وأخيرا اجتماع أباطرة
النفط في العالم وجها
لوجه بعد أزمة كوفيد 19 وما خلفته من أضرار في العالم لا سيما الاقتصاد
العالمي برمته، حيث الحديث عن تريليونات الدولارات من الخسائر المتلاحقة في كل
القطاعات إلا أنها في عالم النفط كانت استثنائية بكل المقاييس. فلا أحد يستطيع
نسيان يوم انهارت أسعار الذهب الأسود إلى ما دون الحضيض لتلامس 37 بالسالب للبرميل
الواحد، مخلفة مآسي ضربت الدول المنتجة للنفط في موازناتها وبرامج التنمية لديها،
لا بل وضعتها في أوقات حرجة سياسية واقتصادية ومالية وتنموية جعلتها تلفظ أنفاسها
وترهق احتياطاتها وصناديقها الاستثمارية.
يوم ذاك كانت دول
أوبك+ وحدها والعالم ينظر
إلى انهياراتها وكأنها نهاية العالم، أما اليوم فقدت عادت أوبك بلس إلى سابق عهدها
لاعب أساسي ومركزي في عالم
الطاقة الأحفورية ولمقرراتها ألف حساب لما له من
تداعيات على العالم اجمع. وهذا ما ظهر جليا في اجتماع الأربعاء 5 تشرين الأول/ أكتوبر، حيث صدمت القرارات المتخذة الكثير
من دول العالم في زمن الضباب الأحفوري والشح الغازي والتشتت المالي والنقدي حيث
التضخم والركود والديون وأزمة الحبوب والقائمة تكاد لا تنتهي!! فجاء القرار تقنيا
بنكهة التداعيات السياسية والاقتصادية.
اجتمعت أوبك تحت عنوان مصالحها أولا ولكن
ضمن منظومة حماية النفس لحماية الآخر، وعليه هي إرادة التوازن بما يرضي المنتجين والمستهلكين
في آن واحد. وكم هي معادلة صعبة بالأساس، فكيف اليوم والحرب الروسية الأوكرانية
تتفاقم بعد استدعاء الاحتياط الجزئي من قبل الرئيس الروسي وضم
روسيا لأربعة مناطق
رئيسية بحضورها وموقعها وخيراتها هي لوغانسك ودونيتسك وخيرسون وزابوريجيا، أي ما
يعادل 17 في المئة من مساحة أوكرانيا إذا ما أضفنا جزيرة القرم.
وللدلالة فالدولة الروسية لاعب أساسي وفعلي
كبير في عالم النفط والغاز خاصة داخل أوبك بلس. وعليه، هل لعبت القرارات لمصلحة
الروس بحكم الحضور داخل المنظمة أم أن وراء الاكمة ما وراءها؟
إن الناظر من الموقع الاقتصادي يعلم بما لا
يقبل الشك أن القرار بحت تقني، وهذا ما تحدث عنه وزير الطاقة الإماراتي، سهيل
المزروعي، للصحفيين أثناء اجتماع أعضاء أوبك+ في فيينا لمناقشة الخطط، قائلا: "القرار
تقني وليس سياسيا".
ولكن ألا يشير القرار إلى أن أوبك بلس
بمكان ما تناغمت مع الرغبة الروسية سياسيا لخفض الإنتاج بمليوني برميل يوميا، حيث
الحاجة الأمريكية لدعم الأسعار لكل مشتقات الطاقة في زمن يقترب من أبواب
الانتخابات النصفية الأمريكية، حيث الهلع يضرب الديمقراطيين من أن يستعمل كل هذا
الأمر بمواجهتهم من قبل الجمهوريين المتربصين!!
ولكن ألا يحق لأوبك بلس الدفاع عن مصالحها؟
وللتذكير فقد كان ارتفاع أسعار النفط دافعا رئيسيا لارتفاع أسعار المستهلكين الذي
ضرب البلدان في جميع أنحاء العالم في وقت سابق من هذا العام، مما دفع معدلات
التضخم إلى مستويات لم نشهدها منذ عقود وزيادة التوترات السياسية. وعليه قدم
الانخفاض الأخير بعض الراحة للمستهلكين، حتى مع استمرار ارتفاع أسعار العديد من
السلع الأساسية الأخرى، بما في ذلك المواد الغذائية. لا ننسى أنه تم تداول برميل
نفط خام برنت عند 84.06 دولاراً في أواخر أيلول/ سبتمبر، انخفاضاً من أعلى
مستوياته عند حوالي 130 دولاراً عند الربع الأول.
إن أخذ الطاقة مطية وكسلاح كما تريد
الولايات المتحدة تصويره يعد من الخطورة بمكان، فما هو مسموح لها ممنوع لغيرها! من
هنا يأتي السؤال الكبير وبغض النظر عن خطوات أوبك بلس الأخيرة: ألم تسمع أمريكا
صرخات العالم من خطواتها المالية الأخيرة ورفع أسعار الفائدة فيها وانعكاسها على
الدول الناشئة والصغيرة الغارقة في الديون؟!
ألم تسمع الولايات المتحدة كلام وزير
الاقتصاد الألماني روبرت هابيك، عندما وجه اتهاماً للولايات المتحدة، بسبب فرضها أسعارا خيالية لإمداداتها لهم، واستفادتها
الكبيرة من تداعيات الحرب في أوكرانيا. وأوضح أن "بعض البلدان بما في ذلك الدول الصديقة تطلب أسعارا
خيالية للغاز،
وبالطبع هذا يجلب مشاكل يجب أن نتحدث عنها". وتابع: "أن الاتحاد الأوروبي يجب أن يفعل المزيد أيضا لمعالجة أزمة الغاز في
المنطقة، حيث تتدافع الدول للحصول على إمدادات بديلة. وشدد على ضرورة التضامن من
جانب الولايات المتحدة عندما يتعلق الأمر بمساعدة حلفائها الذين يعانون من ضغوط
الطاقة في أوروبا.
أيضا بماذا نفسر كلام وزير الطاقة السعودي
الواضح على أهمية "التصرف المسبق"
لمواجهة حالة عدم اليقين والتي غدت عنوان المرحلة، علما أن الأمير عبد العزيز بن
سلمان أشار إلى أن ما نقوم به أساسي لكل مصدري النفط حتى خارج أوبك بلس؟
وعليه، أوبك
بلس ستبقى قوة أساسية لاستقرار الاقتصاد العالمي، ضمن أن حالة عدم اليقين التي نمر
بها حاليا غير مسبوقة. ولفت وزير الطاقة السعودي لضرورة اليقظة، وقال: علينا توخي
الحذر وبقاءنا صادقين حيال قدرتنا على توقع المستقبل.
باختصار، منذ قمم المناخ
المتتالية وصولا إلى قمة شنغهاي الأخيرة وكلام قادة الدول في الأمم المتحدة مؤخرا،
مرورا بما فعله كوفيد 19 من تغييرات ومعه الحرب الروسية الأوكرانية المستمرة، العالم
يتغير وكل الدول تلتقي عند مصالحها وأولوياتها، فلا صداقة دائمة ولا عداوة دائمة،
وحدها لغة المصالح تتكلم أبلغ الكلام، وهو "لتسعَ كل دولة خلف مصالحها في زمن
التخبط الاقتصادي والمالي"، فالبقاء للأقوى باستشراف المستقبل. من هنا نفهم
اتفاق أوبك بلس التقني بنكهة سياسية تؤكد أن عقارب الساعة ماضية والعالم يتغير
رويدا رويدا.
[email protected]