اقتصاد عربي

قراءة في توصيات مؤتمر مصر الاقتصادي.. هل ينفذها السيسي؟

خبراء: توصيات المؤتمر للاستهلاك المحلي ومعظمها غير واقعي- جيتي
خبراء: توصيات المؤتمر للاستهلاك المحلي ومعظمها غير واقعي- جيتي

اختتمت، الثلاثاء، فعاليات "المؤتمر الاقتصادي - مصر 2022"، التي جرت على مدار ثلاثة أيام في العاصمة الإدارية الجديدة، بتقديم 200 توصية و600 مقترح لعلاج الأزمات التي يعاني منها الاقتصاد المصري في مختلف المجالات.


تضمنت توصيات محور السياسات المالية والنقدية، العمل على خفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي، وإطالة أجل السداد، وتحقيق فائض أولي لتعزيز قدرة الدولة على سداد التزاماتها، وسرعة الاتفاق مع صندوق النقد الدولي، إلى جانب أهمية مرونة سعر الصرف ليعكس ديناميكيات السوق من العرض والطلب، وإصدار مؤشر للجنيه المصري مُقوما ببعض العملات لأهم الشركاء التجاريين والذهب.

شملت توصيات محور تعزيز مشاركة القطاع الخاص، توسيع قاعدة الملكية بالتركيز على التخارج بتبني الطرح بالبورصة كأولوية، ويليها زيادة رأس المال بدخول مستثمر استراتيجي، وتعزيز دور صندوق مصر السيادي بنقل عدد من الشركات التابعة للدولة إليه.

وفي قطاع الصناعة، أوصى المؤتمر بسرعة الانتهاء من الرؤية المتكاملة لإستراتيجية الصناعة الوطنية، واستهداف بعض الصناعات المهمة، وتعميق التصنيع المحلي، وخاصة الصناعات الهندسية والكيماوية والنسيجية والغذائية. وكذلك تنمية الصادرات الصناعية عبر برامج رد الأعباء التصديرية، وتسهيل إجراءات النفاذ للأسواق الجديدة، وتفعيل دور مكاتب التمثيل التجاري والمعارض الدولية.

كما أوصى المؤتمر بتعزيز دور مبادرة "ابدأ" لدعم القطاع الصناعي، وتفعيل قانون تفضيل المنتج المحلي بالمشروعات القومية. وتحويل المناطق الصناعية لمدن سكنية متكاملة، وتوفير سكن للعاملين لتقليل تكلفة انتقالهم ومنح أراض للمصانع.

 

اقرأ أيضا: السيسي: لم أتحدث كذبا قط.. وناشطون يرصدون "كذباته"

"القطاعات ذات الأولوية"

ودعت توصيات محور القطاعات الاقتصادية ذات الأولوية، لإصلاح منظومة التعاونيات والاتحادات المرتبطة بالنشاط الزراعي. وإيجاد خطوط نقل سريع لتمكين الصادرات الزراعية الطازجة من النفاذ إلى الأسواق المُستهدفة. بالإضافة إلى تسهيل الحصول على قروض تمويل للمشروعات الصحية، وتسهيل إجراءات الشراكة مع الدولة في المستشفيات القائمة والجديدة، عبر إدارة القطاع الخاص للمنشآت الصحية بنظام حق الامتياز.

إلى جانب ذلك، أوصى المؤتمر بتقديم حزمة حوافز ضريبية وتمويلية؛ لتشجيع القطاع الخاص على توفير خدمات تعليمية متنوعة. ودراسة إدخال تعديلات على عقود توصيل التيار الكهربائي للمصانع بحيث تصبح قابلة للتمويل البنكي. وكذلك اتخاذ إجراءات تنفيذية من شأنها تصدير العقار عالميا، والترويج للمنتج العقاري من خلال الدولة والقطاع الخاص.

كما تضمنت التوصيات الدعوة إلى توحيد الجهة الخاصة بتحصيل الرسوم على المستثمرين في قطاع  السياحة. والتوسع في التصنيع المحلي للوحدات المتحركة للسكة الحديد والجر الكهربائي وقطع غيارها، وإشراك القطاع الخاص المصري والأجنبي في إدارة وتشغيل كافة مرافق النقل.

"برامج عمل"

وفي تقييمه للتوصيات والنتائج التي وصل إليها المؤتمر الاقتصادي، يرى رئيس الأكاديمية الأوروبية للتمويل والاقتصاد الإسلامي الدكتور أشرف دوابه، أن "القصة ليست توصيات بقدر تحويلها لبرامج عمل"، مؤكدا أن لديه إزاء "كل توصية تعليقٌ وانتقاد وتحفظ".

