نشرت صحيفة "ستار" التركية؛ لقاء مع عبد القادر أوزكان، كبير مستشاري رئيس الوزراء، للحديث عن كتابه حول فتح الله
غولن، والذي اعتمد أسلوب التحقيق الصحفي؛ لمعرفة كيفية نشوء ظاهرة غولن، وكيف أصبح واعظا يستمع له الناس، وهو في حقيقة الأمر لم ينه المدرسة الابتدائية، حيث تناول الكاتب سيرة غولن، منذ نشأته وحتى الآن.
وذكر أوزكان خلال لقائه مع صحيفة "ستار"، والذي ترجمته "
عربي21"، أنّ نتائج بحثه تقود إلى أنّ غولن لم يكن يوما من الأيام صاحب رأي، أو رجلا مثقفا، وإنما تحوّل فعليّا في ستينيّات القرن الماضي إلى مشروع، عُمل عليه بدقة، وذلك بعد استلامه رئاسة فرع من فروع جمعية "مناهضة الشّيوعيّة"، علما بأنّ غولن وُلد عام 1941م، لكنّ هناك مصادر أخرى تشير إلى أنه وُلد عام 1938م، وهي السّنة ذاتها التي توفي فيها مصطفى كمال أتاتورك.
لكن أوزكان يعتقد بأنّ تاريخ الميلاد الصحيح لغولن هو عام 1941م، مشيرا إلى أنّ غولن اضطر لترك مدرسته الابتدائيّة؛ بعد تورط عائلته في مشكلة وجريمة اضطروا على أثرها لمغادرة القرية، وتوجه بعدها إلى منطقة أخرى، استطاع فيها إنهاء الشهادة الابتدائيّة وهو ابن 17 عاما، عن طريق امتحان مفتوح. وبعد عام من حصوله على الشّهادة، قام بتقديم طلب؛ ليكون واعظا لدى دائرة الشؤون الدّينيّة، وفق أوزكان.
وحول كيفيّة تعيينه لدى دائرة الشّؤون الدّينيّة، يذكر أوزكان أنه في هذه الفترة برزت علاقة فتح الله غولن بيشار توناغور، الذي شغل بدوره العديد من المناصب في الدائرة، كمفتٍ لأدرنة، ورئيس لجمعية في إزميت، كما عمل كنائب رئيس لدائرة الشّؤون الدّينيّة، وكان له دور بارز في دخول غولن إلى سلك الموظفين في الدائرة.
وبيّن أوزكان بأنّ قاسم غولاك، الأمين العام الأسبق لحزب الشّعب الجمهوريّ، كان له دور بارز في أوّل حديث بين غولن والغرب.
وأشارت الصحيفة نقلا عن أوزكان، إلى أنّ غولن وصل في السّتينيّات لموقع الإمام، كما ترأس فرعا من فروع جمعية "مناهضة الشّيوعيّة"، وكان يعظ النّاس من خلال أحاديث وخطب ضد أمريكا، وضد الشّيوعيّة. وقد تأسّست الجمعيّات المناهضة للشّيوعيّة في تلك الفترة تحت إشراف الأجهزة الاستخباراتيّة الأمريكيّة لمواجهة روسيا؛ كجزء من الحرب الباردة، وهنا يأتي دور غولن.
وبيّن أوزكان بأنّ غولن تعرّف على غراهام فولار في عام 1965م، بعدما أصبح الأخير مسؤولا عن ملف
تركيا والشرق الأوسط في جهاز الاستخبارات الأمريكيّة "سي آي إيه"، وفي هذا العام تحديدا كان الاتصال الأوّل بين غولن وأجهزة الاستخبارات الأمريكيّة، وهذا التّاريخ مهمّ؛ لأنه العام نفسه الذي قام به غولن بتأسيس منظّمته والبدء بعمل تنظيميّ.
وذكر أوزكان بأنّ نفوذ غولن داخل أجهزة الدّولة بدأ بصورة مكثّفة بعد انقلاب عام 1980م؛ لأنّ الفترة التي تلت الانقلاب شهدت إعطاء أمريكا "الضّوء الأخضر" لمشروع غولن، وتصويره على أنّه "مشروع إسلاميّ"، كما دفع كنعان إيفرين بهذا المشروع، ودعمه بقوة، ولم يكن هناك فرق كبير بين خطابات إيفرين وخطابات غولن، وهو ما لا يمكن أن يكون مجرد مصادفة، كما يقول أوزكان.
وعن كيفيّة قدرة غولن على التّأثير بكل هذا الحجم في أوساط المتعلّمين والمثقفين، أشار أوزكان إلى أنّ خطابات غولن التي تتمثل بوعود الجنة والخلاص والمهدي المنتظر وغيرها، ينطبق عليها ما قاله كارل ماركس: "الدِّين أفيون الشعوب"؛ حيث استخدمه غولن لقيادة هذه الكتل البشرية، وهكذا استطاع قيادة الجنرالات والقضاة والأكاديميّين والسياسيين؛ إذ أعماهم عن الحقيقة، واستطاع أن يقودهم خلفه، دون وعي منهم.
وأكّد أنّ غولن كان يستخدم نقاط الضّعف لدى الناس؛ لاستغلالهم، ولأنّهم لم يكونوا يملكون المعرفة الدّينيّة الكافية، استطاع أن يخدعهم بخطابه الدّينيّ، مستخدما مفاهيم مثل "المهديّة" وغيرها، للتّرويج له ولفكره، واللّعب على أوتار العاطفة الدّينيّة لدى الشّعب. كما أنّ تركيّا مرّت بفترات مُنع فيها التعبير عن الإيمان والمظاهر الدّينيّة، ولذلك أصبح غولن الأيقونة الوحيدة التي يقترب منها الناس نحو مفاهيم الدّين، وهو الأمر الذي استغله الرجل لقيادتهم نحو المشروع الذي ترأسه.
كما توصّل الباحث إلى أنّ غولن كان يسعى إلى قيادة الدولة التّركيّة منذ السّتينيّات، ولم يصف الانقلابات العسكريّة بأنّها سيّئة، بل إنّه يعتبر السّيطرة على تركيا وقيادتها وترأسّها سبب وجوده، والهدف الذي يسعى إلى تحقيقه منذ سنوات طويلة.
وأشار أوزكان إلى أن تغلغل الجماعة في جهاز الاستخبارات بقي غير معروف حجمه، إلى حين حصول أحداث غزي بارك، والتي بها تفاجأ الجميع من حجم التغلغل للجماعة داخل جهازي الاستخبارات والقضاء، وإلى الآن يعتبر هذا الموضوع من أكثر المواضيع التي تحوم حولها علامات استفهام حول ماهية وكمية تغلغل الجماعة في جهاز الاستخبارات.
كما يعتقد الكاتب بأن الولايات المتحدة الأمريكية ستغير تعاملها مع غولن، في حال أراد دونالد ترامب إعادة العلاقات، وإعادة بنائها مع تركيا، مشيرا إلى أن الدعم الأمريكي لغولن هو الذي أوصله إلى قمّة تغلغله ونفوذه؛ ممّا جرأه على القيام بمحاولة انقلابية ليلة 15 تموز/ يوليو، بعد أكثر من 15 سنة على خروجه من تركيا، ومشاركته في حوار الأديان، وزيارته إلى الفاتيكان، وهي الزّيارة التي تعرّف الغرب والعالم والرأي العام من خلالها على غولن.