هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
أثارت تصريحات وقرارات ثلاثة وزراء بحكومة رئيس الانقلاب عبدالفتاح السيسي
في ظل جائحة كورونا حالة من السخط بالشارع المصري على مدار الأشهر والأسابيع الماضية.
متابعون ومراقبون أكدوا لـ"عربي21" أنه وبرغم انخفاض شعبية السيسي
بشكل لافت، إلا أن وزراء الأوقاف والصحة والتعليم كانوا من العوامل الرئيسية في زيادة
حالة الغضب الشعبية، واستمرار انخفاض شعبيته.
"وجه آخر للتشدد"
وزير الأوقاف المصري، محمد مختار جمعة، كان الأشد إثارة لغضب المصريين بتصريحات
وقرارات رأوها غير منطقية، وتوحي بنوع من التشدد والمغالاة، محذرين من تبعاتها على المجتمع
المصري.
وعلى الرغم من أن معظم الدول العربية والإسلامية قاموا بإغلاق المساجد بسبب
جائحة كورونا؛ إلا أن قرارات جمعة بإغلاق المساجد، والتحذير الدائم من فتحها، وعقاب
من أدوا صلاة الجمعة أمام المساجد، ومنع صلاة التراويح، والتهديد بفصل الأئمة؛ أغضبت المصريين.
وجاء قراره السريع بإقالة المتحدث باسم الوزارة، بعد ساعات من إعلان الأخير
عن دراسة الأوقاف فكرة صلاة التراويح بالمساجد للأئمة والعاملين فقط، ليزيد من حالة
الغضب، خاصة أن السعودية أعلنت تطبيق الفكرة ذاتها بالحرمين الشريفين.
واستفز آخر تصريح لجمعة مشاعر المصريين عن منع قراءة القرآن بالمساجد قبيل أذان المغرب والفجر، وهي العادة المصرية الخالصة على مدار عقود، ما دفعهم لإطلاق هاشتاغ
"#اقاله_وزير_الاوقاف"، عبر مواقع التواصل الاجتماعي.
اقرأ أيضا: أوقاف مصر تمنع إذاعة القرآن وتتراجع بعد غضب واسع
وهو ما عبر عنه الكاتب طه خليفة، بأنه "وجه آخر للتشدد".
"رائد
العبث"
وتسببت قرارات وزير التعليم بفرض عمل أبحاث إلكترونية وورقية على التلاميذ
والطلاب من الصف الثالث الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي، في توتر الأسر المصرية وإرهاقها
ماديا وصناعة سوق سوداء لبيع الأبحاث بمبالغ تصل لـ150 جنيها للبحث.
وبشكل يومي، يصدر شوقي تصريحات تثير قلق ومخاوف ملايين الأسر المصرية حول امتحان
الطلاب بالأبحاث المقدمة، وعدم قبول الأبحاث المتشابهة، وأن بديل مشروع البحث هو أداء
الطالب امتحانا ورقيا قبل العام الدراسي الجديد.
وتحدث الأكاديمي المصري عادل دوبان عن ضعف الأداء الحكومي، واصفا وزير التعليم
بأنه "رائد العبث الحكومي"، مشيرا عبر صفحته بـ"فيسبوك"، لتهديده
الدائم للطلاب وأولياء الأمور والمدرسين.
"تناقضات
الوزيرة"
ولم تغب وزيرة الصحة عن أزمات الغضب التي عاشها المصريون بتصريحات غريبة عن
كورونا في بداية الأزمة والتقليل من آثارها، وتصريحات مثيرة للجدل حول طرق الوقاية
من الفيروس، وتصرفات لاقت استهجانا وسخرية في الوقت ذاته حول عدم التزامها بطرق الوقاية
التي تعلنها.
وزاد من حالة الغضب بحق الوزيرة هالة زايد، هو انتشار كورونا بين الأطقم الطبية
المصرية، ووفاة البعض، وغلق عدد من المستشفيات، ما اعتبره المصريون تقصيرا في أداء الوزارة،
وعدم توفير وسائل الوقاية وتأمين الممرضين والأطباء.
