كتب

تركيا دولة محورية في الاستراتيجية الدولية والإقليمية (2من2)

 حزب العدالة والتنمية استطاع أن يدرك بشكل متميز الهوية الوطنية لتركيا
حزب العدالة والتنمية استطاع أن يدرك بشكل متميز الهوية الوطنية لتركيا

الكتاب: "العمق الاستراتيجي موقع تركيا ودورها في الساحة الدولية"
الكاتب: أحمد داود أوغلو،

ترجمه: د. محمد جابر ثلجي ود. طارق عبد الجليل

قام بمراجعته كل من: د. بشير نافع ود. برهان كوروغلو
الناشر: الدار العربية للعلوم ناشرون + مركز الجزيرة للدراسات، أيلول 2010

(646 صفحة من القطع الكبير)

مرتكزات السياسة الخارجية التركية الجديدة 


التحول النوعي في السياسة الخارجية التركية، يكمن في استطاعة حزب العدالة والتنمية أن يدرك بشكل متميز الهوية الوطنية لتركيا، من حيث هي أوروبية وشرق أوسطية أيضاً، وأن يبلور الأسس الجديدة للسياسة الخارجية التركية، التي تستند على الركائز المعروفة في العلوم السياسية مثل: التحالفات الدولية والموقع الجغرافي والإمكانات البشرية والاقتصادية، إضافة إلى الروابط التاريخية لتركيا في محيطها الأوراسي، والعالم العربي والإسلامي، ودورها الكبير في رسم السياسة الإقليمية لتركيا.
 
يؤكّد السيد أحمد داود أوغلو، وزير الخارجية التركي السابق ، "أنّ المسألة تتعلق أولاً برؤيتنا للأمور". ورؤيته ليست ضيّقة: فهو إذ يريد السلام والأمن في المنطقة، يعتبر أنّ بلاده، العضو في الوقت نفسه في مجموعة الدول العشرين G20 وفي منظّمة حلف شمال الأطلسي NATO، تحتلّ موقعاً يخوّلها المساهمة في تحقيق ذلك. والسيد داود أوغلو هو مهندس سياسة أنقرة الجديدة هذه؛ تلك القائمة على مبدأ "صفر مشاكل مع الجيران" وعلى "القوّة الهادئة" (soft power) التي ترتكز على الإقناع والتفاوض.
 
لقد أصبحت السياسة الخارجية التركية خلال العقدين الأخيرين لمرحلة ما بعد نهاية الحرب الباردة، أي مرحلة عودة انطلاق الدور الإقليمي إلى الخارج، محطّ العديد من النقاشات والجدالات في الغرب وفي تركيا والعالم العربي.

في كتابه الذي يحمل العنوان الآتي: "العمق الاستراتيجي.. مكانة تركيا الدولية" بنى البروفسور أوغلو تحليلاته من خلال التركيز على الأبعاد الجيوسياسية، ولاسيما على المكونين اللذين يشكلان أساس "العمق الاستراتيجي"، ـ وهما: "العمق الجغرافيGeographical Depth "، و"العمق التاريخي Historical Depth".

في ما يتعلق بالعمق الجغرافي، يعتبر أوغلو تركيا دولة "مركزية Central"، والحال هذه لا يجوز النظر إليها كدولة "جسر Bridge" تربط نقطتين فحسب، أو كدولة "طرفية Perepherique "، أوحتى كدولة عادية تقع على تخوم العالم الإسلامي أو الغرب، حسب تعبير أوغلو نفسه. 

ويرجع أوغلو كون تركيا دولة "مركزية" إلى موقعها الجغرافي الفريد، عندما يقول: "جغرافيا تركيا تعطيها حال دولة مركزية فريدة تختلف عن الدول المركزية الأخرى. فعلى سبيل المثال تعتبر ألمانيا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافياً عن إفريقيا وآسيا. وروسيا أيضا دولة مركزية في أوروبا ولكنها بعيدة جغرافيا عن إفريقيا، وإيران دولة مركزية في آسيا لكنها بعيدة جغرافيا عن أوروبا وإفريقيا. وبنظرة أوسع، فإن تركيا تحتفظ بالموقع الأفضل فيما يتعلق بكونها دولة أوروبية وآسيوية في الوقت عينه. كما أنها قريبة من افريقيا أيضاً عبر شرق البحر المتوسط. ومن ثم فإن دولة مركزية تحتفظ بموقع متميز هكذا لا يمكن لها أن تعرف نفسها من خلال سلوك، ولا يجب النظر إليها كدولة ممر تربط نقطتين فحسب، ولا دولة طرفية، أو كدولة عادية تقع على تخوم العالم الإسلامي أو الغرب".
 
