ما السبب في رفض
الاحتلال
الإسرائيلي استلام محتجزتين مدنيتين في قطاع
غزة ليوم كامل ثم القبول في
اليوم الثاني، بعد أن أعلنت كتائب القسام أنه ولدواع إنسانية قاهرة قررت الإفراج
عن محتجزتين عبر قطر؟
رفض الاحتلال
الإسرائيلي جاء بعد إفراج القسام قبل أيام عن أم وابنتها من حملة الجنسية
الأمريكية عبر وساطة قطرية، لكن لماذا يرفض الاحتلال استلام دفعة جديدة من
المحتجزين المدنيين في قطاع غزة والذين اعتبرتهم كتائب القسام ضيوفا وحين تتاح
الظروف الأمنية المناسبة سيتم الإفراج عن عنهم؟
هل سينتهج
نتنياهو وحكومة حربه هذه السياسة في الرفض ومن ثم الموافقة على استلام محتجزين
مدنيين في قطاع غزة، على نحو من المماطلة والتسويف في هذا الملف؟
منذ بداية
العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة ورئيس وزراء الاحتلال يحمل ملف المحتجزين في
القطاع على سلم أولوياته على الأقل، هذا الواضح من تصريحاته الإعلامية وكذلك ما
يصدر عن جيش الاحتلال الإسرائيلي.. لكن ما هي الأسباب التي دفعت حكومة الحرب
الإسرائيلية وخاصة نتنياهو بداية إلى رفض العرض الإنساني الذي قدمته المقاومة
الفلسطينية؟ ألخصها في النقاط التالية:
أولا: إن
إعلان كتائب القسام أن المحتجزين المدنيين من حملة الجنسيات الإسرائيلية والأجنبية
هم ضيوف لديها، معللة ذلك بأنه لم يتسن لها خلال الهجوم على مستوطنات الغلاف
التحقق من جنسيات المحتجزين، هو رسالة إنسانية قدمتها القسام ليس فقط إلى الجانب
الإسرائيلي بل إلى الجانب الدولي، وهي رسالة ذات دلالات تفند الرواية الإسرائيلية
التي روج لها الاحتلال مع بداية معركة طوفان الأقصى بأن المقاومة الفلسطينية مارست
الإرهاب، وحتى هذه الرواية سرعان ما انكشفت من خلال اعتذار العديد من الصحفيين
الغربيين الذين تبنوا رواية الاحتلال الكاذبة وكذلك البيت الأبيض الذي تراجع في
تصريحاته عن بعض من هذه المعلومات التي روج لها الاحتلال في بداية عدوانه ضد قطاع
غزة.
بالتالي فإن
استمرار كتائب القسام في الإفراج عن المحتجزين المدنيين لديها، سيفند شيئا فشيئا
توصيف الإرهاب الذي يحاول الاحتلال الإسرائيلي جاهدا أن يوسم به مقاومة الشعب
الفلسطيني، وهذا سيزيد من المواقف الدولية الرافضة للعدوان الإسرائيلي على القطاع،
والتي يدعي نتنياهو أن ملف المحتجزين واحد من أهم أسبابه.
ثانيا: إن
إنهاء ملف المحتجزين المدنيين لدى المقاومة في القطاع، يعني أن واحدا من أهم
عناوين الحرب الإسرائيلية ضد قطاع غزة قد تلاشى، ولن يعود بمقدور حكومة الحرب
الإسرائيلية استخدام هذا الهدف بتخليص المحتجزين للتبرير لشن الحرب البرية ضد قطاع
غزة والتي يتحدث عنها جيش الاحتلال الإسرائيلي.
إذا هناك طريقة آمنة
لإخراج المحتجزين المدنيين من داخل قطاع غزة، في حين هذا الأمان لا يتوفر في
العدوان البري أو مع استمرار العدوان الإسرائيلي بالقصف واستهداف المباني والبنى
التحتية وقتل المدنيين خاصة الأطفال والنساء، كما أن 22 من المحتجزين قتلوا بحسب
إعلان المقاومة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل على القطاع.
بالتالي إنهاء
ملف المحتجزين المدنيين في قطاع غزة سيحرم حكومة نتنياهو من هذه الورقة الدولية
والتي من خلالها يحصل الاحتلال على دعم دولي وغربي غير محدود سواء كان سياسيا أو
عسكريا، حيث ستتراجع مواقف الدول الغربية خاصة التي لها محتجزون في قطاع غزة عن
تصدير مواقف الدعم والمساندة للاحتلال كما هو حاصل اليوم، في حال إنهاء ملف
المحتجزين المدنيين من حملة الجنسيات الغربية والأجنبية، خاصة الولايات المتحدة
الأمريكية والتي ستتعرض للمزيد من الضغوط الشعبية لوقف دعم الاحتلال الإسرائيلي.
