استشهد الطبيب الفلسطيني الشهير، وجراح العظام في قطاع
غزة،
عدنان البرش، في سجون
الاحتلال خلال الحرب على قطاع غزة، بعد أن تعرض للتعذيب على يد قوات الاحتلال، وترك وراءه قصصا كبيرة من عمله في القطاع رغم الحرب والحصار، كما نشر موقع شبكة "
سكاي نيوز".
وقال الموقع في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21؛ إن الدكتور عدنان البرش أمضى معظم حياته المهنية جراح عظام شهير في علاج الأطراف المكسورة في مستشفى الشفاء بغزة، وكان واحدا من أفضل الأطباء المدربين في القطاع.
عمل على مدار الساعة
عندما اندلعت الحرب في تشرين الأول/ أكتوبر 2023، كان يعمل على مدار الساعة؛ وتُظهره الصور الموجودة على هاتفه المحمول، وهو يحفر بمجرفة هو وزملاؤه قبورا جماعية، بينما كانت أصوات الانفجارات تدوي خلف جدران المستشفى.
بعد فترة وجيزة من اندلاع الصراع، أدرك الجراح وزوجته ياسمين أن عالمهما قد تغير إلى الأبد. وتتذكر ياسمين أنها قالت له مع بداية الحرب؛ إنه سيكون هناك الكثير من العمليات الجراحية وسيحتاجون إلى مساعدته، فذهب إلى المستشفى لاستقبال الجرحى، وبقي هناك لمدة 24 ساعة دون راحة، وكان يقضي أيامه في غرفة العمليات، وينام ليلا في غرفة الأطباء.
كما كان يحتفظ بمذكرات من نوع خاص على هاتفه المحمول، يوثق فيها المشاهد المأساوية التي كانت تتكشف من حوله، وقال وهو يصور أحد المشاهد في غرفة العمليات المزدحمة: "رغم الألم، نحن صامدون".
وأشار الموقع إلى أن إسرائيل ادعت وجود أنفاق تحت مستشفى الشفاء، وبينما كانت القوات الإسرائيلية تتقدم نحو المبنى، وثق الدكتور البرش الأجواء داخله؛ حيث يُظهر مقطع فيديو آخر على هاتفه المحمول، أحد زملائه في غرفة الموظفين وهو يتذكر محادثة مؤلمة مع زوجته.
وبحلول منتصف تشرين الثاني/ نوفمبر، كان مستشفى الشفاء تحت حصار القوات الإسرائيلية، وبعد أسبوع، صدرت الأوامر بإخلاء المرضى والموظفين ونحو 50,000 نازح من السكان الذين كانوا يحتمون حوله.
وقد صوّر الدكتور البرش مشهد الصفوف الطويلة من الناس وهم يسيرون باتجاه جنوب غزة، لكن الجراح المخضرم لم يتبعهم، بل اتجه إلى الشمال الشرقي، وتحديدا إلى المستشفى الإندونيسي في شمال غزة، وما وجده هناك عند وصوله أصابه بالصدمة؛ حيث قال في مقطع فيديو؛ إنه وجد بعض الجرحى ينتظرون إجراء عمليات جراحية منذ أكثر من عشرة أيام، وكانت جروحهم ملتهبة بشدة.
إظهار أخبار متعلقة
وفي 20 تشرين الثاني/ نوفمبر 2023، حاصرت الدبابات الإسرائيلية المستشفى الإندونيسي، وتم إطلاق القذائف على الطابق الثاني واستشهد 12 شخصا على الأقل.
نجا الدكتور البرش وأصيب بخدوش طفيفة، لكن المدخل الأمامي للمبنى تم تدميره بالكامل، وقال في مقطع فيديو آخر: "الدمار في كل مكان".
تهديد واعتقال
بحلول أوائل كانون الأول/ ديسمبر 2023، انتقل الدكتور البرش إلى مستشفى صغير في الشمال يسمى مستشفى العودة، وتُظهره الصور المنشورة على صفحة المستشفى على مواقع التواصل الاجتماعي وهو يفحص المرضى والإرهاق ظاهر على وجهه.
وقد حاصر الجيش الإسرائيلي المستشفى في 5 كانون الأول/ ديسمبر، وكان الموظفون قلقين مما قد يفعله الجنود. وفي نهاية المطاف، أخبرهم مدير المستشفى أن عليهم مغادرة المبنى.
