هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
ثلاث عمليات اغتيال ضحاياها تفاوتت مواقعهم ومدى تأثيرهم ودوافع الاغتيال، العامل المشترك بينها هو العامل الصهيوني، الأول اغتيال إسحاق رابين رئيس الوزراء الإسرائيلي على يد المتطرف إيجال عامير، والثاني اغتيال وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط اللورد موين من قبل عصابات "شتيرن"، أما الثالث فهو اغتيال الحاخام المتطرف مائير كاهانا في نيويورك على يد المواطن الأمريكي من الأصول المصرية سيد نصير.
إسحاق رابين
إسحاق رابين سياسي إسرائيلي وجنرال عسكري سابق في الجيش الإسرائيلي ورئيس وزراء الاحتلال، ولد في مدينة القدس عام 1922 في عهد الانتداب البريطاني على فلسطين لأب أوكراني وأم من بيلاروسيا، انتقلت عائلته إلى تل أبيب، درس لاحقا في المدرسة الزراعية اليهودية "كادوري" في الجليل الفلسطيني.
في 1938 اشترك في دورة عسكرية نظمتها منظمة "الهاجاناه" الإرهابية التي انضم إليها عام 1941 وأصبح من كبار قادتها، وكان عضوا في "البالماخ" القوة العسكرية الأكبر في "الهاجاناه" مما أدى إلى اعتقاله من قبل السلطات البريطانية عام 1946 لفترة قصيرة ثم أفرجت عنه، وبعدها اختير رابين قائدا لعمليات "البالماخ" التي ارتكبت عدة مجازر بحق الفلسطينيين.
عندما اندلعت حرب 1948 عين قائدا لسرية "هارئيل" التي قاتلت في منطقة القدس، ويشير المؤرخ اليهودي إيلان بابي في كتابه "التطهير العرقي لفلسطين" إلى أن إسحاق رابين هو أحد مهندسي ومخططي ومنفذي عملية ترحيل الفلسطينيين التي نفذتها الحركة الصهيونية على أرض فلسطين.
وعند انتهاء الحرب اشترك في محادثات الهدنة التي دارت بين "الدولة العبرية" ومصر في جزيرة رودس اليونانية. عينه ليفي إشكول رئيس الوزراء الإسرائيلي في ذلك الحين رئيسا لأركان الجيش الإسرائيلي. وعندما وقعت حرب حزيران/ يونيو عام 1967 كان رابين لا يزال يتقلد منصب رئيس الأركان.
عقب تقاعد رابين من الحياة العسكرية، انخرط في السلك الدبلوماسي كسفير في الولايات المتحدة الأمريكية. وحصل فيما بعد على مقعد في "الكنيست" الإسرائيلي بعد أن انضم لحزب "العمل" الإسرائيلي، ومع حصوله على المقعد البرلماني عين في منصب وزير العمل في الحكومة التي ترأستها جولدا مائير.
في عام 1974 وقعت أزمة سياسية في أعقاب إعلان تقرير بشأن حرب تشرين الأول / أكتوبر 1973، الأمر الذي أجبر جولدا مائير على الاستقالة من منصب رئيس الوزراء. ومن نتائج تلك الأزمة انتخاب رابين رئيسا لحزب "العمل" وخلافته مائير في رئاسة الوزراء.
استقال رابين من منصب رئيس الوزراء إثر أزمة برلمانية مما استدعى تبكير موعد الانتخابات، وتفوق إسحاق رابين على منافسه شمعون بيريز في الانتخابات الداخلية لحزب "المعراخ" الذي تشكل من اتحاد حزب "العمل" مع أحزاب يسارية أخرى، ولكن الكشف عن حساب مصرفي سري لزوجة رابين ليئا في الولايات المتحدة في مخالفة للقانون الإسرائيلي دفع رابين إلى إعلان تحمله المسؤولية عن هذه المخالفة، مما أدى إلى إجراء انتخابات داخلية جديدة وترشيح شمعون بيريز لرئاسة الوزراء. خسر "المعراخ" الانتخابات عام 1977، لصالح حزب "الليكود" برئاسة مناحيم بيغن، الذي تقلد منصب رئيس الوزراء.
