كتب

دور حاسم لفتاوى الحاخامات في السياسات الإسرائيلية

القانون الإسرائيلي لا يعتبر الدعوات العنصرية تجاوزا في حال استندت إلى اقتباسات من الكتب الدينية اليهودية
القانون الإسرائيلي لا يعتبر الدعوات العنصرية تجاوزا في حال استندت إلى اقتباسات من الكتب الدينية اليهودية

الكتاب: "فقه التوحش المسكوت عنه.. مقاصد فتاوى الحاخامات وتأثيراتها في الصراع والمجتمع الإسرائيلي"
المؤلف: صالح النعامي
الناشر: جسور للترجمة والنشر، 2020

عبر الإحاطة بالبيئة السياسية والاجتماعية والثقافية لحركة "التأصيل الفقهي" النشطة، التي تعكف عليها المرجعيات الدينية اليهودية، يتناول هذا الكتاب فتاوى الحاخامات في إسرائيل، ويرصد دورها في توفير بيئة حاضنة للتنظيمات الإرهابية الصهيونية، وتكريس التوجهات العنصرية تجاه الآخر غير اليهودي، وتأثيرها في الصراع السياسي بين الكيان الصهيوني والأمة العربية والشعب الفلسطيني

وعبر فصول الكتاب يناقش الباحث الفلسطيني، المتخصص في الشأن الإسرائيلي، صالح النعامي العوامل التي ساهمت في تعزيز مكانة فتاوى الحاخامات، ويتناول مرجعيات الإفتاء والتيارات الدينية التي تنتمي إليها، وتداعياتها على المجتمع الإسرائيلي وانعكاساتها على الشعب الفلسطيني، كما يسلط الضوء على الفتاوى التي تتناول الفضاء الاجتماعي الإسرائيلي وتحديدا الموقف من المرأة ودورها في المجتمع والجيش، إلى جانب إبراز اتجاه الإرث الفقهي اليهودي تجاه الأقليات المجتمعية وتحولات العصر.

في البحث في عوامل تعاظم مكانة فتاوى الحاخامات يلفت النعامي الانتباه إلى أن إسرائيل تبدي حرصاعلى تغليب القيم التي تعكس يهودية الدولة على غيرها من القيم، وهو ما أسس للاعتراف بدور الدين وتأثيره في الدولة، ومنح ثقلا كبيرا للمصادر الدينية وتأويلها بشكل يضفي شرعية على دورها في الفضاء العام والخاص. ومن هنا لم يكن مستهجنا أن تحرص حتى القيادات العلمانية اليهودية على رفض فكرة الفصل بين الدين والدولة داخل إسرائيل. لذلك يذهب الباحث العلماني شاؤول روزنفيلد، أستاذ الفلسفة في الجامعة العبرية، إلى حد القول: نحن العلمانيين في إسرائيل لا يمكن أن نقبل فصل الدين عن الدولة، لأن هذا يمثل خطرا وجوديا على الدولة، فهو يعني القضاء على هوية الدولة وطابعها اليهودي. 

من هذه العوامل أيضا استقلالية المؤسسة الدينية الرسمية. فعلى الرغم من أن الحاخامات الذين يتزعمون المؤسسات الدينية الرسمية هم موظفو دولة وينتمون للجهاز البيروقراطي للكيان الصهيوني فإنهم مستقلون تماما في إدارة شؤون مؤسساتهم، ولا يسمح للدولة إلا بدور محدود جدا في اختيارهم، ولم يحدث أن قام الحاخامان الأكبران بزيارة رئيس الحكومة أو الوزراء في مكاتبهم، بل جرت العادة بأن يتوجه هؤلاء إلى الحاخامية الكبرى للقاء الحاخامين. فضلا عن ذلك فقد وفر القانون الإسرائيلي بيئة قانونية تمح الحاخامات هامش حرية كبيرا في التعبير عن اجتهاداتهم الفقهية، عندما يتعلق الأمر بتحريض فج على العنصرية تجاه الآخر غير اليهودي، أو تجاه اليهود الذين لا يتصرفون وفق هذه الاجتهادات. 

فالقانون الإسرائيلي لا يعتبر الدعوات العنصرية تجاوزا في حال استندت إلى اقتباسات من الكتب الدينية اليهودية. يضاف إلى هذه العوامل اتجاه كثير من المستثمرين اليهود المتدينين إلى تدشين قنوات تلفزة وصحف ومحطات إذاعية ومواقع إخبارية الكترونية ساهمت في نشر الفتاوى الحاخامية وزيادة تأثيرها في الرأي العام. يضيف النعامي أن صعود اليمين إلى الحكم لأول مرة عام  1977 وفر الظروف التي ضمنت تعاظم مكانة الفتوى الدينية. فقد باتت الأحزاب الدينية مركبا أساسيا من المركبات الحزبية التي تشكل الائتلافات الحاكمة، وهي أحزاب تدار بشكل مباشر وحصري من قبل مرجعيات دينية.

