هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
تكاد تفيض القدس بالمعالم الأثرية والتراثية والدينية، وتتناثر في طرقاتها وأزقتها ومساجدها الكثير من المدارس والأبواب والمكتبات والأسبلة والتكايا.
ولأن هذه المعالم تشكل هوية تاريخية ورمزا ثقافيا إسلاميا وعربيا فإن المؤسسة الإسرائيلية تعمل على طمس كل المعالم التي تدل على هوية مدينة القدس الإسلامية والعربية.
وتضم القدس العديد من المقابر الإسلامية التي تحتضن رفات كثير من الصحابة والمجاهدين والعلماء وحتى رجال الحكم الذين تناوبوا على حكم فلسطين على مدى مئات السنين.
وتضم القدس خمس مقابر إسلامية هي: "مقبرة مأمن الله" و"مقبرة المجاهدين" و"مقبرة باب الرحمة" و"المقبرة اليوسفية" و"مقبرة النبي داود".. ويقتصر دفن سكان المدينة حاليا على مقابر "باب الرحمة" و"المجاهدين" و"اليوسفية"، وذلك بعد مصادرة أراضي مقبرتي "مأمن الله" و"النبي داود" والاستيلاء عليهما بشكل كامل.
جرافات الاحتلال تعتدي على "المقبرة اليوسفية" التي تضم رفاة جنود أردنيين وفلسطينيين
وتعتبر "مقبرة مأمن الله" كبرى مقابر القدس، وتقع على بعد كيلومترين من باب الخليل إلى الغرب من البلدة القديمة، وتبلغ مساحتها نحو 200 دونم، وكانت منذ الفتح الإسلامي وحتى عام 1948 المقبرة الرئيسية لدفن موتى المسلمين، لكن محاولات تهويدها بدأت مبكرا وأُزيل حتى الآن 97% من شواهد قبورها.
وحول الاحتلال 70% من مساحة "مقبرة مأمن الله" إلى حديقة أُطلق عليها اسم "حديقة الاستقلال"، ونبشت القبور وأقيم على جزء من المقبرة فندق ضخم وموقف للسيارات وما يسمى "متحف التسامح"، إضافة إلى مدرسة وحمامات عامة.
ويقام على أنقاض المقبرة أيضا مهرجان سنوي للخمور تحييه فرق موسيقية عالمية، وذلك قرب الشواهد القليلة المتبقية لقبور المسلمين الصامدة حتى اليوم لكل من عائلة النشاشيبي ونسيبة والعلمي.
وتسعى حكومة الاحتلال، برئاسة نفتالي بينيت، من خلال وضع يدها على المقبرة، التي تعد من أشهر وأكبر المقابر الإسلامية في فلسطين، إلى السيطرة على خاصرة القدس القديمة وبوابتها الوازنة لضمان تنفيذ مشروع تهويد القدس المحتلة، بما يسمح للاحتلال بالسيطرة الكاملة على المدينة.
أما مقبرة "النبي داود" التي تقع على جبل صهيون، فتضم مجموعة من المدافن لعائلة الدجاني، لكنها لم تعد تستخدم بعد منع سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن موتاهم فيها.
ولم تسلم "مقبرة باب الرحمة" الواقعة عند سور المسجد الأقصى الشرقي من الاعتداءات أيضا، إذ منعت سلطات الاحتلال المقدسيين من دفن موتاهم في الجزء الجنوبي الشرقي منها المحاذي للمصلى المرواني، بحجة قرب المكان من حجارة الهيكل المزعوم، ودفنت آخر الجثامين في تلك المنطقة عام 2006.
مقبرة "باب الرحمة الإسلامية" في القدس
وتحتوي "مقبرة باب الرحمة" على العديد من قبور الصحابة وعلى قبور لمجاهدين اشتركوا في فتح القدس أثناء الفتحين العمري والأيوبي، وتنوي الحكومة الإسرائيلية تحويل جزء من المقبرة لحديقة توراتية ضمن مشروعها لتهويد المدينة.
وتعد المقبرة أقدم المقابر الإسلامية في القدس، إذ دفن فيها الرعيل الأول من المسلمين الذين استقروا في القدس، والدليل على ذلك أنها ضمت قبور الصحابة: عبادة بن الصامت، وهو أول قاض مسلم يعين على فلسطين، وشداد بن أوس، وكان فقيها عالما وولي حمص قبل أن يستقر في بيت المقدس ودفن فيها، والأصبع التميمي.. وتبعهم في ذلك عدد كبير من التابعين والشخصيات الإسلامية، ويوجد العديد من القبور التي يعود تاريخها إلى جميع الفترات الإسلامية، ومنها مقابر شيوخ وعلماء.. كذلك تضم مقابر شهداء الـ1948 والـ1967، وانتفاضة الـ1987، وانتفاضة الـ2000، ومذبحة الأقصى عام 1990، وانتفاضة النفق عام 1996.
وعلى بعد أمتار من باب الساهرة توجد "مقبرة المجاهدين"، وهي مقبرة تاريخية تقع عند سور المدينة من الشمال ودفُن فيها شهداء الفتح الصلاحي.
وعلى يمين الداخل إلى المسجد الأقصى من باب الأسباط، تقع "مقبرة اليوسفية" التي عمرها الأمير قانصوه اليحياوي عام 1467، والتي تستأثر حاليا باهتمام وسائل الإعلام بعد أن أعادت سلطات الاحتلال الإسرائيلي قضية تهويد "مقبرة اليوسفية" إلى الواجهة، بعد موافقة محكمة الاحتلال على استئناف أعمال التجريف في أرض المقبرة، وتحويلها إلى "حديقة توراتية".