ثالثا: لا
يريد نتنياهو الذي يتعرض لانتقادات كبيرة في الوسط السياسي والأمني والعسكري
والشعبي بسبب الضربة القاسية التي تلقاها جيش الاحتلال من قبل كتائب القسام، إنهاء
ملف المحتجزين في قطاع غزة، لأن ذلك سيفقده هذه الورقة التي يعتبرها مهمة أولا
لجهة تخفيف حالة الاتهام له بأنه سبب الانتكاسة التي لحقت بالمنظومة العسكرية
الإسرائيلية، وستكون أمامه أيام عصيبة فيما بعد توقف العدوان، ومن جهة أخرى يستخدم
هذه الورقة في تحشيد المجتمع الإسرائيلي في هذه المرحلة لإبقاء جذوة العدوان ضد
قطاع غزة مشتعلة ومتصاعدة وليحصل على دعم من الجمهور الإسرائيلي، رغم الانتقادات
له في استمرار حربه ضد قطاع غزة والتي لم يحقق فيها إي إنجاز عسكري حتى اللحظة سوى
قتل المدنيين والأطفال وتدمير المشافي وإطباق الحصار وقطع الماء والكهرباء
والغذاء.
رابعا: إن مطلب
تحرير المحتجزين في قطاع غزة وبشكل عام قضية تحرير محتجزين في بعدها الدولي هي
قضية بشكل عام تأخذ بعدا إنسانيا، بالتالي يعوّل نتنياهو على هذا البعد في تبرير
عدوانه على قطاع غزة، وهذا سيفسر أن تكون هناك مواقف دولية ومنها موقف الولايات
المتحدة الأمريكية في تبرير العدوان وتبرير الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي
ضد المدنيين في قطاع غزة بالتالي، أن يخسر الاحتلال هذه الورقة
"الإنسانية"، فهذا يعني أنه قد خسر دعايته للمجتمع الدولي أن أسبابه في
عدوانه ضد القطاع واحد منها هو تحرير المحتجزين، وبالتالي بعد إنهاء هذا الملف
سيكون الضغط أكثر على حكومة نتنياهو في بعدها الدولي وهذا ما لا يريده نتنياهو،
ومن الواضح أنه لا يعير اهتماما بأرواح المحتجزين المدنيين سواء من الإسرائيليين
أو الغربيين.
أمام هذه
المعطيات وفي ظل تكتيكات المقاومة الفلسطينية في ملف المحتجزين المدنيين داخل قطاع
غزة، هل لدى القسام نظرة متباينة في التعامل مع المحتجزين المدنيين من
الإسرائيليين وحملة الجنسيات الأخرى؟
فمن الأهمية
بمكان في قضية المحتجزين المدنيين داخل قطاع غزة، ومع الموقف الإسرائيلي في الرفض
والمماطلة وحتى خرق اتفاق تسليم المحتجزين، تعميم الموقف إلى موقف إسرائيلي صريح بشأن
غلق هذا الملف في المرحلة الحالية بحسب المعطيات وموقف نتنياهو وحكومة حربه.
وفي ظل موقف معلن
من رئيس الوزراء الكندي الذي قال بأنهم سيواصلون العمل مع قطر وبقية الشركاء
الآخرين لتأمين إطلاق سراح المحتجزين في قطاع غزة، وضمن حالة الاهتمام الأمريكي من
إدارة بايدن والحكومات الغربية والأجنبية التي لديها محتجزين في قطاع غزة، فمن
الأهمية أن تتطور المبادرة الإنسانية التي أطلقتها كتائب القسام للإفراج عن
المحتجزين المدنيين من حملة الجنسيات الأجنبية سواء بمقابل إنساني من وقف العدوان
وإدخال المساعدات الضرورية لقطاع غزة، أو من دون مقابل على الرغم من القتل الذي
يمارسه الاحتلال الإسرائيلي ضد شعبنا في القطاع والذي راح ضحيته آلاف الشهداء
والمصابين والمفقودين.