فقه القتل

يقول النعامي: إن أوضح دليل على دور فتاوى الحاخامات في توفير بيئة حاضنة للإرهاب الصهيوني هو أن جميع العمليات الإرهابية التي استهدفت الفلسطينيين ودور عبادتهم وممتلكاتهم خلال العقود الثلاثة الأخيرة نفذتها منظمات وأشخاص متدينون يخضعون بشكل مطلق لتعليمات الحاخامات. 

ويشير إلى أن مصنف "شريعة الملك" الفقهي الذي وضعه الحاخامان يوسف إليتسور وإسحاق شابيرا هو أخطر مصنف يهودي يحث على الإرهاب ليس فقط بسبب المكانة التي يتمتع بها الحاخامان لدى قطاع واسع من اليهود ولكن أيضا للدور الذي قام به المصنف في انطلاق أخطر التنظيمات الإرهابية اليهودية ضد الفلسطينيين، فقد منح "رخصا شرعية" توسع مجال استباحة دماء غير اليهود من دون أي مسوغ عقلي أو منطقي. 

 

بسبب تأثير الحاخامات فإن الأغلبية الساحقة من الضباط المتدينين في صفوف الجيش ترفض تنفيذ أية تعليمات للحكومة بإخلاء المستوطنات في إطار تسوية الصراع. ويظهر استطلاع للرأي أن 81% من طلاب المرحلة الثانوية المتدينين يعلنون عن نيتهم رفض أي قرار للحكومة بعد تجنيدهم في الجيش بخصوص إخلاء المستوطنات.

 



لقد اتسع هذا "التأصيل الفقهي" لتبرير قتل غير اليهودي، حيث أعد الحاخام عيدو إلبا، وهو من أبرز مرجعيات التيار الديني الصهيوني مصنفا أطلق عليه "فقه قتل غير اليهودي" يورد فيه بالتفصيل المسوغات الفقهية التي تفرض قتل غير اليهودي لأنه غير يهودي. ومن بين الفتاوى التي يتم تسليط الضوء عليها في المدارس العسكرية وفي قواعد الجيش فتوى صدرت في العام 2005 عن مجموعة من الحاخامات وجهت في رسالة إلى رئيس الوزراء الأسبق إرييل شارون تحثه فيها على عدم التردد في قتل المدنيين الفلسطينيين خلال المواجهات التي كانت مندلعة في الأراضي المحتلة. هذا فضلا عن فتاوى أخرى تدعو للإجهاز على الجرحى الفلسطينيين، وتبيح الاغتصاب، وأخرى تبرر الاعتداء عليهم واستهداف مقدساتهم، وفتاوى تحث على شن الحروب.

الاستيطان المقدس

يوضح النعامي أن المرجعيات الدينية اليهودية لعبت دورا حاسما في دفع الرأي العام الإسرائيلي إلى تبني توجهات متطرفة من الصراع مع العالم العربي ومع الشعب الفلسطيني تحديدا. تجلى ذلك في رفض مشاريع التسوية لانهم يرفضون أية حلول لا تضمن مواصلة إسرائيل الاحتفاظ بالأراضي التي احتلتها، فضلا عن عدم استعدادهم للتخلي عما يرونه حقا لهم من مصادرة للأراضي الفلسطينية وبناء المستوطنات عليها التي يعتبرونها أمرا مقدسا. كما حرصت المرجعيات الدينية على تعميم فتاوى تشدد على حرمة إجراء أي تفاوض بشأن القدس ومستقبل المسجد الأقصى، وحثت الجماهير الإسرائيلية على عدم السماح بأي حال من الأحوال بفقدان السيطرة اليهودية على القدس. 

يقول النعامي: إن 71% من المتدينين يؤيدون طرد الفلسطينيين. وبسبب تأثير الحاخامات فإن الأغلبية الساحقة من الضباط المتدينين في صفوف الجيش ترفض تنفيذ أية تعليمات للحكومة بإخلاء المستوطنات في إطار تسوية الصراع. ويظهر استطلاع للرأي أن 81% من طلاب المرحلة الثانوية المتدينين يعلنون عن نيتهم رفض أي قرار للحكومة بعد تجنيدهم في الجيش بخصوص إخلاء المستوطنات. 