وأضاف أستاذ التمويل والاقتصاد بجامعة إسطنبول، لـ"عربي21"، أنه "كان يجب التركيز بالمؤتمر على تنفيذ ورش عمل تتحول أعمالها لبرامج قابلة للتطبيق"، موضحا أنه "لا فائدة إذا لم تتحول التوصيات لواقع عملي ملموس".

وضرب مثالا بمحور القطاع الخاص الذي جرى نقاشه بالمؤتمر، متسائلا: "هل هناك من يقدر على خصخصة شركات الجيش؟"، مشيرا إلى قص عبارة "الشركات المملوكة للجيش" من كلمة مصورة لرئيسة حزب الدستور جميلة إسماعيل، أمام المؤتمر، بحسب ما أعلنته عبر "فيسبوك".

 

اقرأ أيضا: رئيس وزراء مصر: نزوح 25 مليار دولار للخارج بأقل من شهر

وأكد دوابه، أن الكثير من الموضوعات غير قابلة للنقاش من الأساس، لافتا إلى أن "أكثر من توصية غير قابلة للتطبيق وبينها الحديث عن ربط الجنيه بغير الدولار، رغم ارتباط الاقتصاد المصري به"، متسائلا: "بأي عملة تتم صادراتك؟".

وبين أن "الأمر يحتاج لعلاج جذري وليس لعلاج شكلي، وأن المشكلة في إدارة الملف الاقتصادي كاملا، ومعه الأمور الخاصة بدور العسكر الاقتصادي".

ولفت إلى أن "سعر الصرف والإقرار بمرونته خلال المؤتمر يعني أن هناك تخفيضا محتملا للجنيه، ما يؤثر على الجميع ويزيد الفقر والديون الخارجية".

وانتقد دوابه أيضا، "توصية إطالة مدد سداد الدين الخارجي"، متسائلا: "من يتحمل هذا الأمر؟"، مؤكدا أن "الترحيل للجيل القادم يمثل إشكالية كبيرة".

"منظومة خداع"

وفي رؤيته، قال المستشار السياسي والاقتصادي الدكتور حسام الشاذلي: "مقومات نجاح أي منظومة اقتصادية فهم العلاقة والفرق بين القدرة على تطوير استراتيجية محددة وإمكانية تنفيذها".

وأضاف الشاذلي، الذي يرأس جامعة "كامبردج المؤسسية" بسويسرا، قائلا: "ولذلك أزعم أن توصيات المؤتمر تندرج تحت بند تطوير استراتيجيات فارغة لا يمكن تنفيذها" وذلك بناء على ما يلي:

"أولا: تفتقر المنظومة لأي أدوات إنتاجية تساعد بخفض نسبة الدين إلى الناتج المحلي أو تحقيق فائض، بل تشير المؤشرات لارتفاع نسبة الدين وتعاظم احتمالات فشل السداد ورفض المدينين مناقشة الشروط لغياب الثقة بالمنظومة".

"ثانيا: قرض صندوق النقد الدولي الجديد هو القشة التي ستقصم ظهر البعير وتسرع خطى المنظومة نحو الإفلاس للشروط غير القابلة للتطبيق، والتي ستنعكس بصورة مدمرة على المواطن والعملة، في ظل استخدام غير سوي لمؤشرات خادعة كمحاولة البعد عن الدولار الذي يمثل حجر الزاوية لمنظومة التجارة بمصر".

 

اقرأ أيضا: لماذا كشف السيسي عن تململ من الدعم المالي لمصر؟

"ثالثا: يستمر النظام في عرض أصول الدولة للرهن والبيع للأجانب، ويتسول عروضا مجحفة تؤصل لاستكمال أركان الاحتلال الاقتصادي الكامل للمنظومة، وهو الأمر الذي سيأخذ البلاد لهوة السقوط ولا يخدم حل مشاكل المديونيات ويسلم مفاتيحها للأجانب مما يمثل خطرا كبيرا على الأمن القومي".

"رابعا: التوصيات الهلامية تتحدث عن إصلاحات بدائية للمنظومة، حاول النظام استهلاكها مسبقا ليقدم نفسه للشعب بصورة المحارب للفساد، بينما أركان النظام أساس المنظومة الأحادية للفساد والتي أطاحت بمشاريع ناجحة ورؤوس أموال وطنية".

