سلط إعلان الحكومة
المصرية انتهاء زمن المفاوضات وعدم العودة إليها مجددا الضوء على خسارة مصر كل أوراقها التفاوضية التي استمرت طوال أكثر من 12 عاما وساعدت إثيوبيا فقط في تحقيق أهدافها والانتهاء من أهم عمليتين: البناء وملء السد.
كما يأتي هذا القرار في الوقت الذي تعاني فيه من شح مواردها المائية وزيادة الضغوط السكانية لتوفير المياه للشرب والزراعة والصناعة إذ تعتمد مصر بنسبة 97% على نهر
النيل في توفير احتياجاتها من المياه ما يشكل خطرا داهما على أمنها المائي والغذائي.
وقال وزير الري المصري، هاني سويلم، قبل يومين، إنه ليس هناك أي تطور جديد في الموقف بشأن
سد النهضة والدولة المصرية أعلنت انتهاء المفاوضات ولن يكون هناك عودة للمفاوضات بالشكل المطروح لأنه استنزاف للوقت.
اظهار أخبار متعلقة
وأشار الوزير إلى أنه كان لا بد من الانسحاب من المفاوضات ومن حق الدولة المصرية اتخاذ الإجراءات اللازمة في حالة التهديد المباشر لأمنها.
قرار مصر الانسحاب من المفاوضات كان أحد أهم مطالب المعارضين لها طوال السنوات الماضية، ولكن السلطات المصرية أصرت على تقديم تنازلات للجانب الإثيوبي، وفوتت العديد من الفرص حتى تمكنت الأخيرة من الانتهاء من السد وحرمان مصر والسودان من حصصهما التاريخية في مياه النيل.
مصر يائسة من فشل المفاوضات
والشهر الماضي، أعلنت مصر وقف مشاركتها في مفاوضات سد النهضة بسبب ما أسمته بـ "تعنت" إثيوبيا التي لا تلتفت إلا لمصالحها الفردية، بعد نحو أربعة شهور من إعلانها فشل آخر جولة مفاوضات بين دولتي المصب والمنبع والتي وصفت بالفرصة الأخيرة.
واتهم وزير الخارجية المصري، سامح شكري، خلال مشاركته في اجتماع وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي مع مصر والأردن والمغرب في الرياض، إثيوبيا بأنها لا تراعي الحد الأدنى من مبادئ حسن الجوار ما دفع بلاده لاتخاذ القرار بإيقاف مشاركتها في تلك المفاوضات التي لا تفضي إلى نتائج ملموسة طالما استمرت في نهجها الحالي.
مصر لا تحتمل بناء المزيد من السدود
وأعرب الوزير المصري، على هامش الاحتفال باليوم العالمي للمياه، عن مخاوفه مما هو أكثر من بناء سد النهضة وهو إنشاء المزيد من السدود على مجرى النيل، مؤكدا أن هناك تأثيرا للدولة تستطيع التعامل معه وآخر لا تستطيع التعامل معه.
وحذر الوزير من أن أي تأثير سيحدث على مصر سيدفع الجانب الإثيوبي ثمنه في يوم من الأيام، موضحا أنه وفقا لاتفاقية إعلان المبادئ الموقعة بين مصر وإثيوبيا والسودان، تؤكد أنه لو تسبب هذا السد بأي أضرار لدول المصب فعلى المتسبب أن يدفع ثمن هذا الضرر ومصر سوف تطالب به في يوم من الأيام، دون أن يوضح كيفية ذلك.
اظهار أخبار متعلقة
وكشف الوزير عن واحدة من أهم نقاط التفاوض التي تتخوف منها مصر ورفضتها أديس أبابا بشكل قاطع هو السماح بخروج كميات إضافية من مخزون من المياه أمام السد الإثيوبي في حالة الجفاف الممتد لعدة سنوات، وعادة ما يتكرر، لأنه سوف يستنزف مخزون السد العالي، وفي هذه الحالة ستكون حياة المواطنين في مصر والسودان أهم من الكهرباء.
