هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
نشرت صحيفة "الغارديان" مقالا للباحثة والناشطة
الفلسطينية غادة كرمي تحدثت فيه عن محاولات إسكات الصوت الفلسطيني طوال تاريخ النزاع
في الشرق الأوسط.
وتؤكد كرمي أن العنصرية المعادية للفلسطينيين تفسر التقاعس
الغربي في وجه انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون يوميا في ظل الحكم
الإسرائيلي.
وفي ما يلي نص المقال الذي ترجمته "عربي21":
إسكات القصة الفلسطينية ليس بالشيء الجديد؛ ففي فترة الخمسينات
ببريطانيا وبعد سنوات قليلة من إنشاء دولة إسرائيل، تم التوقف عن استخدام فلسطين كلية.
وعندما كان الأطفال يسألون عن بلدي الأصلي كانوا يعتقدون أنني من باكستان، وليس فلسطين.
وأتذكر كم كان مثيرا للإحباط من قلة من يريدون الاستماع لحكايتنا، وكأننا اخترعناها.
وقيل لي دائما "هذه أرض اليهود"، والعرب وضعوا أيديهم عليها.
إن الانتصار المدهش لإسرائيل عام 1967 فاقم هذا وأصبحت الرواية
الإسرائيلية عن حق إسرائيل الأخلاقي بالوجود في أرض أجداد الشعب اليهودي، الرواية السائدة.
إن تذكير الفلسطينيين بأنهم بشر من الدرجة الثانية وبدون حق في "أرض الآخرين"
كان محطما للمعنويات ومثيرا للغضب.
قضيت وقتا طويلا حتى فهمت أن هذه التشويهات للتاريخ هي تعبير
عن عنصرية معادية للفلسطينيين. والفرضية الأساسية الكامنة فيها هي أنه عندما يتعلق
الأمر بفلسطين فحقوق الفلسطينيين تظل متدنية مقارنة بحقوق الشعب اليهودي. وسبقت هذه
الآراء العنصرية إنشاء إسرائيل، وقامت على إنكار وجود الفلسطينيين في البلد. وفي اللحظة
التي اختارت فيها الصهيونية فلسطين لتكون مكان الدولة اليهودية بنهاية القرن التاسع
عشر بدأت الجهود المنظمة لإعادة تاريخ سكانها العرب.
وقبل عشرين عاما من هذا، كان البريطانيون يروجون لأسطورة
فلسطين الفارغة. وفي 1875 رأى لورد شافستري الصهيوني المسيحي المعروف والملتزم أن سوريا
الكبرى والتي كانت فلسطين جزءا منها هي "بلد بدون شعب". وهيأ هذا الوصف المشهد
للرواية الصهيونية عن فلسطين كـ"أرض بدون شعب لشعب بدون أرض"، وأن فلسطين
هي وطن جاهز لكي يستعيده اليهود في المنفى. وأظهرت الخرائط الصهيونية التي نشرت في
ذلك الوقت نفس الأمر مما أدى لاكتساب فكرة الأرض الفارغة زخما وصارت عملة مستخدمة.
وكان الهدف في ذلك الحين كما هو الآن هو تغييب الفلسطينيين الأصليين عن المشهد وحرمانهم
من حقوقهم في الأرض.
إن هذه الرواية الخبيثة لم تكن مسألة متعلقة بالديمغرافيا
لأن أي زائر لفلسطين كان يستطيع دحضها، ولكنها مسألة سياسية.
وفي الوقت الذي غزت فيه بريطانيا فلسطين لم ينظر لسكانها
على أنهم غائبون ولكن لا قيمة لهم. وقام وعد بلفور في 1917 الذي اعترف بمزاعم الصهيونية
لإنشاء "وطن قومي يهودي" على هذه الفرضية. وقال أرثر بلفور في 1919: "
في فلسطين فنحن لا نقترح حتى مشاورة أماني السكان الحاليين للبلد" لأن الصهيونية
لديها مزاعم "ذات أهمية أعمق من رغبات وتحيزات 700.000 عربي من سكان تلك الأرض
القديمة".
وتعلق كرمي أن الاحتقار الاستعماري للسكان الأصليين كان معروفا
في ذلك الوقت. ولكنه بدأ بالتراجع مع حصول المستعمرات القديمة على استقلالها إلا في
حالة فلسطين. فقد أصبح تجاهل الصوت الفلسطيني وحضوره كما فعل بلفور القاعدة وأمرا عاديا.
و"أعرف الحقيقة هذه بشكل مباشر من كفاحي الطويل لإثبات مشروعية تاريخي ومواجهة
العنصرية الهادفة لنزع الشرعية عن معاناة الفلسطينيين وكونهم ضحية. وكانت هذه الموضوعات
المادة التي احتوت عليها مذكراتي الأخيرة التي كتبتها للجمهور الغربي".