وتعتبر المقبرة إحدى أشهر المقابر الإسلامية في المدينة المقدسة، وتقع على ربوة مرتفعة تمتد من الزاوية الشمالية لباب الأسباط، ومنها إلى ناحية الشرق.
وتحوي قبورا للعائلات الفلسطينية التي تعيش بمدينة القدس، ويقع شمال المقبرة صرح الشهداء لجنود أردنيين استشهدوا عام 1967، لذلك سميت "مقبرة الشهداء".
وفي عام 2014، منع الاحتلال الدفن في جزئها الشمالي وأقدم على إزالة 20 قبرا تعود إلى جنود أردنيين استشهدوا عام 1967.
وعلى مدار سنوات، تعرضت ولا تزال إلى هجمة إسرائيلية ممنهجة، وعمليات حفر وتجريف، وصلت إلى مداميك أثرية قريبة من عتبة باب الأسباط.
وشملت اعتداءات الاحتلال عليها، هدم سور المقبرة الملاصق لباب الأسباط وإزالة درجها الأثري، وإغلاق الدرج المؤدي إليها، وحفر الشارع الواصل من الباب نحو "سوق الجمعة" على محاذاة السور الشمالي وصولا إلى برج اللقلق من الخارج، بحجة أعمال الحفر والصيانة.
جنود الاحتلال ينتهكون حرمة المقابر
وكان مشهد والدة علاء النبابتة التي تتشبث بقبر ابنها المهدد بالتجريف في "مقبرة اليوسفية" قد فتح العيون على جرائم الاحتلال في المقابر الإسلامية.
فقد تداول الفلسطينيون على نحو واسع مشاهد الأم وهي تحتضن قبر ابنها الذي أحاطت به عمليات التجريف، بينما حاول عناصر من شرطة الاحتلال الإسرائيلي سحبها بالقوة، وهي تصيح "مش رح أقوم"، وتنادي باسم ابنها المتوفى قبل 4 سنوات.
تقول أم علاء: "كل يوم آتي إلى هنا للاطمئنان على قبر ابني علاء بسبب عمليات التجريف والنبش التي يمارسها الاحتلال في المقبرة، ولن أسمح لهم بجرفه ولو على جثتي".
واقتحمت قوات كبيرة من جنود الاحتلال "مقبرة الشهداء" التي تمثّل الامتداد الشمالي لـ"المقبرة اليوسفية"، وشرعت بنصب قضبان حديدية حولها، بعد أحداث تجريف ونبش واسعة شهدتها المقبرة مؤخرا، أدت إلى انكشاف قبور عدد من الشهداء والموتى المدفونين فيها، ما أثار غضبا مقدسيا واسعا.
ويخطط الاحتلال الإسرائيلي لإقامة حدائق توراتية ومدرجات في أرض المقبرة، تطل على سفوح جبل الزيتون شرقي القدس. ولأجل ذلك، نفذ خلال السنوات الماضية أعمالا أدت إلى تغيير معالم المكان، الذي يعد أحد المقابر التاريخية في المدينة.
ومنذ احتلال مدينة القدس، تتعرض جميع المقابر فيها لاعتداءات الاحتلال ومستوطنيه بهدف طمس هوية المكان والقضاء على التاريخ والهوية الإسلامية التي تنبض بهما أراضي المدينة وقبورها.
مضايقة الاحتلال وجرائمه لا تقتصر على الأحياء بمنع البناء ومصادرة الأراضي، بل تصل إلى الأموات أيضا، حيث لا تتسع المقابر المتبقية حاليا لوفيات 370 ألف مقدسي، ووصل الحال بالمقدسيين إلى دفن الجثامين فوق بعضها إذا مرت ثماني سنوات على الدفن السابق.
ورغم المساعي لتخصيص أراض وقفية في محيط الأقصى لمقابر جديدة للمسلمين، إلا أن المقابر اليهودية تحتل مساحات شاسعة على سفوح جبل الزيتون وهي أراض وقفية، وتم حديثا بناء آلاف القبور الجديدة عليها لاستقبال موتى اليهود الجدد.
وتشكل الهجمة الجديدة على مقابر القدس حلقة في سلسلة حلقات الاستهداف المتعمد للمقابر الإسلامية في القدس، وهو مشروع صهيوني يستهدف طمس الهوية الفلسطينية واقتلاع كل ما هو عربي.
وتخوض سلطات الاحتلال حربا مكشوفة ضد كل مكونات مدينة القدس وبدعم من جميع أركان المؤسسة الإسرائيلية، وعلى وجه الخصوص الجهاز القضائي الذي أصبح أداة بيد سلطات الاحتلال لاستهداف المقدسيين أحياء وأمواتا.
المراجع
ـ ناديا سعد الدين، مقبرة "مأمن الله".. بوابة الاحتلال لتهويد خاصرة القدس القديمة، صحيفة الغد الأردنية، 28/10/2021.
ـ وكالة الأنباء الأردنية (بترا)، الهيئة الإسلامية المسيحية تحذر من اعتداءات الاحتلال على المقابر الإسلامية بالقدس، 26/10/2021.
ـ صحيفة الغد، مرجع سابق، مقبرة اليوسفية الإسلامية بالقدس المحتلة تعود لدائرة التهويد، 24/7/2021.
ـ أسيل جندي، الجزيرة نت، مقابر القدس تضيق بسكانها، 17/8/2016.
ـ الجزيرة نت، مصدر سابق، "علاء يمّه".. شاهد- أم مقدسية تتشبث بقبر ابنها خشية أن ينبشه الاحتلال، 25/10/2021.