وقال الدكتور محمد عبيد، صديق الدكتور البرش وزميله؛ إن المدير أخبرهم أن الجيش الإسرائيلي لديه بيانات كاملة عن جميع الذكور الذين تتراوح أعمارهم بين 14 و65 سنة في مستشفى العودة، وأنهم أخبروه أنه إذا لم يخرج جميع الرجال، فسوف يدمرون مستشفى العودة بكل من فيه من نساء وأطفال. وقد خرج الرجال من المستشفى، وتم اعتقال خمسة أشخاص منهم الدكتور البرش.
وأقر الجيش الإسرائيلي في بيان مقتضب لـ"سكاي نيوز"، بأن جنوده احتجزوا الدكتور البرش، وجاء في البيان أن الجراح الفلسطيني نُقل في 19 كانون الأول/ ديسمبر 2023 إلى قاعدة "سدي تيمان"، التي أصبحت تُستخدم لاحتجاز المعتقلين منذ بداية الحرب.
ويعتقد الدكتور خالد حمودة، وهو سجين سابق في المعسكر، أن العديد من السجناء في "سدي تيمان" هم من الأطباء المتخصصين؛ مشيرا إلى أن المعسكر الذي احتجز فيه، كان يضم حوالي 100 سجين، ربعهم على الأقل يعملون في مجال الرعاية الصحية.
ويقول الدكتور حمودة؛ إن الحراس في القاعدة أجبروه على مساعدتهم، ويتذكر أنه طُلب منه إحضار الدكتور البرش عند البوابة، وعندما أحضره قال زميله؛ إنه تعرض للضرب المبرح، وشعر بألم في جميع أنحاء جسده.
إظهار أخبار متعلقة
وأضاف الدكتور حمودة أن الدكتور البرش كان على الأرجح مصابا بكسور في الأضلاع، ولم يكن قادرا حتى على الذهاب إلى الحمام بمفرده.
وقال الجيش الإسرائيلي لـ"سكاي نيوز"؛ إنه بعد أن الانتهاء من إجراءات نقل الدكتور البرش، غادر سجن "سدي تيمان" في 20 كانون الأول/ ديسمبر، وأصبح "تحت مسؤولية" مصلحة السجون الإسرائيلية.
وفاة في ظروف غامضة
وفي نيسان/ أبريل، نُقل الجراح إلى سجن عوفر بالقرب من القدس، وتوفي بعد وصوله بوقت قصير، وتم الإعلان عن نبأ وفاة الجراح في بيان صادر عن جمعيتين لدعم الأسرى الفلسطينيين في بداية شهر أيار/ مايو، ولم يقدم الإسرائيليون أي تفسير أو سبب للوفاة.
وحسب إفادة أحد الأسرى، قال؛ إنه كان يعرف الدكتور البرش في غزة، لمحامين من منظمة "هموكيد" الإسرائيلية لحقوق الإنسان، فقد وصل الدكتور عدنان البرش إلى القسم 23 في سجن عوفر في منتصف نيسان/ أبريل 2024.
وأضاف أنه وصل في حالة يرثى لها، وكان من الواضح أنه تعرض للاعتداء، حيث يوجد إصابات في جسده، وكان عاريا من الجزء السفلي.
وأضاف الأسير السابق أن حراس السجن ألقوا بالدكتور في وسط الساحة وتركوه هناك، ولم يكن قادرا على الوقوف، فساعده أحد السجناء ورافقه إلى إحدى الغرف، وبعد بضع دقائق، سُمع صراخ السجناء من الغرفة، معلنين أن الدكتور عدنان البرش قد توفي.
إظهار أخبار متعلقة
وفي تصريح لـ"سكاي نيوز"، نفى متحدث باسم مصلحة السجون الإسرائيلية، أن تكون مسؤولة عن وفاة البرش، لكن الموقع أوضح نقلا عن زملاء البرش وزوجته ياسمين، أنه كان في حالة بدنية جيدة قبل اعتقاله، وتقول زوجته: "كان نور حياتي وقد فقدته".
وختم الموقع بأن الدكتور البرش كان مستعدا للمخاطرة بحياته لإنقاذ الآخرين، وتمثل قصته واحدة من عدد لا يحصى من القصص المروعة التي دفنت تحت الأنقاض في غزة.