وفي ظل التعادل في نتائج انتخابات عام 1984 اضطر الحزبان المتنافسان الرئيسيان، "الليكود" و"العمل"، إلى التعاون في تشكيل "حكومة وحدة وطنية". وانضم رابين لهذه الحكومة التي ترأسها شمعون بيريز وإسحاق شامير بالتناوب، وتولى فيها وزارة الدفاع. في تلك الفترة اندلعت الانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة والضفة الغربية، واشتهر رابين وقتها بتعليماته لقواته بكسر عظام المتظاهرين الفلسطينيين.
في عام 1992، فاز رابين بمنصب رئيس الوزراء للمرة الثانية ولعب دورا أساسيا في اتفاقية " أوسلو" للسلام التي أنتجت السلطة الفلسطينية، وفي الفترة الثانية لرئاسة رابين للوزراء، توصلت تل أبيب لـ"اتفاقية سلام" مع الأردن مع تسارع كبير في بناء المستوطنات الإسرائيلية في كل من الضفة الغربية وقطاع غزّة.
ولدوره في "اتفاقية أوسلو" فقد منح رابين "جائزة نوبل للسلام" عام 1994 مع كل من ياسر عرفات (أبو عمار) وشمعون بيريز.
وفي 4 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1995، وخلال مهرجان خطابي مؤيد للسلام في ميدان "ملوك إسرائيل" الذي أصبح اسمه الآن ميدان رابين، في مدينة تل أبيب، أقدم اليهودي المتطرف إيجال عامير على إطلاق النار على رابين، وكانت الإصابة مميتة إذ مات على إثرها على سرير العمليات في المستشفى أثناء محاولة الأطباء إنقاذ حياته.
برر عامير قتله لرابين، بأنه حصل على فتوى من كبار الحاخامات اليهود بجواز قتله بـ"اعتباره خان الشعب اليهودي وأرض إسرائيل"، بعد توقيعه على "اتفاق أوسلو" مع رئيس منظمة التحرير الفلسطينية الراحل ياسر عرفات.
وعلى مر السنوات وبالرغم من الإدانة المعلنة لعامير، حاول بعض الأطراف في اليمين تنظيم عريضة تطالب بعفو رئاسي عنه، وراجت بعد عملية الاغتيال نظريات مختلفة عن وجود مؤامرة لقتل رابين من قبل أجهزة الأمن الإسرائيلية بالذات.
لا يزال اليمين الصهيوني يحاول إصدار عفو عن عامير إما بقرار عفو رئاسي عنه، أو سن "الكنيست" قانونا خاصا إذا لزم الأمر.
اللورد موين
ولد اللورد لويد موين عام 1880 وهو سياسي ورجل أعمال إنجليزي أيرلندي الأصل. كان وزير الدولة البريطاني في الشرق الأوسط عندما اغتالته جماعة "ليحي" الإرهابية الصهيوينة، وكان إسحق شامير الرئيس الأسبق لـ"الكنيست" الإسرائيلي ورئيس وزراء "إسرائيل" أحد القادة الثلاثة الذين أصدروا أمر الاغتيال.
كان اللورد موين وزيرا مقيما بالقاهرة في فترة من أخطر فترات الحرب العالمية الثانية، وأوكلت إليه الحكومة البريطانية التصرف المطلق دون الرجوع إليها، وعندما وجدت المنظمات الصهيونية أن اللورد موين شخص يتصف بالصدق والميل إلى الحق، ومن الصعب استخدامه لخدمة الأهداف الصهيونية فيما يتعلق بموضوع فلسطين الذي كان يرى أنها لا يمكن أن تمثل الحل لمشكلة اليهود المشردين، وأن عليهم أن يبحثوا لهم عن أرض جديدة أو القبول بتوطينهم في پروسيا الشرقية بعد هزيمة ألمانيا في الحرب العالمية الثانية، لأن ألمانيا هي المسؤولة عن تشردهم ولذلك فهي التي يجب أن تدفع ثمن تشردهم، ولذلك كلفوا عصابة "شتيرن" الإرهابية بتنفيذ قرار إعدام موين، وكلفت "شتيرن" الإرهابيين إلياهو حكيم وإلياهو بيت تسوري، اللذين كانا يعملان في الجيش البريطاني وفتاة كانت تعمل سكرتيرة في أحد المكاتب البريطانية بالأمر.
