الكل بانتظار قمتي الرياض
المقبلتين؛ الأولى للعالم العربي والثانية للعالم الإسلامي وما بينهما وقبلهما
العالم كله يتفرج، وربما تحلو لبعضه الفرجة على الدم
الفلسطيني المسفوك ليل نهار
بآلة القتل الإسرائيلية المدعومة أمريكيا وغربيا تحت عنوان متطلبات المرحلة الجديدة،
والتي تجلت بمصطلح اجتثث حماس على غرار ما جرى من قبل في كل حروب المنطقة؛ فتارة
اجتثاث منظمة التحرير وتارة اجتثاث الإرهاب وتارة اجتثاث طالبان وتارة اجتثاث
البعث وتارة اجتثاث حزب الله، واليوم اجتثث حماس، ولكن الجامع المشترك في ما سبق
هو أنه فقط يجتث المدنيين والمؤسسات ويضرب دور الدولة المركزية ثم يقوض عودتها.
والحصيلة أن كل هذه الأهداف
المعلنة تسقط في لحظة التوافق الدولي الإقليمي على أرضية الحلول وتسقط كل كليشيهات
الحرب، ولكن من يعيد المدنيين؟ ثم من يعيد الدولة المفقودة؟ ومن يعيد كل ما سقط
بالمعنى الإنساني والسياسي والاقتصادي والأخلاقي حينما يتفقون!!
إننا في زمن العولمة التائهة التي
تسقط معها الكثير من مفاهيم الدول والتي أرسيت ما بعد الحرب العالمية الثانية، وأعتقد
جازما أن الأمم المتحدة باتت أمما لا متحدة، والقانون الدولي أصبح خرقة كما اتفاقيات
جنيف الأولى والثانية والثالثة والرابعة وحقوق الإنسان وحقوق الطفل والمرأة. فكل
ذلك سقط في واد سحيق عنوانه لا مبالاة الغرب ونفاقه في ازدواجية المعايير، وعليه
بات العالم كله يحتاج إلى صيانة على غرار الآلات المهترئة إذا جاز التعبير.
وانطلاقا من تجليات الصيانة
التي تحتاجها كل منظمات ومؤسسات العالم الدولية الكبرى، اسمحوا لنا أن نهذي قليلا
ونتأمل أن يعي قادة العالم العربي والإسلامي وعلى أبواب القمتين القادمتين في أرض
الحرم؛ أن هناك الأراضي المقدسة في فلسطين تنتهك بمسيحييها ومسلميها كل يوم، ويُقتل
أبناؤها وتقصف كنائسها ومساجدها، ولا بد لكم من وقف حمام الدم المسفوك على يد
الإسرائيلي بطريقة وحشية (أقلها قنابل البنكر باستر الأمريكية الصنع)، وهذا أول
المطلوب وذلك ليس ليكون حبرا على ورق إنما تُستعمل لأجله كل الأدوات المتاحة، وأنتم
أعلم بها منا مع علمنا بقدرة أوراقكم الكثيرة الفاعلة أمام الإسرائيلي والأمريكي
في آن.
أما ثاني المطلوب هو القول إن
الحديث فيما بعد الحرب ونتائجها التي لم تتبلور اليوم ليس له معنى ما لم تقف الحرب
وآلة القتل الممنهج، ثم تأتي بعدها كل النماذج ووجهات النظر وكل الإمكانات للدعم
ضمن آلية حل مقبول تحت إطار حقوق الشعب الفلسطيني بكل أطيافه وضمن المقبولية
الإسلامية المسيحية المشرقية العربية.. وما أصعبها من معادلة، ولكنها ليست
بمستحيلة الإيجاد إذا ما بعدت النكايات وصدقت النوايا وصفت الرغبة في الوصول إلى الحل
المنشود بإقامة دولة فلسطينية ذات سيادة وقابلية للحياة وعاصمتها القدس الشريف،
على غرار دول كثيرة أنشئت ونهضت في العقود الأخيرة تحت راية الشرعية الدولية والتي
نقبلها اليوم على مضض.
أما ثالثة الأثافي فعنوانها
صيانة الأبعاد الجيو- سياسية للمعركة على
غزة نفسها، بمنع الترانسفير الجديد وعدم
السماح بنكبة جديدة على غرار نكبة 1948. فكم هو معيب أن يشهد النظام العربي نكبة
فلسطين مرتين دون أن يحرك ساكنا إلا عبر الشاشات، والأدهى من ذلك الخطر على باقي
الجبهات وعلى رأسها لبنان المتعب اقتصاديا وسياسيا وأمنيا إلا ما خلا من روح شعب أبيّ
عصيّ على الذل والهوان.. وإلى الأردن حيث المؤامرة الأولى لخلق دولة من رحم دولة
أخرى وتغيير الجغرافيا السياسية ومحو الذاكرة والقضية، وضرب الأردن بقاء ووجودا
عبر القضية الفلسطينية، وهذا لا بد أن يكون خطا أحمر للقمة، وكيف لا خصوصا إذا ما
ترافق مع خطر واضح على الأمن القومي العربي برمته، وتحديدا على الشقيقة الكبرى مصر
وسيناء وأرضها المخضبة بالدماء، بطرد الغزيين نحوها.
إن المسألة لا تحتمل البيانات
الفارغة.. إنه الأمن القومي العربي حقيقة، فالمرحلة دقيقة بامتياز فلا مجال
لإدخاله البازارات يا سادة، وإلا ستسقطون واحدا تلو الآخر والأيام دول وكاشفة لما
هو قادم والذي نحسبه خطرا كبيرا.
إن العرب بحاجة للصراحة
والمصارحة فيما بينهم، ولا بد من حديث بلا مواربة، والعمل على إيجاد أرضية من
التعاون مع دول الإقليم الفاعلة تحت مظلة الاحترام والتعاون الاقتصادي المقرون
باحترام سيادة الدول، ولقاء تحولات العالم الجديد المتعدد الأقطاب سياسيا واقتصاديا في مساحة حقيقية مع من
يلاقي مصالحنا وحقوقنا كعرب.
إن الساعة اليوم لملاقاة
الشباب العربي وهم الكتلة الوازنة ولإدخال الفرح ليس لشعوب دول بعينيها بل لشعوب
أمة بأسرها، وإلا بقينا على ما قال الشاعر الكبير نزار قباني منذ عقود خلت:
ما للعروبـةِ تبدو مثلَ
أرملةٍ؟ أليسَ في كتبِ التاريخِ أفراحُ؟
ليس من عادة الشارع العربي
الاستبشار من القمم العربية والإسلامية ونتائجها ومخرجاتها، ولكننا مجبولون
بالتفاؤل كمسلمين ومسيحيين من أهل الأرض وذلك إيمانا وقيامة وقيما. ولنا في أن يكون
لدى الرياض ومعها الخيّرون القدرة على لملمة الأمور، خاصة بعد المصالحة في بكين مع
طهران والقرب من أنقرة مؤخرا؛ لبلورة مبادرة إسلامية جديدة للسلام الكامل والشامل أو
تفعيل مبادرة بيروت بالحد الأدنى للوصول إلى حلول سريعة!!
للأسف لا زلنا نكتب ونتمسك
بالأمل وعدوانية وهمجية إسرائيل مستمرة، فهل تكون القمتان القادمتان مدخلا لرسم
حلول لغزة وفلسطين وكل المنطقة، أو أن ما كتب قد كتب ونحن في طريقنا إلى مزيد من
النكبات وعلى العرب السلام؟
[email protected]