 

تحرض المرجعيات الدينية الفتيات اليهوديات على عدم الاختلاط بشكل مطلق بالعرب، خشية أن تفضي العلاقات معم إلى الزواج منهم أو تحولهن للإسلام. وتذرعا بالخوف من عمليات للمقاومة الفلسطينية صدرت فتاوى بعدم السماح للعرب بأن يغادروا مدنهم في الجليل والمثلث بسياراتهم الخاصة.

 



وقد عزز توجه المرجعيات الدينية إلى الدعوة لاغتيال القيادات السياسية التي تبدي استعدادا للانسحاب من الأراضي العربية المحتلة وجود حكمين شرعيين أساسيين يتعلقان بهذه القضية وتم الاعتماد عليهما في إصدار الفتاوى التي حثت على قتل إسحاق رابين. في العام 2006 أكد وزير القضاء الإسرائيلي تومي ليبيد، الذي كان المتحمسين لحل الصراع مع الفلسطينيين، أنه اكتشف أن أية حكومة إسرائيلية لا يمكنها أن توقع على تسوية سياسية تتضمن الانسحاب من الضفة الغربية وتفكيك المستوطنات فيها، بسبب المقاومة التي سيبديها المستوطنون. وحذر من نشوب حرب أهلية في حال تم تفكيك هذه المستوطنات، ولم يستبعد تصدع الجيش بسبب الثقل الكبير للمتدينين داخل هيئته القيادية، موضحا أن رؤساء الوزراء سيفضلون دوما بقاء الصراع مع العرب على خطر انفجار الأوضاع الداخلية.

يشرح النعامي كيف جسدت فتاوى الحاخامات بشكل عملي ما حث عليه الفكر الديني اليهودي، وبشكل خاص التلمود. فقد مثلت هذه الفتاوى أهم مسوغ فقهي لحث الرأي العام الإسرائيلي على تبني المواقف العنصرية تجاه الآخر، ولا سيما العربي. لقد حرص الحاخامات على تقديم أدلة فقهية تدل على تفوق اليهود من خلال تفسيرات متطرفة لمزاعم اصطفاء الرب لهم، إذ يزعم الحاخامات أن الرب قد خلق الكون وسائر الشعوب فقط لخدمة اليهود. لقد حرمت الكثير من المرجعيات الدينية على اليهودي بيع عقاراته أو تأجيرها للعربي، فضلا عن إصدار فتاوى تجيز سرقة العرب واستهداف ممتلكاتهم "لأنهم أصلا لصوص"!. 

وتحرض المرجعيات الدينية الفتيات اليهوديات على عدم الاختلاط بشكل مطلق بالعرب، خشية أن تفضي العلاقات معم إلى الزواج منهم أو تحولهن للإسلام. وتذرعا بالخوف من عمليات للمقاومة الفلسطينية صدرت فتاوى بعدم السماح للعرب بأن يغادروا مدنهم في الجليل والمثلث بسياراتهم الخاصة. وقد طالت فتاوى الحاخامات العنصرية المجال الطبي فحظرت على الأطباء والممرضين اليهود معالجة العربي، وأفتى الحاخام دوف ليثور بعدم جواز تقديم الاسعافات الطبية لغير اليهود حتى لو كانوا من حلفاء اليهود.

يشير النعامي إلى ما قاله الباحث الإسرائيلي عفري إليني من أن الكراهية للعرب باتت محور الإجماع الأهم في المجتمع الإسرائيلي بسبب التأثير الطاغي لتحريض الحاخامات وفتاواهم. ويذكر النعامي أن المعطيات البحثية تدل على أن الأغلبية الساحقة من الإسرائيليين باتوا يؤمنون بأن إسرائيل تحولت إلى دولة عنصرية أكثر. فبحسب استطلاع للرأي العام فإن 79%من الإسرائيليين يقرون بأن هناك عنصرية تمارس ضد العرب داخل الكيان الصيوني. 

وتدل الأرقام الرسمية على أن الفترة الفاصلة بين 2015 و2016 شهدت 465 حادثة عنصرية، وهو ما يعادل ضعف الحوادث التي وقعت في العام الذي سبقه، مع العلم أن 79% من هذه الحوادث استهدفت الفلسطينيين والبقية استهدفت العمالة الأجنبية. فلم يقتصر التحريض العنصري للحاخامات على العرب، بل شمل كذلك أصحاب البشرة السوداء. ولم تتردد مرجعيات دينية وازنة من التفوه بكلام عنصري ضد ذوي البشرة السوداء، إذ قال الحاخام يستحاكي زيلبرشتاين، الذي يوصف بأنه عبقري في التعاطي مع النصوص التوراتية، إن "أي يهودي يولد له طفل أسود فهذا دليل على أنه استحق اللعنة".    


التعليقات (0)