قال وزير الاستثمار
المصري الأسبق يحيى حامد، إن مستقبل مصر بات لا يبشر بالخير، بعد مرور عقد على انقلاب عبد الفتاح
السيسي.
وأوضح حامد في مقال على موقع "
ميدل إيست آي"، أنه وسط اقتصاد متهاو وقوى إقليمية لا تهمها سوى مصالحها وغرب منافق، لا يوجد لدى المصريين ما يحفزهم على الأمل.
وأشار إلى أن فرص التغيير نحو الأفضل في مصر تتقلص سريعا يوما بعد يوم، لافتا إلى أنه في السنوات العشر الأخيرة شهدت مصر انفجارا في الدين، وبدلا من الاستثمار في الناس وتوفير الضمانات للحماية من الأخطار مثل السد الأثيوبي، ركز السيسي اهتمامه على مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة.
ونوه إلى أن مصر لديها ثلاثة مسارات للخروج من الوضع المأساوي الحالي، أحدها انقلاب عسكري آخر، والثاني الانحدار البطيء نحو حالة يستعصى فيها الحكم، والثالث يتمثل في إعادة اكتشاف المصريين لروح 2011 واستنفار الإرادة الجماعية لتشكيل مصر بحيث تكون بلداً للجميع.
وتاليا المقال كاملا كما ترجمته "عربي21":
كان الرئيس الراحل
محمد مرسي يذكرنا دوماً أنه على النقيض مما عليه حال الأفراد الذين قد تتعدد الفرص لهم في حياتهم، مثل هذه الفرص تتاح للأمم مرة واحدة في كل جيل، هذا إن حصل.
أتذكر هذا التحذير بالذات ونحن نمر بالذكرى العاشرة للانقلاب العسكري العنيف والدموي الذي أطاح بمرسي من الرئاسة وقضى على الديمقراطية في مصر.
هذا لا يعني أن التغيير في مصر غدا الآن مستحيلاً، ولكن فرص التغيير نحو الأفضل تتقلص سريعاً يوماً بعد يوم. مقارنة بتاريخ مصر الحديث بأسره، كانت الفترة من 2011 إلى 2013 نوعاً من الاستثناء على القاعدة.
منذ 1952 – وهي فترة تمتد لما يزيد عن سبعين عاماً، أي ما يكافئ عمر جيل كامل – ومصر تحكم من قبل العسكر. شهدت تلك السنون تجاذبات وصراعات صغيرة عديدة، وبشكل خاص ما بين جمال عبد الناصر وعبد الحكيم عامر في الستينيات من القرن الماضي، وكذلك في مطلع عهد حكم أنور السادات، ولكن حتى تلك كانت استثناءات.
اظهار أخبار متعلقة
حكم الرئيس عبد الفتاح السيسي، بطرق ما، لا يختلف عن ذلك، ولكنه بطرق مهمة أخرى، مختلف.
يقال: "إن التاريخ يعيد نفسه، في المرة الأولى على شكل مأساة، وفي المرة الثانية على شكل قوة." حيثما تعلق الأمر بمصر، أظننا الآن في المرحلة الثانية. اتسم حكم السيسي خلال السنوات العشر المنصرمة بالعديد من التغيرات المهمة في طبيعة البلد.
لقد تم إخضاع القوات المسلحة المصرية – التي طالما كانت جزءاً مهماً، وإن كان مستقلاً نسبياً، من كيان السلطة. فقد تمكن السيسي من تدوير القيادات في كل المستويات، وفي بعض الأوقات بسرعة فائقة، ودونما أي اعتبار لقانون أو ضمانات دستورية.
بالمقابل، سمح للجيش، أو ربما تم تشجيعه، على ابتلاع الاقتصاد. ولا يقتصر الأمر الآن على تحكم
الجيش بإنتاج الربيان والمكرونة، بل بات مهيمناً على معظم قطاعات الاقتصاد. إن الشيء الوحيد الذي لا ينشغل به الجيش هو الدفاع عن حمى الوطن. ولقد أثارت صور الجنود المصريين مؤخراً وهم يستسلمون في السودان سخطاً وصدمة في أوساط المصريين.
خطر وجودي
يتحمل السيسي كذلك المسؤولية عن أسوأ خطر وجودي يتهدد مصر، ألا وهو سد النهضة العظيم في إثيوبيا. باتت الآثار التي سيخلفها السد مؤكدة، ولا توجد لدى مصر خطط لمواجهة تلك التحديات.
بالإضافة إلى ذلك، شهدت الأعوام العشرة الأخيرة انفجاراً في الدين صاحبه تنفيذ مشاريع أبهة ضخمة. ولكن على النقيض من الفترة المأساوية، تتسم هذه الفترة الهزلية بغياب حتى أي مشاريع تعود على الناس بالنفع ولو على المدى القصير.