"العمق الجغرافي" و"العمق التاريخي"، يشكلان الإرث التاريخي الذي ورثته تركيا من الإمبراطورية العثمانية بوصفها أحد مراكز الجذب العالمية، حيث كانت استانبول عاصمتها التاريخية، بعد أن كانت تاريخياً عاصمة الإمبراطوريات الرومانية والبيزنطية. فالجزء الأكبرمن تركيا أي نحو 97,5 في المئة من مساحتها يقع في آسيا، في حين تقع النسبة الباقية في أوروبا. وكانت قسطنطينوبوليس مدينة مسيحية بيزنطية قبل أن يفتحها السلطان العثماني محمد، والذي ذهب في التاريخ باعتباره "محمد الفاتح" بسبب ضمه استانبول إلى إمبراطورية العثمانيين، ليتبدل اسم المدينة إلى الآستانة التي أصبحت حاضرة الشرق الكبرى وعاصمة الدولة العليّة العثمانية. استعمل السلطان محمد الفاتح لأول مرة في التاريخ المدافع ذات القطر الكبير عند فتحه المدينة العريقة، في تطبيق عملي للعلاقة العضوية بين امتلاك ناصية العلوم والمعارف التقنية والنجاحات العسكرية والسياسية.

لقد جمع البروفسور أوغلو بين المعيارين "العمق الجغرافي" الاستراتيجي، و"العمق التاريخي" الثقافي لتركيا تحت اسم واحد هو "العمق الاستراتيجي"، ونتاج تشكل تركيا ذاتها من موزاييك فريد من الأعراق (أتراك، أكراد، عرب، أرمن، شركس، لاز) والطوائف (السنة والعلويين والمسيحيين الأرثوذكس)، فإنها من وجهة نظر أوغلو، تركيا دولة ذات هويات إقليمية متعددة، أي أنها تنتمي إلى مناطق الشرق الأوسط، والبلقان، والقوقاز، وآسيا الوسطى، وبحر قزوين، والبحر الأسود، والبحر المتوسط، ولا يمكن حصرها في هوية واحدة.

والحال هذه، على تركيا، حسب وجهة نظر أوغلو: "أن تعتبر كونها دولة طرفية هي جزء من الماضي، وتدشين سياسة خارجية جديدة تقوم على توفير الاستقرار ليس لنفسها فحسب، ولكن لجيرانها في مناطق نفوذها. وعلى تركيا أيضاً أن تضمن أمنها القومي واستقرارها عبر تطوير دور أكثر فاعلية وبناء لتوفير النظام والأمن والاستقرار في النظم المحيطة بها".

وفقا لهذا المنظور، بلور حزب العدالة والتنمية الأسس الجديدة للسياسة الخارجية التركية الموجهة لكل منطقة، مع التكامل بين أبعادها. وتقوم هذه الأسس على ضرورة تعدد أبعاد السياسة الخارجية التركية بما يتفق وطبيعة تركيا كدولة ذات "عمق استراتيجي" مستمد من وقوعها في قلب منطقة أفروأوراسيا. 

 

على تركيا، حسب وجهة نظر أوغلو: "أن تعتبر كونها دولة طرفية هي جزء من الماضي، وتدشين سياسة خارجية جديدة تقوم على توفير الاستقرار ليس لنفسها فحسب، ولكن لجيرانها في مناطق نفوذها. وعلى تركيا أيضاً أن تضمن أمنها القومي واستقرارها عبر تطوير دور أكثر فاعلية وبناء لتوفير النظام والأمن والاستقرار في النظم المحيطة بها".

 


شرعت تركيا مع بداية العقد الأول من القرن الحادي و العشرين في تطوير رؤيتها وسياستها على نحو يتواكب مع المستجدات ، وبذلت جهودها لإرساء رؤيتها على أرضية صلبة توظف فيها موروثاتها التاريخية والجغرافية التوظيف الأمثل. ومن ثم تعين على تركيا الالتزام بستة مبادئ حتى يتسنى لها تطبيق سياسة خارجية إيجابية فعالة.

