هل أجّل كورونا حلم السيسي بالعاصمة الجديدة أم أنقذه؟

على وقع أزمة تفشي فيروس كورونا في مصر والعالم؛ قررت السلطات المصرية، السبت، تأجيل افتتاح مشروعات قومية كبرى من بينها العاصمة الإدارية الجديدة، الذي تبلغ تكلفته 58 مليار دولار وتواجه صعوبات في جمع التمويل إضافة لتحديات أخرى بسبب انسحاب بعض المستثمرين.

وأعلنت مصر تأجيل المرحلة الأولى من انتقال الموظفين الحكوميين إلى العاصمة الإدارية الجديدة (على بعد 45 كيلومترا تقريبا إلى الشرق من القاهرة)، وافتتاح المتحف المصري الكبير بالقاهرة من منتصف 2020 إلى 2021.

الأرقام الرسمية تكشف عن عدم جاهزية خدمات ومنشآت ومباني العاصمة الجديدة، لاستقبال روادها وساكنيها بل وموظفي الحكومة الذين كانوا سيمثلون الفوج الأول بها.

وفي 17 آذار/ مارس الماضي، أعلن المتحدث باسم شركة العاصمة الإدارية، العميد خالد الحسيني، أنه تم تنفيذ 75 بالمئة من الحي الحكومي، لاستقبال 53 ألف موظف منتصف العام، بـ36 مبنى إداري للوزارات ومجلس الوزراء والبرلمان بمساحة 700 فدان.

وكشفت أرقام الحسيني، عدم انتهاء البنى التحتية للمدينة (تكلفت 15 مليار جنيه)، حيث أكد أن نسبة تنفيذ شبكات المياه بكامل العاصمة 40 بالمئة، والصرف الصحي 30 بالمئة، وشبكة الري 20 بالمئة، و60 بالمئة فقط من المرحلة الأولى للطرق البالغة 600 كيلو متر.

وحول الأحياء السكنية الثمانية، أوضح أنه تم تنفيذ 62 بالمئة من الحي الأول، و80 بالمئة للثاني والثالث، 52 بالمئة للخامس، والسادس، و35 بالمئة من مستشفى العاصمة، و20 بالمئة فقط من حي المال والأعمال.

وأشار إلى أن أقل سعر للمتر بالعاصمة هو 3500 جنيه، للمشروعات الخدمية المرتبطة بالأنشطة الصحية والتعليمية، و15 ألف جنيه للمتر للأنشطة التجارية، و 50 ألفا للمنشآت المطلة على النهر الأخضر.

والسؤل: هل أجل فيروس كورونا أحلام السيسي بالانتقال للعاصمة الجديدة؟ أم أنه أنقذ مشروعه من فضيحة كبيرة بالانتقال إلى مدينة لم يتم استكمال بنائها ومازالت خاوية تسكنها الأشباح؟

"تأجيل حلم السيسي بالأمن"

وفي إجابته قال الخبير الاقتصادي الدكتور علي عبدالعزيز: "لا شك أن العاصمة الإدارية لم تكن من أولويات المصريين، وإنما هي حقيقة من باب ترف النظام واستعراض شكلي لإنجازات يراها هو وليس لها علاقة الآن باحتياجات المصريين الملحة بالعيش بحرية وكرامة وعدالة كما كان شعار ثورة يناير".

الأكاديمي المصري، أضاف بحديثه لـ"عربي21"، "وأعتقد أن السيسي بالفعل كان سينهي الجزء المخصص للانتقال الخاص بالحي الحكومي لولا فيروس كورونا، بالإضافة إلى أن عملية الانتقال أصبحت صعبة الآن".

وأشار ‏الأستاذ المساعد بكلية التجارة بجامعة الأزهر، إلى أن "أثر الإنفاق الدولاري على العاصمة الإدارية والمقدر بـ 45 مليار دولار ببعض التقديرات، قد يبدأ ظهوره على قيمة الجنيه في نهاية 2021، بالارتفاع المضاعف وأكثر للسعر الحالي".

