حين يتحدث عن
مستشفى الشفاء ينهزم أمام دموعه لما رآه هناك من مشاهد تفوق الوصف.
لا يفصل بين
كونه طبيبا وسياسيا في نفس الوقت، يقول: "لا يمكن الفصل بين الدورين، ليس
هناك الكثير في مجالات الطب ما هو خارج نطاق السياسة".
يتمتع بخبرات
دولية واسعة في مواقع الأزمات السياسية والطبية والإنسانية.
ينهل من تجربة
ثرية في مجال العمل الإنساني والحقوقي.
مادس فريدريك غيلبرت المولود في عام 1947، في مدينة بورسغرون جنوبي العاصمة النرويجية أوسلو،
كانت والدته ممرضة، وكان والده متخصصا فنيا، فيما أنهى هو دراسة الطب في جامعة
أوسلو عام 1973.
اظهار أخبار متعلقة
سياسيا هو عضو
في الحزب الاشتراكي النرويجي "حزب الحمر".
تفتح على
الصراع العربي-الإسرائيلي مبكرا حين تطوع للذهاب إلى دولة
الاحتلال لمساعدة سكان
المزارع الجماعية اليهودية "الكيبوتسات" أثناء حرب عام 1967، لأنه كان
يظن كغيره من النرويجيين أن دولة الاحتلال "صاحبة القضية العادلة وعليهم
دعمها"، لكنه تراجع في اللحظة الأخيرة بعد أن أخبرته إحدى صديقات أخته بقصة
الفلسطينيين.
حينها عرف أنه
تعرض للتضليل كغيره من النرويجيين بسبب الحملات الدعائية الإسرائيلية، فذهب إلى
السفارة الإسرائيلية في اليوم التالي وسحب طلب تطوعه ثم أصبح عضوا في اللجنة
النرويجية الفلسطينية.
وأنشأ عندما
هاجم جيش الاحتلال الإسرائيلي بيروت الغربية عام 1982 أول فريق نرويجي لجراحة الطوارئ
لدعم نظام الرعاية الصحية الفلسطيني في بيروت التي تعد أقدم لجنة للتضامن مع
فلسطين في أوروبا.
تخصص في
التخدير وترأس قسم طب الطوارئ في مستشفى جامعة "ترومسو" في شمال النرويج منذ عام
1995.
توج تضامنه مع
الفلسطينيين بتوأمة مدينة ترومسو في النرويج مع مدينة
غزة منذ عام 2001. وتعتبر ترومسو المدينة الأكثر إرسالا
للعاملين في المجال الصحي إلى فلسطين.
كانت التجربة
الأولى له في غزة حين وصل في مهمة طارئة خاصة باللجنة النرويجية للإسعاف مع
الجراح إريك فوسه لدعم الجهود الإنسانية
في مستشفى الشفاء خلال العدوان على غزة عام 2006 وذلك في فترة منع فيها الصحافيون
الأجانب من الدخول إلى القطاع.
وعمل أثناء
العدوان على قطاع غزة أعوام 2006، 2009، 2012، و2014.
وفيما نقلت
وسائل الإعلام الدولية أحداث النزاع عن بعد، فقد حافظ غيلبرت على تواصله مع وسائل
الإعلام النرويجية وبعض الجهات الإعلامية العالمية، مثل: "سي إن إن"، وهيئة الإذاعة البريطانية، وهيئة الإذاعة الأمريكية، وقناة الجزيرة .
اظهار أخبار متعلقة
وعقب قصف سوق
الخضار المركزي في مدينة غزة أثناء تواجد أهالي غزة للتسوق، أرسل غيلبرت رسالة
نصية قصيرة من هاتفه النقال لمعارفه في النرويج والعالم، موجها نداء استغاثة لكل
من يقرؤها بأن يمررها: " من د. مادس غيلبرت في غزة: شكرا لدعمكم. لقد قصفوا سوق الخضار المركزي في مدينة غزة منذ
ساعتين. 80 جريحا و20 قتيلا. كلهم جاؤوا إلى هنا، إلى مستشفى الشفاء. يا إلهي!
إننا نسبح بين الموت والدم ومبتوري الأطراف. الكثير من الأطفال. امرأة حامل. لم
أرَ أبدا شيئا رهيبا كهذا. الآن نسمع الدبابات. انقل القصة، مررها، أصرخها! أي
شيء. افعل شيئا! افعل أكثر! إننا نعيش في كتب التاريخ الآن، كلنا!"
وبقي يداوي
الجراح رغم عدم توفر الأساسيات في المستشفى بسبب الحصار على غزة، وكان أشبه ببطل
من أبطال القطاع، وحين عاد مع رفاقه إلى النرويج، استقبل "استقبال
الأبطال"، وحظي مع رفاقه بإشادة العديد من المعلقين. أما المنتقدون لهم فكان
من بينهم اليمينية المتطرفة زعيمة "حزب التقدم" النرويجي سيف ينسن،
التي انتقدت "السماح له بتمثيل صوت الدعاية المناهضة لإسرائيل دون رقابة."