المبدأ الأول: "هو التوازن السليم بين الحرية والأمن". والحقيقة أنه ما لم تحرص دولة من الدول على إقامة ذلك التوازن بين الحرية والأمن بداخلها، فانها ستكون عاجزة عن التأثير في محيطها. كما أن مشروعية النظم السياسية يمكنها أن تتحقق عندما توفر هذه النظم الأمن لشعوبها، مع عدم تقليص حرياتها في مقابل ذلك. وما نعنيه هو أن الانظمة التي توفر الأمن لشعوبها وتحرمها في مقابل ذلك من الحرية، تتحول مع الوقت أنظمة سلطوية، وكذلك الأنظمة التي تضحي بالأمن بدعوى أنها ستمنح الكثير من الحريات، ستصاب بحالة من الاضطراب المخيف. واذ اتجه العالم من بعد أحداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 إلى تقليص الحريات بدعوى تحقيق الأمن إزاء التهديدات الإرهابية، فإن نجاح تركيا في تحقيق هذه المعادلة الصعبة بتوسيعها مساحة الحرية دون أن تغامر بأمنها لهي نقطة جديرة بالملاحظة والانتباه".
 
تمثل المبدأ الثاني: "في تصفية المشكلات" مع دول الجوار، وهو مبدأ تبدو نتائجه الإيجابية واضحة بجلاء لكل متابع، فعند مقارنة وضع تركيا الآن، بما كانت عليه قبل أربعة أو خمسة اعوام، سنجد أن علاقات تركيا مع كل دولها المجاورة باتت وطيدة الى اكبر درجة. وابرز الامثلة على ذلك علاقاتها مع سوريا التي توّجت بابرام عدد من اتفاقات التجارة الحرة بين البلدين، وفتحت الطريق امام علاقات اقتصادية ضخمة. ارتقى مستوى علاقات تركيا بسوريا قبل 2010إلى حد يمكن ان يوصف بالانقلاب في المسار الديبلوماسي مقارنة بما كانت عليه قبل عشرة أو خمسة عشر عاما".
 
يقوم المبدأ الثالث: "على التأثير في الأقاليم الداخلية والخارجية لدول الجوار، ويمكننا هنا التحدث عن تأثير تركيا في البلقان والشرق الأوسط والقوقاز وآسيا الوسطى. اهتمت الخارجية التركية في عقد التسعينيات من القرن المنصرم اهتماماً جادا ومؤثرا بالبلقان، ولاسيما في ازمتي البوسنة والهرسك وكوسوفو، وهو اهتمام ارتكز على اسس راسخة. وظلت قدرة تركيا على النفاذ الى الشرق الاوسط محدودة، مقارنة بما تتمتع به تركيا من تأثير داخل البلقان والقوقاز... وتأطرت هذه الصورة السلبية في الاتهامات المتبادلة بين العرب و الأتراك. ومن ثم كان ذلك الحاجز النفسي هو العقبة الكؤود امام انفتاح كلا الطرفين على الآخر. بيد ان الضرورات البراغماتية التي تولدت عن الحاجة الى الدعم الديبلوماسي المتبادل قد فتحت الطريق امام هذه العلاقات، وحطمت تلك الحواجز التاريخية/ النفسية، وهو ما جعل تركيا اكثر ارتباطا بسياساتها الشرق اوسطية الفعالة التي انتهجتها منذ عام2002".
 
يرتكز المبدأ الرابع: "السياسة الخارجية المتعددة البعد"، على أن العلاقات مع اللاعبين الدوليين ليست بديلة من بعضها البعض، وإنما متممة لها. وهو مبدأ يسعى لإبراز علاقات تركيا الاستراتيجية مع الولايات المتحدة الأمريكية في إطار ارتباطها بالحلف الاطلسي (الناتو) وتحت مفهوم العلاقات الثنائية، وكذلك لطرح جهود تركيا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، وكذلك سياستها مع روسيا وأوراسيا على الوتيرة ذاتها من التزامن باعتبارها علاقات تجري كلها في اطار التكامل، وليست علاقات متضادة أو بديلة من بعضها البعض. وان ما نقصده هنا ونود التأكيد عليه هو أن السياسة المتعددة البعد التي تنتهجها تركيا منذ عدة سنوات لم تتضارب أو تتناقض مع بعضها البعض، ولذلك أضحت سياسات مؤسسية راسخة".
 