وسجل فيروس كورونا رسميا في مصر الأربعاء إصابة 3659 حالة، و276 وفاة.
"واجهة
مثالية للجنرال"
وبسؤاله حول أسباب مغالاة وزير الأوقاف المصري في موالاة توجهات النظام والتشدد
بحق المساجد، قال الباحث المصري مصطفى خضري إن "السيسي ومنذ اعتلائه سدة الحكم
وهو يتبنى خطابا سياسيا وإعلاميا مضادا للدين الإسلامي، في توجه يعجب داعميه الإقليميين
(ابن سلمان، ابن زايد)".
وأضاف في حديثه لـ"عربي21": "سعى السيسي للبحث عمن يتماهى
مع هذا التوجه ويشاركه فيه، خاصة بعد صدام الجنرال مع شيخ الأزهر ومسانديه من هيئة
كبار العلماء بأكثر من موضع".
وأكد رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام "تكامل مصر"،
أن السيسي "وجد ضالته بوزير أوقافه مختار جمعة"، مشيرا إلى أن "الرجل
ضعيف الشخصية قليل العلم، ويمثل الواجهة المثالية لمشروع الجنرال، حتى أنه يزايد على
توجهات السيسي نفسه طمعا في البقاء بمنصبه".
وتابع: "ولمنصب جمعة، وجه آخر يمكن أن يفسر لنا توجهاته؛ فالرجل يتحكم
بوزارة الأوقاف التي تمتلك أكبر اقتصاد ريعي بمصر تزيد قيمة أصوله على نصف تريليون دولار
تقريبا"، حسب تقديرات " تكامل مصر" في مطلع 2019.
ونفى خضري أن تكون تصرفات وتصريحات هؤلاء الوزراء سببا في تآكل شعبية السيسي،
قائلا: "بالعكس، فوجود مثل هؤلاء يساعد على إعادة توجيه سخط الرأي العام بعيدا
عن السيسي نفسه".
ويعتقد أنهم "يمثلون منصات رماية مثالية لتفريغ الضغوط التي تولدها سياسات
السيسي داخل المجتمع، وكلما زادت رعونتهم، زادت مساحة التغطية الإعلامية المضادة لهم".
وأكد أن هذا "يقلل من مساحة التغطية الإعلامية السلبية للجنرال، وعندما
يحين الوقت المناسب يتم التخلص منهم واستبدال آخرين بهم يكملون الدور، ويجددون دماء النظام".
"التملق
لا الكفاءة"
من جهته، قال الكاتب والمحلل السياسي سيد أمين: "في الواقع، لا توجد شعبية
أساسا للسيسي، بينما تم التسليم بحكمه بناء على سياسة الأمر الواقع".
وأضاف بحديثه لـ"عربي21" أن " الوزراء شأنهم شأن كافة المناصب
العليا بالسلطات الثلاث يدركون أن وجودهم بمناصبهم نتيجة قربهم ونفاقهم للسيسي، وأنهم
بالكفاءة أقل شأنا من أن يكونوا بهذه المناصب، ولو كانوا كفؤا حقا لكانوا الآن بلا
عمل أو خارج البلاد".
وتابع أمين: "كل وزير يستخدم خبرته لامتداح السيسي ونيل رضاه، ولو نال
ذاك الرضا فلا يهم بعده أي أداء مهما كان هابطا يؤديه".
وقال: "إلا أنه ولسوء حظ وزير الأوقاف كان تقربه للسيسي غير مستساغ لدى
الجماهير، خاصة أنه يمس أمرا حساسا للغاية لدى قطاع كبير من الشعب وهو الدين، وأن
تملقه ذلك أهدر قواعد أساسية في علاقتهم بالدين".
وأكد المحلل السياسي أن "الأمر ذاته بالنسبة لوزيرة الصحة بسبب وباء كورونا،
ووزير التعليم بسبب ترقب أولياء الأمور لحالة ذويهم التعليمية؛ أي أن تركيز واهتمام
الناس بالقرارات التي يتخذها الوزراء الثلاثة كشف عن عيوبهم للعوام، بينما كافة الوزراء
يمارسون التخبط ذاته".