارثة طبيعية أو من صنع الإنسان.
ويبين أوسنوس أن هوفمان كان طالبا في جامعة فيرجينيا، وكان راقصا جيدا ومعروفا في القرصنة على مواقع زملائه في المدرسة، وهو ليس قلقا من هزات أرضية في سان أندرياس، أو من قنبلة قذرة أكثر من خوفه مما بعد نهاية العالم، حيث قال: "لو انهارت الحكومة بشكل مؤقت"، فإن لديه ما يواجه فيه الأزمة، وأضاف: "لدي مجموعة من الدراجات النارية والأسلحة الأتوماتيكية والطعام المخزن في الثلاجة.. وأعتقد أن بإمكاني التحصن في البيت لفترة من الزمن".
وتلفت المجلة إلى أن "(النجاتيين) هي ممارسة معروفة، وترتبط عادة بتحطم العالم وبصور معينة: أهل الغابة والقبعة المصنوعة من الصفيح، والصور الدينية القيامية، إلا أن الفكرة في الفترة الماضية توسعت وأصبحت متجذرة في سيليكون فالي ولدى الأثرياء الآخرين في نيويورك بين المضاربين الماليين ورجال الاقتصاد".
ويفيد التقرير بأنه في الربيع الماضي، وفي أثناء الحملة الانتخابية المسمومة، التي كشفت عن انقسام المجتمع الأمريكي، قام المدير السابق للإنتاج في شركة "فيسبوك" في سان فرنسيسكو أنطونيو غارسيا مارتينز، بشراء خمسة دونمات على جزيرة في شمال غرب المحيط الهادئ، وجلب إليها مولدات للطاقة الشمسية وذخيرة، وقال: "عندما يفقد المجتمع أسطورة صحية عن النشوء، فإنه ينحدر نحو الفوضى"، وأضاف مؤلف مذكرات حادة عن أيامه في سيلكون فالي "فوضى القرود"، أن الناس بحاجة إلى مكان معزول لمواجهة الكارثة، لكن يجب ألا يكون بعيدا جدا عن المدن، مشيرا إلى أن البعض يعتقد بقدرته على مواجهة الكارثة وحده، وفي الحقيقة "فأنت بحاجة لمليشيات وأشياء كثيرة لعبور القيامة".
ويذكر الكاتب أن هناك صفحات خاصة على "فيسبوك"، يتبادل النجاتيون فيها الكثير من النصائح، حول كيفية النجاة مثلا من التغيرات المناخية، من خلال ارتداء أقنعة واقية من الغاز، أو البقاء في الملاجئ وأماكن آمنة، حيث يقول مدير شركة استثمار: "لدي مروحية مزدوة دائما بالوقود، ولدي ملجأ تحت الأرض مزود بنظام تهوية"، وقد تكون تحضيراته متطرفة، إلا أنه يقول: "أصدقاء لي يحتفظون بالدراجات النارية والأسلحة وقطع العملة الذهبية".
وتنقل المجلة عن المدير في صندوق ميفيلد تيم تشانغ، قوله: "هناك مجموعة منا في الوادي (سيليكون)، نلتقي على مآدب مالية إنترنتية، ونتحدث عن الخطط الداعمة التي يقوم بها كل واحد منا"، مضيفا أن بعضهم يخزن "بيتكوينز" وعملات مشفرة ليستطيعوا شراء الجوازات والسفر إلى دول أخرى.
ويورد التقرير أنه عندما قرر المدير التنفيذي السابق في "ياهو" مارفين لياو، الذي يدير 500 شركة جديدة، التحضير لما بعد النهاية، وجد أن الماء والطعام لا يكفيان، وقال: "ماذا لو جاء البعض وسرق هذا كله"، وقال من أجل حماية زوجته وابنته: "لا يوجد لدي سلاح، لكنني أخذت دروسا في الرماية".
ويلفت أوسنوس إلى أن الكثيرين تأثروا بأفلام الخيال العلمي، خاصة فيلم "ديب إمباكت"(1998)، وأصبح هوفمان مثلا من المترددين الدائمين على مهرجان متخصص في قضايا الخيال وأزيائه في صحراء نيفادا، حيث وقع في حب واحدة من منظمي المهرجان، وبدأ هوفمان على مر السنين بالقلق على الوضع السياسي الأمريكي، وإمكانية تعرضه لاضطرابات، "وحدوث نوع من الانهيار المؤسساتي"، بالإضافة إلى القلق على موقع "ريديت"، وهو مجتمع من المتحاورين، الذي أصبح من أكثر المواقع زيارة في العالم، ويعلق قائلا إن الإنترنت قد غير العلاقات، ولاحظ أن وسائل التواصل الاجتماعي أدت إلى مضاعفة مخاوف الناس.