إقرأ أيضا: مصر تؤجل مشروعات قومية بينها العاصمة الإدارية بسبب كورونا

ولفت أيضا إلى أن "الأمر يزداد سوءا مع زيادة القروض الخارجية وانخفاض الدخل الدولاري الحالي، وما سيتبع أزمة سد النهضة من ارتفاع فاتورة استيراد الغذاء".

ويعتقد عبدالعزيز، أن "كورونا أجل حلم السيسي"، موضحا أن "الانتقال للعاصمة كان جزءا من خطتهم لتحفيز بيع وتسويق عقارات وأراضي المدينة".

وختم بالقول: "في الحقيقة فإن العاصمة لها أهداف كثيرة أهم من عائد البيع في ذهن السيسي، وهي الأمن الشخصي وله ولقيادات نظامه من موجات غضب شعبية أو أي محاولات للانقلاب".

"فرصة لإخفاء الفشل"

ويعتقد الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، الدكتور هاني سليمان، أن "الاحتمالين واردين بشكل كبير"، موضحا أنه "لم يكن من المعقول أن يحتفل السيسي، بأية "إنجازات من إنجازاته الوهمية في ظل الأزمة الصحية والاقتصادية والاجتماعية التي سببها الفيروس".

وفي حديثه لـ"عربي21"، أضاف سليمان، أنه "ولذلك فكان لابد له على الأقل من تأجيل افتتاحه لكثير من هذه المشروعات الفاخرة البعيدة تماما عن احتياجات ومتطلبات الشعب المصري الحقيقي".

وفي الوقت ذاته، يعتقد رئيس مجلس إدارة مجموعة تنمية القيادة  (LDG)، أن "جائحة كورونا جاءت فرصة للسيسي، كي يخفي فشل مشروع العاصمة الجديدة برفاهيته التي لم يستطع معظم الشعب الاستفادة منه بسبب ارتفاع التكاليف بالنسبة لمعظم الشعب".

وأشار إلى أن "مشروع العاصمة بعيد المنال حتى على الطبقة المتوسطة العليا، وعزف أيضا الكثير من أفراد الطبقة الغنية عن السكنى في تلك المنطقة البعيدة عن العمران".

وأعرب الخبير المصري بمجال الإدارة والتخطيط، عن أمنيته أن "يكون هذا كله سببا في مراجعة مشروع العاصمة الجديدة ومحاولة تحقيق استفادة أكبر منه، وعدم قصر هذه الاستفادة على طبقة الحكام".

"مدينة أشباح"

وفي رؤيته قال الكاتب والمحلل السياسي سيد أمين، إن "فيروس كورونا لم يؤجل تحقيق أحلام السيسي بخصوص العاصمة الإدارية؛ ولكنه أبعد عنه فضيحة كانت تنتظره".

أمين، في حديثه لـ"عربي21"، أضاف أن "القاصي والداني يعرف أنها مدينة نخبة الحكم التي أهدر فيها السيسي، مئات المليارات من قوت الشعب؛ ما هى إلا مدينة أشباح في أجزاء واسعة منها".

وأشار إلى أنه "وفي أجزاء أخرى منطقة مخملية أنفق فيها ببذخ لا يتناسب مع حقيقة الشعب الجائع ولكن تتناسب فقط مع نخبة مختارة يتحصن بها أهل الحكم".

وأكد المحلل السياسي، أن "المتحف الكبير هو في الواقع ليس من مشروعات السيسي، ولكنه من مشروعات حسني مبارك، ويجري العمل عليه منذ أكثر من عقد من الزمان، وموعد إفتتاحه يتأجل بشكل متكرر".

وعلى الجانب الآخر، وعبر موقع "تويتر"، لفت الناشط والمحامي محمود عفيفي، إلى أن القرار يدفع لأن تعمل شركات المقاولات بالعاصمة الجديدة بدون تعجل والحفاظ على أرواح العمال في ظل كورونا.