أما المبدأ الخامس: "فهو الديبلوماسية المتناغمة، اذ عند النظر إلى أداء تركيا الديبلوماسي من زاوية عضويتها في المنظمات الدولية، واستضافتها للمؤتمرات والقمم الدولية نجد تطورات مهمة وجادة، في حال ما قورنت بأدائها الديبلوماسي قبل عام 2003، استضافت تركيا قمة الناتو، وقمة منظمة المؤتمر الإسلامي فضلا عن استضافتها معظم المنتديات الدولية. وأصبحت عضوا مراقبا في منظمة الاتحاد الإفريقي عام 2007، وهو ما يمكن أن يفسر باعتباره نتيجة طبيعية لسياسة تركيا في الانفتاح على إفريقيا منذ عام 2005، فضلا عن مشاركة الرئيس رجب طيب أردوغان في قمة الاتحاد الإفريقي الأوروبي التي انعقدت في مدريد، وهي المشاركة التي هيأت لتركيا أن تصبح لاعباً مؤثرا في العلاقات بين الاتحاد الافريقي وأوروبا. وبدعوة من جامعة الدول العربية شاركت تركيا على مستوى وزراء الخارجية وعلى مستوى رؤساء الوزراء على حد سواء. كما وقعت مع جامعة الدول العربية على اتفاقية خاصة على خلفية اجتماع دول جوار العراق، وذلك خلال الفترة التي تصاعدت فيها الازمة بين العراق وحزب العمال الكردستاني، حيث قضت الاتفاقية بتأسيس علاقات مؤسسية وتشكيل المنتدى التركي العربي".

أما المبدأ السادس والأخير: "فهو أسلوب ديبلوماسي جديد. فلفترة طويلة من التاريخ كانت تركيا في نظر العالم دولة جسرية، ليس لها رسالة سوى أن تكون معبراً بين الأطراف الكبرى. والمقصود من ذلك الدور هو أن تركيا دولة تنقل طرفا إلى طرف آخر دون أن تكون فاعلا بين الطرفين. ولذا بدت تركيا لدى الشرقي دولة غربية، ولدى الغربي دولة شرقية، ومن ثم كان من الضروري رسم خريطة جديدة لتركيا تجعلها مرشحة لأداء دور مركزي: وأن تكون دولة قادرة على إنتاج الأفكار والحلول في محافل الشرق ومنتدياته، رافعة هويتها الشرقية دون امتعاض، ودولة قادرة على مناقشة مستقبل أوروبا داخل محافل أوروبا ومنتدياتها من خلال نظرتها الأوروبية. وهذه الرؤية ليست موجهة للديبلوماسيين والسياسيين وحدهم بل للمثقفين أيضاً، إذ إنَّ الوصول إلى نتائج ايجابية في هذه الرؤية يعد أمراً مستحيلاً دون اعادة تهيئة المثقف وتطويره في نموذج جديد".

من هنا، شكلت مقاربة أحمد داوود أوغلة للسياسة الخارجية التركية خروجاً عن الإطار القديم المألوف زمن الحرب الباردة، الذي تسود فيه سياسة خارجية منغلقة، فتركيا تتصرف للمرة الأولى من خلال بسيكولوجيا وفهم وثقة تعكس حقائق مرحلة ما بعد الحرب الباردة. وإذا كانت هناك شعوب وبلدان لا تزال تعيش في عالم الديناميات والتوازنات التي كانت سائدة في مرحلة الحرب الباردة، فإن تركيا تنطلق بسرعة كبيرة جداً في القرن الحادي والعشرين، لجهة اعتمادها على تنويع سياستها الخارجية المتحركة في اتّجاهات متعدّدة بحسب ما تمليه عليها جغرافيتها وتاريخها، والمنطلقة أيضاً من خدمة مصالحها الوطنية مصالحها الاقتصادية والأمنية والإقليمية.
 