بدلاً من الاستثمار في الناس وتوفير الضمانات للحماية من الأخطار مثل السد الإثيوبي، ركز السيسي اهتمامه على مشاريع مثل العاصمة الإدارية الجديدة، والتي يعتقد بأن تكلفتها تصل إلى 59 مليار دولار، وتبرز في الصحراء مثل الكابوس – إنها لحظة من العنجهية والتخطيط الرديء والترف. لو كان ثمة نموذج لحكم الرجل الواحد، فإنه هذا النظام.
تتواتر الروايات التي تدل على بلاهة تصميم العاصمة الجديدة، ومنها تلك التي تتحدث عما سيتكبده عشرات الآلاف من العاملين في الحكومة من مشقة وما سوف ينفقونه من أموال طائلة على التنقل إلى هذا العمل الأخرق في وسط الصحراء.
لم يكن وضع الاقتصاد في أي وقت مضى بهذا السوء، ويوماً بعد يوم يزداد دين مصر الخارجي تضخماً. أما الدخل الحقيقي للأفراد فهو في انكماش مستمر، وذلك بسبب التضخم وعدم اليقين من قيمة الجنيه. وبات التعامل بالدولار واقعاً في بعض القطاعات على الرغم من القوانين التي تحظر ذلك.
والسبيل الذي تلجأ إليه الحكومة لحل هذه المشاكل هو التغول على الأموال الخاصة. ويجري بيع الأصول الأكثر دراً للإيرادات في البلد لتمويل أزمة الدين. تداعيات كل ذلك على حياة المصريين اليومية فوق التصور، لدرجة أن سياسات السيسي باتت تلقب بالحرب على الفقراء. إلا أن المعاناة لا تقتصر على الفقراء، بل يعاني بسبب هذه الأوضاع من ينتمون إلى الطبقات الوسطى وما فوق الوسطى، وهي طبقات آخذة في التلاشي.
اظهار أخبار متعلقة
كل من تتاح له فرصة العمل في الخارج من المصريين لا يتردد في المغادرة، ولا أدل على ذلك من الأطباء المصريين الذين يغادرون زرافات ووحدانا.
الطريق إلى الأمام
النقطة الأخيرة لا تحتاج إلى برهان. أما التوقعات بشأن المستقبل فتنبع من القياس على تجارب الماضي، مؤيدة في ذلك بتقييم الوضع الكلي الحالي. ولكن نظراً إلى أن ظروف مصر الحالية غير مسبوقة، فإن التوقعات بشأن المستقبل يصعب الجزم بها.
لقد نجح الانقلاب الذي أتى بالسيسي إلى السلطة بفضل الدعم المحلي من العسكر ومن بعض النخب، وكذلك بفضل دعم القوى الإقليمية التي رأت في الحكومة الديمقراطية، سواء كانت إسلامية أو غير ذلك، خطراً على وجودها، وأخيراً بفضل دعم الحكومات الغربية، بما في ذلك الولايات المتحدة.
لقد أثبت الانقلاب، وكذلك السنوات العشر السابقة، للمصريين أن حديث الغرب عن الديمقراطية وحقوق الإنسان لا يزيد عن كونه امتداداً لسياسة خارجية توسعية ومتسلطة. كما يبدو، في حالة العديد من الحكومات الأوروبية، أن الأمر يتجاوز مجرد الاستغلال المنظم للموارد ليصل إلى رغبة جوهرية في إبقاء الشعوب العربية تحت الهيمنة. ولئن غدا هذا الدرس مستوعباً تماماً من قبل المصريين، إلا أنه يمثل واقعاً مريعاً بالنسبة للعالم.
هناك ثلاثة مسارات محتملة للخروج من الوضع المأساوي الحالي. أحدها هو انقلاب عسكري آخر، وهذا من شأنه أن يرسخ وضع مصر كبلد غير مستقر وعرضة لطموحات الضابط التالي الذي سوف يهيمن على مقاليد الأمور. والبديل عن ذلك هو استمرار الوضع القائم، والانحدار البطيء نحو حالة يستعصي فيها الحكم.
وأما المسار الثالث فيتمثل في إعادة اكتشاف المصريين لروح 2011 واستنفار الإرادة الجماعية لتشكيل مصر بحيث تكون بلداً للجميع. إلا أن فرص تحقق مثل هذا المسار آخذة في التضاؤل، وحتى لو تحقق فإن التكلفة ستكون باهظة جداً، وسيكون الطريق طويلاً وشاقاً، ولكنه سيظل الخيار الأفضل.
ما بين وضع اقتصادي متهالك، وقوى إقليمية تبدو عازمة على شراء مصر قطعة إثر قطعة، وقوى غربية لا تبالي إطلاقاً بالتحول الديمقراطي أو بالكرامة أو بحقوق الإنسان الحقيقية للشعوب في العالم العربي، يبقى المصريون بلا أمل.
والإنسان بلا أمل كائن خطير. ولئن كان التكهن بالمستقبل أمراً صعباً، إلا أن من الواضح أن المستقبل تكتنفه ظلال داكنة. تضيق شيئاً فشيئاً النافذة المطلة على أي استقرار حقيقي للمصريين، هذا إذا لم تكن قد أغلقت تماماً. ومن بعدي الطوفان.