"خامسا: الحديث عن تحديث البنية التحتية اللوجستية في ظل إفلاس واضح واعتماد شبه كلي على القروض كذبة كبيرة؛ إذ تتطلب مشاريع البنية التحتية استثمارات ضخمة وشركاء دوليين فقدوا الثقة بقدرة النظام على إدارة الأولويات وتسديد الديون".

"سادسا: الحديث عن تمويل المشروعات الصحية، وتقديم حوافز ضريبية، وتصدير العقار، وإنشاء منطقة اقتصادية تكنولوجية؛ غير واقعي ومتأخر جدا، فتلك المبادرات تتطلب اقتصادا قويا وقدرات تمويلية كبيرة، ومنظومة جاذبة للاستثمار، وكلها عوامل بعيدة عن المنظومة الحالية".

وقال الشاذلي: "توصيات المؤتمر تتشابه مع مسودات رسائل بحثية يعدها طالب غير متميز، لا يتحمل مسؤولية نجاحها من فشلها، ولا يتحرى توفر الإمكانيات والموارد لتطبيقها، ولذلك لا علاقة لها بالواقع، ومجرد إضافة جديدة لمنظومات الخداع التي يتبناها النظام".

وأكد أن "النظام يرفض بشدة مواجهة حقيقة الفشل الكامل للمنظومة، والذي يجب مواجهته بإجراء إصلاحات شاملة تضمن القضاء على الأسواق الأحادية والفساد ومنظومات الحكم المسيسة، والتي تدعم منظومات اقتصادية شمولية وفاسدة لا يمكن توظيفها لتحقيق أي إصلاح حقيقي أو نهضة اقتصادية واقعية".

ويرى الأكاديمي المصري، أن "الأمل الوحيد لإنقاذ المنظومة تقويض أركان المنظومة الفاشلة الحالية، والحفاظ على المؤسسات القابلة للتطوير، والتأسيس لفترة استثنائية يتشارك فيها المجتمع الدولي مع مصر لبناء دولة ديمقراطية حديثة تتبنى منظومة منفتحة ومتقدمة، وتقبل فيها المؤسسات الدولية جدولة الديون وإسقاط جزء منها لمساعدة مصر بالتعافي من فترة حكم ديكتاتوري".

"للاستهلاك المحلي"

وفي رؤيته لتلك التوصيات، يرى السياسي المصري مجدي حمدان، أن "الدعوة للمؤتمر ومشاركة بعض السياسيين والحزبيين يبعث برسالة من الحكومة للمواطن أن هؤلاء شركاؤنا، وكل من حضر يتحمل تبعات قرارات صندوق النقد الدولي".

وأكد حمدان لـ"عربي21"، أن "تلك التبعات تتمثل برفع كامل للدعم عن الخبز، ومشتقات البترول والمحروقات، والتعويم الكامل للجنيه، وثلاثتها تؤدي للتضخم وتدهور دخل المواطن محدود أو معدوم الدخل".

ولفت إلى أن الأمر الثاني، هو أن ما صدر من توصيات والمؤتمر بحد ذاته "جزء للاستهلاك المحلي والاستهلاك الإعلامي"، مشيرا إلى ما قاله محافظ البنك المركزي حسن عبد الله، بأن "هناك مؤشرا جديدا للتعامل مع الجنيه".


حمدان، رد قائلا إن "الدول الغنية وصاحبة الدخل البترولي لم تقدم مؤشرا جديدا للريال والدرهم، فما بالك بدولة مديونياتها تخطت 150 مليار دولار، كيف تعمل مؤشرا بعيدا عن الدولار العملة التي من المفترض أن تسدد بها ديونها؟".

ويعتقد أن "البنك المركزي لن يستطيع تطبيق هذا المقترح"، مضيفا: "ومع ذلك فهناك توصيات لو جرى تفعيلها بشكل جاد ستحدث تغييرا كاملا بالمسار الاقتصادي والتصنيعي".

ويرى أنه "على الدولة تقليل ضريبة القيمة المضافة أو رفع الحد الأدنى لها، وخفض الضرائب بشكل عام بدلا من فرض 23 ضريبة على المنتج المصنع محليا، وإرجاء تطبيق الفاتورة الإلكترونية".