وهكذا تختلف جداً فكرة "العمق الاستراتيجي" وسياسة "صفر مشاكل" عن سياسة الجمهورية التركية خلال الحرب الباردة. وتختلف أيضاً عن سياستها في أغلب سنوات ما بعد نهاية الحرب، حيث كانت السياسة التقليدية للجمهورية التركية تقوم على الانغلاق داخلا مع التأكيد على احترام الوضع الراهن وحماية حدودها في آسيا الصغرى. والسبب الأساسي لهذه السياسة كان يكمن في مخاوف الأتراك من أن تحاول الدول العظمى العمل مجدداً على تقسيم الإقليم التركي.
 
وشكلت هذه السياسة الخارجية التقليدية لتركيا في معظم سنوات الجمهورية الترجمة الفعلية لمقولة كمال مصطفى (أتاتورك) المشهورة "السلام في الداخل والسلام في الخارج"، وتجنب التدخل في الأوضاع الداخلية للدول المجاورة. والخروج الوحيد عن سياسة حفظ الوضع الراهن خلال فترة الحرب الباردة كان تدخل تركيا العسكري في قبرص في عام 1974. 

هل يمكن فهم السياسة الخارجية الجديدة لتركيا، اي سياسة "العمق الاستراتيجي" على أساس أنها تشكل قطيعة مع السياسة الخارجية التي كانت سائدة في عهد كمال أتاتورك ومرحلة الحرب الباردة؟

تركيا التي تقدم نفسها كقوة إقليمية قائدة في العالمين العربي والإسلامي، لا يمكن أن تحسن مكانتها هذه من دون أن تكون نصيرة للقضية الفلسطينية في عيون العرب والمسلمين، وهي تستثمر بجدارة المأزق الأمريكي في كل من العراق وأفغانستان، وظهور تعدّدية قطبية جديدة تتّسم بصعود قوى إقليمية قادرة على ممارسة تأثيرها على الساحة العالمية، وحدوث فراغ في القوى الإقليمية العربية (مثل مصر والعراق وسورية ) التي تراجع نفوذها كثيرا بعد حرب الخليج الثانية، لكي تحقق اختراقاً كبيرا في سياستها الخارجية الجديدة التي تقوم على الاحتفاظ بعلاقاتها مع الغرب، وبالعودة إلى إرثها الإسلامي، وتقوية علاقاتها الاقتصادية والسياسية والثقافية مع جيرانها من الدول العربية والإسلامية التي كانت تقع ضمن سيطرة الامبراطورية العثمانية سابقاً.

بصرف النظر عن قوة الإقناع التي يملكها أحمد داود أوغلو، فإن السياسة الخارجية التركية، التي تعكس الإسلام السياسي المعتدل والتحديثي لحزب العدالة والتنمية الذي يحكم تركيا منذ عام2002، وتسعى إلى استعمال قوة التجارة الناعمة إلى جانب الروابط التاريخية لنشر الاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، تشكّل منعطفاً تاريخياً مهماً، ولاسيما أن التجديد الديبلوماسي التركي يسعى إلى التصالح مع عمقه الاستراتيجي وتوسيع نفوذه الإقليمي نحو إيران وروسيا والدول العربية، بينما كانت تركيا تعتبر نفسها حصناً شرقياً لحلف شمال الأطلسي (الناتو) في حين كان جيرانها مثل سوريا والعراق وإيران يُعتبَرون بأنهم يشكّلون تهديداً يجب احتواؤه.

ولم يكن هذا التحول في السياسة الخارجية ليحصل من دون حدوث التغييرات الدراماتيكية في تركيا، ولا سيما بعد نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفييتي، حيث اتجهت روسيا نحو تبني الديمقراطية الغربية، وتغير الاستراتيجية الأمريكية في عهد إدارة جورج بوش الابن السابقة، حين حاولت فرض النظام الإقليمي الشرق أوسطي الجديد، وهما كانا في أساس التوجهات الاستراتيجية الجديدة لحكومة حزب العدالة والتنمية التي قامت بإعداد قوانين تراعي احترام حقوق الإنسان وحقوق المرأة، وإبعاد العسكر عن السياسة، واضطرارهم إلى تغيير حقل اهتمامهم في السياسة الخارجية التي باتت من اختصاص النخب المدنية حصرياً. 

 

إقرأ أيضا: تركيا.. دولة محورية في الاستراتيجية الدولية والإقليمية (1من2)


التعليقات (0)