مصر وشبح الجفاف المرتقب
وأشار وزير الري إلى أن الحالة الثانية هي ما بعد الجفاف المطول وهي إعادة الملء ووصفها بالقضية الجوهرية؛ لأن إعادة الملء عندما ينتهي المخزون في كافة السدود في مصر والسودان سيبدأ الجانب الإثيوبي بإعادة الملء ما يعني أن تزيد فترة الجفاف، فإذا كانت فترة الجفاف 10 سنوات جفافا طبيعيا سيكون هناك 3- 4 سنوات جفاف صناعي لحين انتهاء الجانب الإثيوبي من الملء بعد الجفاف وعندها سيكون الجفاف 14 عاما.
وأكد سويلم أن هذا هو أخطر موقف يمكن أن تتعرض له مصر في المستقبل وهذا كان عنق الزجاجة لأن مصر والسودان تسعيان إلى اتفاق قانوني ملزم عن ماذا سيحدث حين يأتي الجفاف الممتد أو مرحلة إعادة الملء وكيفية التعامل مع المياه.
الفرصة الأخيرة لإلغاء تأثير سد النهضة
من جانبه، اعتبر خبير المياه والسدود، محمد حافظ، أن "إعلان مصر وقف المفاوضات لا يحمل أي جديد، وتحذيرها من المساس بأمنها المائي لا تلتفت إليه إثيوبيا، وفكرة القيام بأي عمل عسكري لا يمكن اللجوء إليها الآن بعد فوات الأوان، لكن هنالك بصيص أمل وفرصة أخيرة يمكن أن توقف الأمور على ما هي عليه وتضمن لمصر حقوقها المائية".
وبشأن طبيعة هذه الفرصة أوضح في حديثه لـ"عربي21": "ضرب المفيض الجانبي لسد النهضة هو المخرج الأساسي للمياه من بحيرة السد بعد اكتمال الملء الخامس للوصول لقرابة منسوب 640 م فوق سطح البحر، وهو عند منسوب 625 م بينما المياه في سد السرج والسد الخرساني عند 606 م ما يعني أن هناك فراغا سيتم ملؤه خلال الملء الخامس، واستهداف المفيض وحده لن يؤثر على السد، ولكن سيمنع إثيوبيا من استكمال عمليات الملء ".
اظهار أخبار متعلقة
ورأى حافظ أن "في هذه الحالة لن يتضرر أحد بما فيها إثيوبيا التي ستكون قادرة على توليد الكهرباء عن المستوى 616 م الذي توقفت عنده، كما سيسمح ذلك بأن تمر المياه من خلال المفيض الجانبي وتلتحم مرة أخرى بمجرى النيل الأزرق وتذهب للسودان بدون أي أضرار وأي فيضان قادم سيمر إلى السودان وكأنه لا يوجد سد النهضة وكل التدفقات ستنزل إلى مصر والسودان دون مشاكل".
الانسحاب متأخرا
يقول الخبير في الشؤون الأفريقية، الدكتور ياسر محجوب الحسين: "من نافلة القول التأكيد على أن إعلان الحكومة المصرية الانسحاب من المفاوضات جاء متأخرا، المتابع لتطورات المفاوضات منذ 2012 لا يتوقع جديدا إذ ظلت إثيوبيا تدير عامل الوقت لصالحها ومضت خطة بناء السد كما تريدها دون أخذ أي اعتبار لدولتي المصب مصر والسودان".
مضيفا لـ"عربي21": أن "إثيوبيا رفضت طوال الوقت إشراك مصر والسودان في الترتيبات الفنية لعمليات ملء السد التي بدأت لأول مرة في 2020 دون اتفاق دولتي المصب، كما رفضت مطالبهما بتوقيع اتفاق قانوني ملزم بشأن قواعد ملء وتشغيل سد النهضة".
وأشار الحسين إلى أن "إثيوبيا سوف تواصل خططها وعلى وشك الانتهاء من عملية الملء وستمضي على هذه الوتيرة حتى 2027 ليصل السد إلى سعته البالغة 74 مليار متر مكعب من المياه، ومن المتوقع أن تظل إثيوبيا متحفظة إزاء التقيد برقم معين لكمية المياه التي يجب مرورها بعد انتهاء مرحلة ملء الخزان وتشغيل السد بالكامل".