يصر عبد الفتاح
السيسي على أن يجعل من نفسه أضحوكة للمصريين في كل عام مرة أو مرتين.
خرج الجنرال علينا في أول
تصريحات متلفزة بعد كارثة الملء الثاني لخزان
سد النهضة لينصح
المصريين نصيحة فريدة من نوعها، كعادته دوما، فلم يطالب السيسي المصريين بترشيد استخدام المياه على سبيل المثال، ولم يحاول إقناعهم مثلا بإيجابيات مشروعاته الخاصة بتحلية مياه البحار، ولم يعطهم دروسا في فوائد الشرب من مياه الصرف الصحي بعد تنقيتها، وإنما قالها لهم مباشرة: "بلاش هري".
الهري في اللغة العامية المصرية كلمة ظهرت حديثا ويتم استخدامها لوصف الأفكار عديمة الفائدة والمطالبة بالتوقف عن الحديث الفارغ من المضمون، والذي يدخل في إطار الهري المنهي عنه في المقاهي المصرية وعبر صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.
لو أن براءة اختراع ستمنح للشخص الذي اخترع "الهري" في العقد الأخير، فسيفوز بها عبد الفتاح السيسي دون منازع. فبعيدا عن كارثة سد النهضة وفشله المتواصل في حل الأزمة وتحمله الكامل للمسؤولية السياسية والتفاوضية أيضا
لو أن براءة اختراع ستمنح للشخص الذي اخترع "الهري" في العقد الأخير، فسيفوز بها عبد الفتاح السيسي دون منازع. فبعيدا عن كارثة
سد النهضة وفشله المتواصل في حل الأزمة وتحمله الكامل للمسؤولية السياسية والتفاوضية أيضا، بعيدا عن كل ذلك لم يأت على حكم مصر شخص "كلما تحدث هرى" مثل السيسي.
منذ اللحظة الأولى للانقلاب العسكري ومنذ خطاباته التي أعقبت فض رابعة، كان السيسي على موعد مع كثير من الهري. فالرئيس الراحل محمد مرسي "خد السلم معاه فوق"، ولم ندرِ حتى الآن ما هو معنى تلك العبارة.
"الحكاية كانت كده واحنا كنا كده، وطالما ماشيين كده فالدنيا هتبقى كده".. تلك العبارة المبدعة يمكن أن تلخص لي ولك وللجميع ما هو مفهوم "بلاش هري". جملة لا تعلم أولها من آخرها، ويحتار فيها أساتذة اللغة العربية بل ومخترعو العامية المصرية في طريقة تكوينها وتركيبتها الغريبة، ولكن لا عجب فهذا هو هري السيسي.
"مصر كشفت ظهرها وعرت كتفها".. عبارة أخرى ووصف آخر يندرج تحت بند الهري المباح لدى الجنرال العسكري. في الظروف الطبيعية يمكن لأي
عدو لثورة يناير أن يصف آثارها السلبية من وجهة نظره على الأوضاع الداخلية في مصر، باستخدام جمل وعبارات وأوصاف أخرى، ولكن مع طبيب الفلاسفة الذي يتفاوض وحده ويعلم ولا نعلم ويدري ولا ندري؛ فـ"كشف الظهر وتعرية الكتف" هي المصطلحات اللغوية التي يعرفها عقله وتتجول داخل أروقة رأسه كلما ذكرت ثورة يناير.
لا أذكر أن أحدا في الشعب المصري امتلك تلك المهارة الفريدة في صناعة هذا الكم من الجمل غير المنطقية والعبارات غير المفهومة على الإطلاق، ولكن الجنرال يطالبنا نحن الآن بالتوقف عما أسماه الهري.
اقتصاديا، للسيسي نظرياته الخاصة التي تحتوي على كثير من الهري.. "أنا لو ينفع أتباع هتباع"، و"صبّح على مصر بجنيه"، و"هتدفع يعني هتدفع"، وآخرها "هتاكلوا مصر يعني".
لا أذكر أن أحدا في الشعب المصري امتلك تلك المهارة الفريدة في صناعة هذا الكم من الجمل غير المنطقية والعبارات غير المفهومة على الإطلاق، ولكن الجنرال يطالبنا نحن الآن بالتوقف عما أسماه الهري.
الشعب المصري لا يهري، ولا يتحدث دون منطق، فهو شعب مثقف واع، يعلم الصالح من الطالح، يميز الخبيث من الطيب، ولذلك لا يريده السيسي أن يفكر أو يشغل باله بكارثة سد النهضة ونقص مياه النيل. لو فكر الشعب المصري في ما يحدث لأطاح بالسيسي خلال ساعات قليلة، والجنرال يعلم ذلك علم اليقين، فهو المسؤول المباشر، وهو من قال بالأمس إنه المسؤول ومن ورائه الجيش، ويجب على من يريد غير ذلك أن يتخلص منهما معا.
الشعب المصري لا يهري، ولا يتحدث دون منطق، فهو شعب مثقف واع، يعلم الصالح من الطالح، يميز الخبيث من الطيب، ولذلك لا يريده السيسي أن يفكر أو يشغل باله بكارثة سد النهضة ونقص مياه النيل. لو فكر الشعب المصري في ما يحدث لأطاح بالسيسي خلال ساعات قليلة
إلهاء الشعب المصري تارة بـ"تريند" الفنانة حلا شيحة، وتارة بأخبار حفلة روبي، ثم احتفالية كارثية داخل استاد القاهرة وكورونا تحصد مئات الأرواح، كلها من أولويات استراتيجية السيسي لتخدير المواطن وإبعاده عن الانشغال بالقضايا الكبرى، مثل فشل النظام في كارثة سد النهضة.
"بلاش هري" وعيشوا حياتكم بشكل طبيعي، قالها السيسي ومن قبلها بثلاثة أعوام قال للمصريين كونوا مطمئنين، ومن قبلها وعد بعدم المساس بحق المصريين في مياه النيل. كلها وعود كاذبة تخللتها تصريحات فارغة وإنجازات كاذبة وإعلام مضلل يروج لكذبات السيسي، حتى بات المصريون أمام كارثة حقيقية لا مفر منها ولا خروج إلا برحيل رأس الهري في مصر وعودة السلطة إلى مصدرها: سيادة الشعب المصري.
twitter.com/osgaweesh