أقفل الأسبوع المنصرم في
لبنان على جملة أحداث وتطورات غير اعتيادية جملة وتفصيلا، وإن كانت قد تصدرتها
الأحداث المتنقلة من منطقة إلى أخرى في هجوم غير مسبوق على المصارف اللبنانية، في
ظل تسارع وتيرة الأحداث وارتفاع سعر العملة الخضراء إلى سقوف فاقت أربعة آلاف ليرة
للدولار الواحد في السوق السوداء، مصحوبة بارتفاع فاحش لأسعار السلع الغذائية والتموينية
ونحن في أكناف شهر رمضان المبارك، ما دفع الناس للنزول إلى الشارع خارقين التعبئة
العامة بسبب جائحة كورونا، بطريقة اختُلف على توصيفها بين القوى اللبنانية على
العادة، بين عفوية نتيجة البطون الخاوية، في إشارة إلى ثورة الجياع، وتوصيفات ربطت
الهبة بأمر عمليات لإسقاط حاكم البنك المركزي، وأخرى وصفتها بالأجندة الخارجية
لإسقاط الحكومة التي يترأسها الدكتور حسان دياب.
غير أن الملفت في جملة الأحداث ما فاحت منذ
السبت المنصرم من روائح غير طيبة من بحر لبنان، تحديدا في المنطقة الشمالية لبيروت
قبالة السواحل في منطقة الصفرا، والتي تعرف بالرقعة "بلوك 4"، وتبلغ
مساحتها حوالي 2030 كلم مربعا وبعمق ما بين 686 و1845 مترا تحت سطح البحر.. تلك
روائح أوشت بعدم وجود غاز بكميات تجارية واعدة من رحلة اكتشافات
النفط والغاز في
لبنان والتي تقودها شركة توتال الفرنسية العملاقة، من ثم تأكدت الأخبار مع صدور
البيانات الرسمية عن الشركة الفرنسية التي تؤكد أنباء غير سارة لدى معظم
اللبنانيين المتأملين بالنفط والغاز؛ حول عدم وجود كميات تجارية واعدة في البئر
المستكشف.
إلا إن المعطيات والبيانات الجيولوجية
والبترو- فيزيائية التي تم الاستحصال عليها من هذه البئر، هي ثروة من المعلومات
التي ستساهم حتما في تعزيز فرص حصول اكتشاف تجاري في المواقع المتعددة المحددة في
الرقعة 4 من قبل وزارة الطاقة والمياه والهيئة البترولية، والتي تضم أكثر من 60
موقعا محددا على امتداد البحر اللبناني.
كذلك لا بد من التأكيد أن المعطيات والمعلومات
التي تم جمعها من البئر الأولى في الرقعة رقم 4 ستساهم حكما في تحسين عمليات
التحليل العلمي والجيولوجي المرافقة لأعمال الاستكشاف القادمة في الرقعة التاسعة
(بلوك رقم 9) الحدودية، وفي تحديد أفضل هدف جيولوجي محتمل ليتم استهدافه في أعمال
الحفر القادمة، والتي تتطلب قرار من تحالف الشركات صاحبة الترخيص، والتي على
الأرجح لن تمضي بهذا الخيار لعدة عوامل تلوح مع جائحة كورونا حول أسواق الطاقة،
عموما لا سيما مع الخسائر التي تتلقاها كل القطاعات النفطية والغازية. وما الأسبوع
المنصرم الأسود التاريخي في حياة الطاقة، إلا دليلا على انهيار أسواق الطاقة
عالميا وتاليا صعوبة الاستثمارات في مناطق استكشاف جديدة، مما يزيد الطين بلة في
لبنان، في لعبة الصبر لبلوغ الذهب الأسود.
ولكن وبالتزامن مع ثقل وحزن الأخبار الحالية
عن الذهب الأسود في البحر لانتشال لبنان من أزمته
الاقتصادية الحادة، أقر مجلس
النواب اللبناني في جلسته التشريعية، الثلاثاء المنصرم، اقتراح قانون تشريع زراعة
القنب الهندي للاستخدام الطبي والصناعي بعد جولات من النقاشات والعديد من
الاستفهامات.