هذه المبادرة
تتطور بحيث تعلن القسام عن استعدادها للإفراج عن المحتجزين المدنيين لديها سواء
الإسرائيليين أو حَمَلة الجنسيات الأخرى، من خلال البوابة القطرية ودون أن يكون
للاحتلال الإسرائيلي علاقة بالتفاوض أو تسلم المحتجزين، حيث تقوم الدول الغربية
بالتواصل والتنسيق المباشر مع قطر التي تلعب بدورها وسيطا مع حركة
حماس لتقديم
معلومات عن المحتجزين الأجانب والمفقودين وإطلاق سراح الأحياء منهم. ويمكن أن يلعب
الصليب الأحمر الدولي دورا في تسلم وتسليم المحتجزين.
أيضا مصر يكون
لها دور في هذا الأمر، حيث تكون مصر بوابة لإخراج المحتجزين من قطاع غزة وتسليمهم
إلى وفود بلادهم الغربية.
نتحدث إذا عن آلية
إنسانية تشترك فيها حماس وقطر ومصر والصليب الأحمر من جهة والحكومات الغربية من
جهة أخرى لإنجاز هذا الملف، والمكتسبات التي ستحققها المقاومة الفلسطينية أوضحها
بالتالي:
أولا:
تحقيق عزلة سياسية دولية لرئيس حكومة الحرب الإسرائيلية نتنياهو، لأن مصلحة الدول
الغربية بالدرجة الأولى هي الإفراج عن مواطنيها، ولن تقبل أن يكون هناك خطر على
حياة مواطنيها في ظل الرفض الإسرائيلي لإنهاء ملف المحتجزين المدنيين في قطاع غزة،
بالتالي ينجم عن ذلك موقف غربي يناقض الموقف الإسرائيلي، وهنا سنشهد تراجعا في
المواقف الغربية المساندة للاحتلال في عدوانه ضد قطاع غزة. بالتالي يخسر الاحتلال
الإسرائيلي جزءا من الدعم الدولي في حربه ضد قطاع غزة، وكذلك يفقد بعضا من اهتمام
الدول الغربية المساندة له في تحقيق أهدافه من العدوان ضد قطاع غزة، ليكون الحديث
ما بعد إنهاء ملف المحتجزين هو التحرك الجدي لوقف إطلاق النار في قطاع غزة.
ثانيا: في
حال رفض الاحتلال الإسرائيلي لهذه المبادرة، ولنقل إنه سيقصف المحتجزين خلال نقلهم
من قطاع غزة إلى مصر، أو قصف معبر رفح، أو يشدد قصفه الوحشي على قطاع غزة للحيلولة
دون ذلك، هذا سيضع الجانب الإسرائيلي في موقف محرج أمام الإدارة الأمريكية
والحكومات الغربية وسيعمق من عزلته وتراجع المواقف الدولية الداعمة له، وربما نشهد
تراجعا في الخطابات القائلة بحق إسرائيل الدفاع عن نفسها.
ثالثا: في
حال حدوث هذا الطرح سيكون معبر رفح بوابة تنفيذ هذه الاتفاقيات، بالتالي سنشهد
حراكا دوليا في إبقاء معبر رفح مفتوحا وربما يساهم ذلك في الضغط لإدخال المزيد من
المساعدات الإنسانية التي يحتاجها القطاع في ظل العدوان الإسرائيلي المتواصل،
وربما أيضا تقدم الحكومات الغربية دعما إنسانيا في هذا الجانب.
رابعا: من
المؤكد أن تطبيق هذه المبادرة سيضر بالدعاية الإسرائيلية ضد حركة حماس لدى الغرب،
وسيكون الغرب أمام فرصة للتفكير مليا بما يصدر عن الاحتلال الإسرائيلي من حملة
تشويه ضد الشعب الفلسطيني ومقاومته.
وفي حال إطلاق
مثل هذه المبادرة الإنسانية ستشهد الدول الغربية تحركات سياسية وشعبية تطالب
حكوماتها بالتقاف هذه المبادرة حتى في ظل الرفض الإسرائيلي، وسيظهر الاحتلال
الإسرائيلي أمامهم بأنه غير مهتم بحياة المحتجزين المدنيين من الجنسيات الغربية،
وفي هذه الجزئية تظهر العنصرية لدى الاحتلال، ويدعم هذه الجزئية استهداف الاحتلال
في عدوانه على قطاع غزة الكنائس في التي راح ضحيتها عشرات الشهداء.