فيما قال غيلبرت ردا على تصريحات ينسن وعلى ما جاء في قناة "فوكس نيوز" بأن
"كليهما وصفاني بأنني طبيب الإشاعات لدى ’حماس’. لا يهم الآن أن يكذبانا أو
يصدقانا، وأنا دعوت سيف ينسن وفوكس إلى السفر إلى غزة ومعاينة الحقائق بأم عينها
(..) على قناة فوكس أن تذهب بنفسها إلى هناك عليها أن تحذو حذو الجزيرة وتنقل
الصورة كما هي لا أن تصنع تقاريرها من مكاتبها الوثيرة (...) ما يحدث في غزة من
قتل مروع ورهيب وفظيع هو فوق الوصف والاحتمال".
ورغم خروجه من
غزة إلا أنه كان دائما يطمئن أهل غزة ويخفف عنهم قائلا بأنهم ليسوا وحدهم،
نحن معهم وعليهم أن لا يستسلموا، "فلا تستسلموا فإن شعوب العالم الحر يتأملون في
صبركم ويستمدون من قوتكم، فإن استسلمتم فإن الشعوب من بعدها سوف تستسلم".
يصف قضية غزة
بأنها ليست كارثة إنسانية "إنها قضية احتلال طويل الأمد وغير مشروع في
تاريخنا الحديث، وتقوم به أعتى دولة استيطانية على وجه الأرض"، بحسب قوله.
ويرى أن
"الإسرائيليين يعلمون أن ما يفعلونه يخالف المواثيق والأعراف الدولية، لكنهم
يتمتعون بحصانة دولية من الملاحقة والعقاب".
وبسبب مواقفه
الداعمة للفلسطينيين قررت حكومة الاحتلال الإسرائيلي في عام 2014 منعه من دخول
قطاع غزة نهائيا وتحججت بـ"الأسباب الأمنية".
حرص غيلبرت
على توثيق الإجرام الإسرائيلي بحق الفلسطينيين فأصدر كتابا بعنوان "ليل
غزة" وثق فيه باللحظة والدقيقة والصورة والكلمة ما فعله الاحتلال بحق سكان
غزة أثناء عدوان 2014.
كما أنه وضع ما
تضمنه ذلك الكتاب في تقريره الذي كتبه لمنظمة الأمم المتحدة راصدا آثار الحصار
المدمر وانعدام مقومات الحياة وما آلت إليه غزة جراء الحروب الإسرائيلية
المتلاحقة.
لم يتوقف عن
عمله الإنساني ولا يوما واحدا، فعمل على معالجة ضحايا حقول الألغام في ميانمار
وكمبوديا وأفغانستان وأنغولا وسريلانكا.
وبقي همه
الأول غزة وناسها وأهلها، وحين بدأ الاحتلال الإبادة الجماعية وبدأ بسرد أكاذيبه، تصدى الدكتور غيلبرت
للرد على مزاعم الاحتلال بوجود قاعدة عسكرية بمستشفى الشفاء الذي عمل فيه قائلا
بتهكم: "علينا أن نسأل الإسرائيليين إذا كانوا متأكدين من وجود قاعدة
عسكرية في مستشفى الشفاء، أين كانوا منذ 16 عاما؟ أين الدليل؟ أين الصور؟".
وأردف: "عملت في مستشفى الشفاء لمدة 16 عاما، تجولت في كل مكان بداخله، والتقطت
الصور والفيديو، وتحدثت مع المرضى والعاملين، ونمت في المستشفى ولم أر قاعدة
عسكرية مطلقا".
متسائلا: "هل الأطفال والنساء أهداف عسكرية؟ بالطبع لا، ومع ذلك فإن القادة الأوروبيون
يجلسون بصمت ويشاهدون مقتل طفل فلسطيني كل 10 دقائق، هذا عار تاريخي، هذا وصمة عار، فشل كبير للإنسانية".
ينشغل مادس غيلبرت في كثير من الأحيان بالحديث إلى وسائل الإعلام الأمريكيّة والأوروبية
والأجنبية المختلفة لتوصيف ما يحدث في داخل القطاع، وفي جميع مقابلاته.
يصف ما
يحدث بأنه جريمة حرب يجب أن تتوقف، وأن يتحمل العالم مسؤولياته تجاه الفلسطينيين.
ويكاد أن يلخص
صمود غزة وعزة وأنفة شعبها بقوله إن "الكرامة اليوم تشاهدونها في غزة لشعب
لا يرغب في الانحناء أمام المحتل الإسرائيلي".
وصدق بقوله،
نحن أمام شعب جبار صابر لن ينحني لأنه إذا انحنى سقطت معه أخر قلاع المقاومة في
العالم.