وترى المجلة أنه "من الصعب الحديث عن عدد الأمريكيين الذين يستعدون لمواجهة نهاية العالم؛ لأن ذلك يتم بصورة سرية، والحديث عن هذا الأمر غير وارد، لكن في بعض الأحيان يمكن معرفة بعض الأمور عند الحديث مع صديق ما، فمثلا خلال حديث أحد مؤسسي شبكة LinkedIn مع صديق له، أشار هذا إلى سبب سفره إلى نيوزيلندا، قائلا: (ننوي الحصول على وثيقة تأمين من الكوارث)، لقد تبين أن نيوزيلندا أصبحت مكانا محببا لـ(النجاتيين)، حيث يعتقدون أنهم هناك سيكونون بمأمن من الحروب الأهلية والكوارث".
وينوه التقرير إلى أن نيوزيلندا تتمتع بشعبية بين هؤلاء النجاتيين، حيث بلغت مساحة الأراضي التي اشتروها في هذا البلد أكثر من ألفي كيلومتر مربع خلال 10 أشهر من عام 2016، وهذا يعادل أربعة أضعاف ما اشتروه عام 2015، مشيرا إلى أن هذا النوع من الهجرة أثار عدم رضا سكان البلاد، حتى إنهم شكلوا حركة "حملة ضد السيطرة الأجنبية على أوتروا" (تسمية نيوزيلندا بلغة ماوري).
وبحسب الكاتب، فإن "بعض الأرقام تشير إلى أن حوالي نصف أثرياء وادي السيليكون قد اتخذوا التدابير اللازمة لـ (التأمين من الكوارث)، ومنهم من اشترى بيتا خارج البلاد، ولا يخاف معظمهم نهاية العالم بقدر ما يخافون ردة فعل المجتمع؛ لأن وادي السيليكون يحتل المرتبة الثانية في قائمة أغنياء الولايات المتحدة، حيث تحتل منطقة الجنوب الغربي من كونيتيكت المرتبة الأولى، أي إن الأثرياء يهيئون لأنفسهم طريق الهروب، في حال انفجار غضب الجماهير".
وتورد المجلة أن "أحد الأثرياء قال إن (الكثيرين من جماعتنا يعتقدون أن الولايات المتحدة في طريقها إلى ما يشبه الثورة الروسية)؛ لذلك منهم من يحاول حل هذه المسألة بالتبرع بمبالغ كبيرة للمؤسسات الخيرية، ومنهم من يهيئ طريق الهروب، لكن قد تظهر مشكلات أخرى لا يفكر فيها الإنسان؛ فمثلا كنا نناقش سيناريوهات مختلفة للكوارث، حيث أكد غالبية الضيوف أنهم جاهزون للسفر على طائراتهم إلى بلدان أخرى، وهنا سأل أحدهم، وماذا عن عائلة الطيار؟ هل ستأخذونها معكم؟ وماذا عن الخدم؟ وإذا كسر الثوار الأبواب فمَن مِن أفراد أسركم ستأخذونه معكم؟ هذه الأسئلة أحرجت الكثيرين، ما جعلهم يقولون إنهم لن يغادروا البلد".
ويكشف التقرير عن أن المقاول لاري هول استغل هذه المسألة، وحول منجما لتخزين الصواريخ النووية إلى مجمع فاخر يتمكن فيه الأثرياء وأسرهم من استقبال نهاية العالم، لافتا إلى أن هذا المجمع يحتوي على 12 شقة، الكبيرة منها تحتل طابقا بكامله، وإيجارها 3 ملايين دولار، أما الشقة التي تبلغ مساحتها نصف مساحة الطابق فإن إيجارها 1.5 مليون دولار، وبقيت فيه شقة واحدة للمقاول وعائلته.
وتختم "نيويوركر" تقريرها بالإشارة إلى أنه "يمكن أن يعيش في هذا المجمع 75 شخصا، وفيه مواد غذائية ووقود يكفيان مدة خمس سنوات، وفيه حوض لتربية نوع من الأسماك، ويمكن زراعة الخضراوات باستخدام مصابيح خاصة، وتستخدم فيه مصادر الطاقة المتجددة، لذلك يثق هول بأنه يستطيع العيش فيه من دون قلق".