كما أن المحتجزين
المدنيين المفرج عنهم سيكونون بمثابة شاهد عيان على آثار العدوان الإسرائيلي على
قطاع غزة، كونهم عايشوا الحرب والقصف والتجويع وقطع الكهرباء، بالتالي سيكونون
بمثابة سفراء لنقل حقيقة العدوان الإسرائيلي وهذا ما سيضرب أيضا الرواية
الإسرائيلية، وربما يكون هذا واحدا من الأسباب للرفض الإسرائيلي لإغلاق ملف
المحتجزين، والشاهد على ذلك كلام المحتجزتين الإسرائيليتين التي أفرجت عنهما
القسام حول المعاملة الإنسانية التي حظيتا به في قطاع غزة وتقديم الرعاية الطبية
لهما.
كما أن المبادرة
الإنسانية ستفرض على العديد من الحكومات الغربية التواصل مع حركة حماس بشكل مباشر
أو غير مباشر، وهذا اعتراف سياسي بحركة حماس ويعيد النظر من قبل الحكومات الغربية
حول حماس، كما ستتولد مواقف غربية أكثر جرأة في العمل على وقف إطلاق النار.
خامسا: هذه
المبادرة كفيلة بتعزيز وتعميق الأزمة السياسية والأمنية التي يعيشها نتنياهو في ظل
الانتقادات اللاذعة له وتحميله مسؤولية الفشل الكبير الذي لحق بالمنظومة العسكرية
والأمنية الإسرائيلية، وذلك في حال الإفراج عن المحتجزين المدنيين من حملة
الجنسيات الأجنبية، والاحتفاظ بالمدنيين الإسرائيليين لدى المقاومة والذي سيكون
مصيرهم معرضا الخطر في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة. بالتالي سنشهد
مزيدا من الحملات والتحركات في الشارع الإسرائيلي خاصة من عائلات المحتجزين للضغط
على نتنياهو للقبول بالإفراج عنهم واستلامهم، وهذا ما سيشكل عبئا إضافيا على حكومة
الحرب الإسرائيلية.
سادسا: هذا
الضغط السياسي والأمني على حكومة نتنياهو ستكون له تداعيات إضافية على الهجوم
البري الذي يتحدث عنه الاحتلال الإسرائيلي ضد قطاع غزة والذي تم تأجيله لأكثر من
مرة، بالتالي نتحدث عن مزيد من الإرباك السياسي والأمني والعسكري والنفسي للجيش
الإسرائيلي، فلماذا يقاتلون بريا في القطاع إن كانت هناك طريقة آمنة لتخليص
المحتجزين، والحيلولة دون دفع فاتورة باهظة في حال الهجوم البري على القطاع؟ بالتالي
نتحدث عن مساحة زمنية مهمة ستكسبها المقاومة الفلسطينية من خلال إعلان هذه
المبادرة الإنسانية والبدء بتنفيذها، على حساب العدوان البري الذي يهدد به
الاحتلال الإسرائيلي.
سابعا: من
المكاسب التي ستحققها قطر في هذا الاتجاه التأكيد على دورها الاستراتيجي الهام في
العديد من القضايا الدولية ومنها القضية الفلسطينية، وسيكون ردا موجها لكل من وجه
انتقادات لقطر في دعم الإرهاب خاصة من مسؤولين في الإدارة الأمريكية، ونجاح هذه
المبادرة سيعزز العلاقة الاستراتيجية بين قطر والفصائل الفلسطينية، كذلك أيضا
بالنسبة للدور المصري في ذات الإطار.
ثامنا: من
المكاسب ما بعد العدوان الإسرائيلي أن هذه المبادرة ونتائجها ستكون مكسبا مهما على
صعيد المفاوضات القادمة فيما يتعلق بصفقة تبادل الأسرى بين المقاومة الفلسطينية
والاحتلال الإسرائيلي، حيث من المرجح أن يكون للدول الغربية التي أطلقت سراح
محتجزيها، دور إيجابي متقدم في مفاوضات تبادل الأسرى بين المقاومة والاحتلال
الإسرائيلي.
إذا من الأهمية وفي ظل تسارع الأحداث فيما يتعلق بالعدوان الإسرائيلي،
إطلاق مثل هذه المبادرة الإنسانية التي ستحقق عدة مكاسب لصالح الشعب الفلسطيني
ومقاومته في عدة أبعاد دولية سياسية وإنسانية، وستحقق شيئا من العزلة الدولية
للاحتلال الإسرائيلي وسيفقد جزءا غير بسيط من الدعم الدولي في عدوانه على قطاع غزة،
وستضاف إلى الخسارة الدبلوماسية التي مُني بها نتنياهو بعد إغلاق العديد من
السفارات الإسرائيلية حول العالم.