قضايا وآراء

عن أي رئاسة وأي حاكمية في دول فاشلة؟

محمد موسى
أين  مصلحة المواطن؟ - الأناضول
أين مصلحة المواطن؟ - الأناضول
يحتدم الصراع في كثير من الدول في العالم العربي والكثير من الدول النامية وبعض الدول الناشئة على الكراسي والمواقع والمناصب الرفيعة؛ بين الكثير من الأفرقاء والمرشحين، إن لخبرتهم العلمية والعملية، وإن لرغبة أحزابهم، وإن لرغبة شخصية في الوصول إلى المنصب. ولكن السؤال المُلحّ هنا: هل كل من نظر في مرآته صباحا وقال أنا أهلٌ لها يستحق الوصول؟ بل والسؤال الأكبر: هل يدرك الكثيرون أنهم في نموذج للدول الفاشلة بحسب المعايير الدولية للدول الفاشلة؟ وتاليا، هل يدرك هؤلاء أن هذه الدول تحتاج إلى معجزة للنهوض ونحن لسنا في زمن المعجزات؟!

انطلاقا من ذلك نذكّر كل من يرغب في بلوغ سدة أي من المناصب، رئاسة كانت أو حاكمية للمصرف المركزي، هل يدرك أن معايير الدول الفاشلة باتت شبه محققة في كثير من الدول ومن ضمنها وطن الأرز الجريح، لبنان؟

ففي قراءة أولية لتلكم المعايير العشرة وإسقاطها على الواقع اللبناني تجد المخرجات الآتية: أولها معيار الفقر المدقع، ويكفي التذكير هنا بتقرير الإسكوا حول 82 في المئة من اللبنانيين باتوا فقراء بالأبعاد الثلاثة الغذاء والتعليم والصحة. وثانيها معيار الفصل العنصري وللحديث بحث طويل وصلة في كيفية المقاربة الحقيقية لموضوعات باتت مادة سجال بين كافة الأفرقاء، وآخرها موضوع النازحين في البلاد. وثالثها حكم الأقل كفاءة، وهنا الحديث عن الإدارة وترهلها عمره عقود خلت، وتاليا، هيكلة الإدارة وتعزيز الشفافية ودعم الكفاءات وإبعاد الفساد والمفسدين لا بد أن يكون أولوية أي قادم لأي منصب بعدما بات لبنان بين دول المقدمة في مؤشرات الفساد.

أما رابع المعايير فهو غياب حكم القانون والتشريع والحقوق، وهنا يكفي التذكير بانفجار المرفأ (بيروتشيما)، الذي حتى الساعة لم يجد ضالته إلى الحقيقة حيث مأساة أهالي الشهداء والجرحى وآلاف المتضررين ومدينة لم تلملم جراحها بعد. وخامس معايير الدول الفاشلة هي حكومة مركزية ضعيفة، وفي هذا المضمار يكفي التذكير بأن تأليف الحكومات يحتاج إلى شهور وشهور، ويكون الإنتاج في المحصلة وليد المحاصصات والتسويات ولا قرارات جذرية؛ وليس أقلها ضعف القرار في قضايا مصيرية آخرها الانتخابات البلدية وكل ما رافقها من تخبط، ناهيك عن خطط الكهرباء والتعيينات.. الخ..

أما سادس المعايير فيتجلى بانهيار الخدمات العامة، وهنا الطامة الكبرى من الكهرباء إلى الماء والطرقات والقائمة تطول. وسابع الأثافي في المعايير للدول الفاشلة تكاد تكون ملازمة لأغلب سياسيي البلاد ألا وهي الاستغلال السياسي الداخلي والخارجي، وهنا كل الأطراف تعيّر بعضها بالتبعية للخارج وقلة قليلة من يتكلم السياسة بروح الأرزة الشامخة ولغة الوطنية النظيفة الشريفة، فالمصالح أولا ثم يأتي الكثير من الأعداد للوصول إلى مصلحة الوطن والمواطن. ثامن المعايير تلمحه مع كل وافد جديد إلى جنة الحكم وعند كل تعيينات في الدولة، وهو التقاتل على ما تبقى من الموارد والوظائف، وهنا يحضرني قول سيد الشعراء المتنبي حينما هجا كافور الإخشيدي قائلا:

نامت نواطير مصر عن ثعالبها   فقد بشمن وما تفنى العناقيد

وعليه، ماذا بقي من العنب والعناقيد والوظائف والودائع مع لصوص الهيكل؟

وتاسع معايير الدول الفاشلة هي في نضوب الموارد، وهنا لن أتكلم عن الموارد الطبيعية التي شُوّهت ولا عن جبال أكلتها الكسارات ولا عن شاطئ ترمى فيه مياه الصرف الصحي، إنما الوجع في الموارد البشرية والكفاءات التي تغادر الوطن تاركة خلفها وطنا يكاد يحتضر وهو يودع خيرة شبابه ومثقفيه، حيث انعدام الفرص! أما المعيار الأخير للدول الفاشلة فعنوانه العلاقات العدائية مع الدول المجاورة، وهنا يكاد لبنان لا يعد الحروب التي شُنت عليه مخلفة دمارا على كافة المستويات في البشر والحجر والتنمية المستدامة.

أترك لقارئ السطور أن يمحّص بالمعايير العشرة للدول الفاشلة ويقيس كل معيار ومدى تطابقه مع الواقع الحالي للكثير من الدول العربية، ومنها لبنان الذي لا بد لكل من يرغب في التصدي للوصول لمنصب الرئاسة أو الحاكمية فيه أن يحمل في قلبه وعقله وقلمه ورؤيته انتشال الشعب اللبناني من جحيم حياته المغلف ببسمة الصبر للبقاء عبر برنامج سياسي، اقتصادي، مالي، نقدي، اجتماعي، تربوي قادر على مواجهة المعايير المتدهورة المذكورة والعمل على عودته ليكون نموذجا لدولة قادرة، وإلا ما فائدة بلوغ المراكز؟!

[email protected]
التعليقات (0)