ونفذ الإرهابيان الجريمة بقتل اللورد موين، وسائقه البريطاني آرثر فولر أمام منزل اللورد في شارع في الزمالك في 6 تشرين الثاني/ نوفمبر عام 1944. وألقت أجهزة الأمن المصرية القبض على الإرهابيين وقدمتهما إلى المحكمة العسكرية في دار القضاء العالي وحكم عليهما بالإعدام شنقا في العام التالي.
وفي عام 1967، قدمت السينما العربية فيلم "جريمة في الحي الهادئ" الذي يروي قصة اغتيال اللورد موين، ويعرض نشاط المنظمات الصهيونية الإرهابية داخل مصر بين الثلاثينيات والأربعينيات بغرض إحراج مصر أمام بريطانيا. وعرض الفيلم قصة اغتيال اللورد موين بسبب مناصرته للفلسطينيين، وأيضا للثأر منه بسبب مقتل أحد الصهاينة على يد الانتداب البريطاني في فلسطين.
والفيلم من إخراج حسام الدين مصطفى، وبطولة رشدي أباظة ونادية لطفي، أما القاتلان فقد جسد شخصيتهما رشوان توفيق وزين العشماوي، وقد استطاع الكونستَبل الأمين عبد الله أن يقبض عليهما.
مائير كاهانا
ولد مائير كاهانا عام 1932 في نيويورك، اسمه الأصلي "مارتن ديفيد"، عرف أيضا بعدة أسماء مستعارة مثل: "مايكل الملك" و"ديفيد سيناء". هو حاخام إسرائيلي ومؤسس "حركة كاخ" الصهيونية المتطرفة وعضو سابق في البرلمان الإسرائيلي (الكنيست). اشتهر بالعداء الكبير للعرب.
كانت خطة كاهانا وآراؤه السياسية هي تهجير فلسطينيي الداخل من أراضيهم إلى دول عربية لكي تكون "إسرائيل يهودية بشكل تام" بدون وجود العنصر العربي في الدولة. درس في المعاهد الدينية اليهودية، وعين حاخاما للجالية اليهودية في نيويورك.
انضم إلى حركات "بيتار" و"بني عكيفا"، ثم أسس "لجنة حماية اليهودية" عام 1968 في الولايات المتحدة، التي جعلت هدفها السعي لمواجهة الدعوات اللاسامية من جهة ومساعدة اليهود من جهة أخرى في مواجهة أي هجوم يتعرضون له. وقد ألقت الشرطة الفدرالية الأمريكية القبض على كاهانا عام 1971 بسبب وجود سلاح غير مرخص في حوزته، وأُطلق سراحه بكفالة من أحد زعماء المافيا في نيويورك، مما أثار الشبهات حول علاقته مع المافيا.
وأعلنت المحكمة العليا في "إسرائيل" عن رفضها قبول تسجيل قائمة "كاخ" رسميا لخوض انتخابات "الكنيست" فعاد كاهانا إلى نشاطه في نيويورك محرضا ضد العرب والفلسطينيين، إلى أن اغتيل في 5 تشرين الثاني / نوفمبر عام 1990 في نيويورك على يد المواطن الأمريكي من الأصول المصرية سيد نصير، أثناء مشاركته في إحدى الندوات في أحد الفنادق في الولايات المتحدة. أما حركته "كاخ" فلا زالت تعمل في فلسطين المحتلة لكنها غير مرخصة قانونيا.
أدين سيد نصير بالتورط في قتل كاهانا، وحكم عليه بالسجن مدى الحياة في ولاية كولورادو الأمريكية منذ عام 2002، واعترف نصير فيما بعد بقتل كاهانا وقال إنه كان يرتدي معطفا حين كان كاهانا يلقي محاضرة في جمع من اليهود الأمريكيين يحثهم خلالها على الهجرة لإسرائيل في إطار مشروعه "الترانسفير" الذي بمقتضاه يتم طرد الفلسطينيين من أراضيهم وإحلال اليهود مكانهم.
وأوضح نصير الذي كان يحمل مسدسا في هذه الأثناء أنه كان مترددا في الإقدام على العملية غير أن "الحقد الذي كان ينفثه كاهانا ضد العرب والمسلمين" حسم تردده، فخلع المعطف الذي كان يرتديه ووضعه فوق ذراعه فيما كان بمستوى منخفض عن كاهانا، وأخفى المسدس أسفل المعطف ثم صوب تجاه الحاخام المتطرف وأطلق الرصاص. وقال نصير: "بعدها أطلقت الرصاص على كاهانا".