ويتضمن إقرار القانون عدة أهداف أساسية هي:
أولا: تثبيت أهالي عكار والبقاع الشمالي في
قراهم ومساعدتهم في الوصول إلى تنمية اقتصادية لواقعهم المتأزم منذ سنوات، بعد فشل
كل مشاريع الزراعات البديلة وفشل كل المساعدات الدولية في انتشال المناطق المحرومة
والمعنية بالقنب الهندي؛ من فقرهم المدقع وحالة خروجهم عن القانون.
ثانيا: العمل لتأمين إيرادات للخزينة العامة
اللبنانية المرهقة وللاقتصاد اللبناني شبه المنهار.
ثالثا: تنفيذ توصيات شركة ماكينزي الدولية،
التي كانت مكلفة من قبل الحكومة السابقة بإعداد استشارة حول الأوضاع الاقتصادية
والمالية في لبنان، بتشريع زراعة القنب لغايات طبية حصرا، وليس للاقتناء الشخصي أو
لدوافع المتعة والهلوسة، وهذا ما سيدر مداخيل كبيرة للاقتصاد الوطني اللبناني،
بحسب ماكينزي.
رابعا: الأمل في زيادة فرص العمل، والوصول إلى
جلب استثمارات جديدة لدخول العملات الصعبة (دولار/يورو) إلى الاقتصاد المتعطش
لاستثمارات وشركات أجنبية للعمل فيه مع أزمة شح الدولارات.
خامسا: القيمة المضافة والإيجابية على المستوى
الطبي من خلال زراعة هذه النبتة التي تعمل على تخفيف الألم والمساعدة في إيجاد
الدواء للعديد من الأمراض.
يرى الخبراء أن الحشيشة ستكون إحدى أدوات
الرفع للاقتصاد اللبناني، حيث ستدر ما يقارب المليار والنصف مليار دولار سنويا،
بحسب نائب رئيس مجلس النواب اللبناني إلياس الفرزلي. ويقول البعض الآخر إن مع
تشريعها قد يزيد المحاصيل التجارية الزراعية للقنب الهندي، لتضخ ملياري دولار
أمريكي سنويا.
في المقابل، يتخوّف الكثيرون من عدم تنظيم هذا
القانون عمليا في ظل ما يشهده لبنان من جرائم سببها تعاطي المراهقين والشباب
للمواد المخدّرة، هربا من مشاكلهم الاجتماعية والاقتصادية، رامين بأنفسهم نحو
الموت البطيء، خاصة أننا نمر بظروف ضاغطة على كافة المستويات.
كذلك الخوف من استفادة تجار ومافيات الحشيشة
من هذا القانون لمضاعفة ثرواتهم، عبر تصدير أجود أنواع الحشيشة باعتراف الجميع
ومباركتهم؛ إلى دول أوروبا وأمريكا الجنوبية، محققين أرباحا خيالية، لذلك يجب على
الدولة وأجهزتها الأمنية مراقبة تطبيق هذا القانون بحزم ودقة، ضمن أعلى معايير
الأمن والسلامة الدوليين، لضمان سلامة الحياة الاقتصادية والمجتمعية في آن واحد.
قد يكون من مصلحة اللبنانيين قلة التوفيق في
الحصول على مكمن غازي وافر وتجاري في هذه الأوقات الضبابية من تاريخ لبنان السياسي
والاقتصادي المتخبط من جهة، ومن جهة أخرى أن صناعة النفط ليست في أوجها بما يخدم
لبنان، اقتصادا ومؤسسات هي حتى الساعة غير متهيئة للتعامل مع وجود الثروة
الغازية
والنفطية.
وعليه، هل يشكل الحشيشة مدخلا إنقاذيا للبنان
في حالته التي تحتاج كل دولار من الخارج بعد أن أصيبت رحلة التنقيب عن الذهب
الأسود بكبوة مؤقتة لبلوغ الاكتشاف التجاري للآبار النفطية والغازية بالكميات
الموعودة وحتى تاريخه؟ هل يكون الذهب الأخضر بديل الذهب الأسود؟