وقال موسى، إن "الدولة بدلا من التخفيف على المُصنع تكبله بضرائب والتزامات لا حصر لها، ويُفترض أن تقدم للشركات الصغيرة والمتعثرة خدمات ومزايا لا أن تكبلهم بمبالغ كبيرة كرسوم استهلاك الطاقة التي ترتفع شريحتها مع زيادة الاستهلاك بعكس دول العالم".

وختم بالتأكيد على أن "الحكومة ووزارتي الاقتصاد والمالية لديهم فكرة كاملة عما يجب أن يقدموه للتيسير على المستثمر والمصنع والاقتصاد ولكنهم مكبلون بمجموعة من القيود والقوانين".

وعبر صفحته بـ"فيسبوك"، انتقد الخبير الاقتصادي الدكتور عبد النبي عبد المطلب، توصيات المؤتمر الاقتصادي، قائلا: "واضح أن الخبراء كتبوا موضوع تعبير في غير الموضوع المطلوب".

 

"الأرثوذكسية الاقتصادية"

وفي رؤية سياسية، قالت رئيس المجلس الثوري المصري الدكتورة مها عزام: "كثير مما قيل من توصيات قد يعتبر كلام اقتصادي عام وجزء مما يسمى بالأرثوذكسية الاقتصادية وموجه بشكل أولي لصندوق النقد الدولي".

وفي حديثها لـ"عربي21"، أضافت: "لكن يمكن استنباط بعض الأمور التي ستؤثر بالأغلبية الساحقة من الشعب المصري؛ كالحديث عن خفض نسبة الدين مع إطالة أجل السداد، ما يؤشر إلى صعوبة تواجه النظام في سيولة سداد الأقساط".

وترى أن "هذا بالتالي يدفع بالحكومة لتبني كل ما يطرحه الصندوق، فنرى مشروع تعويم العملة تماما، واستعمال المشتقات والعقود الآجلة، مما قد يفيد الشركات الكبرى؛ لكن يوحي بانخفاض أكبر لسعر الجنيه، وتقلبات أكثر فيه مما سيضر المواطن العادي".

وتعتقد السياسية المصرية أن "الأزمة التي يواجهها النظام ماليا تنعكس في مشاريع الخصخصة وتمهيد للحكومة أن تبيع ما لديها، ودعوة مستثمرين استراتيجيين، والسؤال هنا من هؤلاء؟، دول خليجية؟، مؤسسات عالمية؟، شركات من الكيان الصهيوني؟".

وتابعت: "ولنفس السبب (الأزمة الاقتصادية) نرى تحركا تجاه خصخصة الهياكل الصحية، ما يشير إلى أن حق المواطن بالعلاج في خطر، إذا تم الانتقال إلى هيكل تأميني يفضل الأغنياء على الفقراء".

عزام، خلصت إلى "الاستنتاج أن النظام يواجه أزمة اقتصادية كبيرة، ويحاول أن يوفي بوعوده لصندوق النقد لأجل قرض جديد، ولتحقيق هذا الهدف قصير المدى، النظام مستعد لاتخاذ سياسات نتيجتها قاسية على المواطن العادي، ويبدأ في سحب مكونات العدالة الاجتماعية والتحرك إلى هيكلة السوق الحر التام".

وترى أن "المشكلة التي يواجهها النظام هي، أنه وبعد 9 سنوات من تطبيق الأرثوذوكسية الاقتصادية التي طلبها صندوق النقد، لم ينتج الاقتصاد المصري النمو المنشود، وأعتقد أن السبب وراء هذا هو أولا الفساد المستشري داخل الهيكل الاقتصادي العسكري ونخب رجال الأعمال الذي أثرى قلة صغيرة، وأفقر الأغلبية".

وثانيا: وفق رئيسة المجلس الثوري، "التركيز على مشاريع هيكلة تحتية تسمى بالغرب (فيلة بيضاء) أي أنها مشاريع بريستيج تجذب أنظار الإعلام النظامي (مثلا العاصمة الإدارية)، ولكنها ليست المطلوبة لتحريك وتفعيل النمو الاقتصادي للبلد".

وتعتقد أنه "نتيجة هذه السياسات بعد 9 سنوات نرى الطبقة الوسطى تُسحق والفقراء يزدادون فقرا، مقابل نمو هائل بثروات النخب الفاسدة، وندخل الآن في مرحلة تهدد أي أمل لتحقيق العدالة الاجتماعية، وتهدد الأمن القومي، إذ يفتح النظام المجال لقوى إقليمية وأجنبية لتملك موارد مصر الاستراتيجية وهذا خطر طويل الأمد".

 

التعليقات (0)