الأمور بدأت بالتحسن في الثمانينات والتسعينات من القرن الماضي
عندما أصبح للفلسطينيين حضور في الإعلام وبدأت كتاباتهم تظهر في دور النشر. وبات المشهد
اليوم مختلفا بدرجة كاملة، فقد أعاد إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية في 1964 والانتفاضتان
في 1987 و2000 فلسطين إلى المسرح الدولي. ومنحت اتفاقيات أوسلو في 1993 رغم ما فيها
من عيوب الفلسطينيين وزنا دبلوماسيا. ونشأت حركات التضامن في الكثير من الدول الغربية
وركزت حركة "المقاطعة وسحب الاستثمارات والمعاقبة" (بي دي أس) القوية على
سوء معاملة إسرائيل للفلسطينيين.
ومع كل هذا فلم تختف العنصرية. ويجب أن ينظر للجلبة الأخيرة
بشأن معاداة السامية في حزب العمال ورحيل زعيمها الذي تعرض للإهانة جيرمي كوربن من
خلال هذا الضوء. وكان تدميره السياسي، حسب رأيي عبر حملة لا تخدم إلا الذات وتهدف للإطاحة
به سببا في إجبارنا مرة أخرى على الإيمان بالمعاناة الهرمية الضارة. وغطت على العنصرية
ضد الفلسطينيين والمستمرة منذ أكثر من نصف قرن. وبدونها لم تكن إسرائيل أبدا قد أنشئت
أو ازدهرت. وهو ما جعل من دعم الغرب الذي لا يشوبه الخجل لما أصبحت دولة تمييز عنصري
ممكنا، وبدون احترام للقانون الدولي ويحميها من العقاب جراء جرائمها.
وأكثر من هذا فالعنصرية المعادية للفلسطينيين تفسر التقاعس
الغربي في وجه انتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون يوميا في ظل الحكم
الإسرائيلي: كحصار غزة القاتل والتي تعرضت للقصف مرة أخرى وأمام أعين العالم والسرقة
الصارخة منذ 1967 لـ 60% من أراضي الضفة الغربية من أجل 600.000 مستوطن فيها. والهجمات
التي لا تتوقف للجيش وسجن الفلسطينيين وأطفالهم في المناطق المحتلة. ولا نغفل أن عنصرية
إسرائيل ضد سكانها العرب موثقة جدا، وهي تخترق كل مستويات المجتمع الإسرائيلي من الإسكان
للحياة الاجتماعية والتعليم وحقوق الهجرة والنظام القانوني وأكثر. وكان استشراء المشاعر
المعادية للعرب وحتى اليهود الشرقيين (مزراحي) في عام 2014 سببا في اعتراف الرئيس الإسرائيلي
رؤفين ريفلين بأن "المجتمع الإسرائيلي مريض ومن واجبنا معالجة المرض".
أما في بريطانيا فالمساحة التي فتحت أمام الرواية الفلسطينية
بدأت بالتقلص، فهناك في الطريق محاولات جديدة تهدف لإسكات الصوت الفلسطيني، مثل استخدام
تعريف معاداة السامية الذي أعده "التحالف الدولي لذكرى الهولوكوست" واعترفت
به الحكومة البريطانية و28 دولة أخرى وربما دمجته الولايات المتحدة في القانون الفدرالي.
كما أن فرضه بالإكراه على الجامعات البريطانية ترك أثره المخيف على حرية التعبير المتعلق
بالقضية الفلسطينية، مع أن دراسة مسحية أجريت في أيلول/ سبتمبر وجدت أن 29 جامعة من
133 تبنت التعريف. وترى أن حل الدولتين الذي تحب الدول الغربية الحديث عنه ما هو إلا
تعبير لطيف عن العنصرية المستمرة، فمقترح الدولة الفلسطينية على أراضي ما بعد 1967
يعني منح الفلسطينيين 22% من أرضهم الأصلية ومنح 78% منها لإسرائيل.
وبعيدا عن كون هذا المقترح قابلا للتطبيق اليوم أم لا في ظل 200 مستوطنة في الضفة الغربية والقدس الشرقية والتي تكسر الاستمرارية للدولة، تظل الصيغة غير عادلة. ولن يقبل بتخفيض حقوق الفلسطينيين إلا العالم المؤمن برؤية بلفور عن "الأصليين" غير المهمين. وقبول الفلسطينيين بهذا ليس قائما على العدل ولكن البراغماتية وكل ما سيحصلون عليه دولة صغيرة. ولن تحل المشكلة. ويجب أن يقوم الحل الدائم على العدل ولا يأتي إلا عبر التفاوض بين طرفين متساويين، ولن يحدث هذا إلا عندما يتم فضح ومعالجة العنصرية التي أفسدت حياة الفلسطينيين وحمت إسرائيل وأنصارها من القصاص.