هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
شهدت مواقع التواصل الاجتماعي في الأيام الماضية لغطا شديدا حول إسقاط صيام شهر رمضان لهذا العام، في ظل جائحة كورونا، تخوفا من أن نقص الماء في الجسم، وجفاف الحلق بسبب الصيام يزيدان من احتمالية الإصابة بفيروس كورونا وفق المتداول في تلك الأحاديث.
وكان لافتا ما قاله الدكتور سعد الدين الهلالي، أستاذ الفقه المقارن بجامعة الأزهر الشريف، ردا على سؤال بشأن صيام رمضان هذا العام في ظل تفشي الوباء من أن التخوف من الإصابة بفيروس كورونا يبيح الإفطار، ما دفع علماء آخرين للرد عليه ومناقشة فتواه.
وانتقد باحثون شرعيون فتاوى تجويز إفطار رمضان لهذا العام، لأنها جعلت مجرد "الخوف" هو علة الإفطار، دون التحقق من أهل الاختصاص إن كان للصيام تأثير حقيقي على الصائم من جهة رفع احتمالية إصابته بفيروس كورونا بحسب رصد ومتابعة الكاتب الصحفي المصري، عبد القادر وحيد.
وأوضح وحيد أن "البعض ربط بين جفاف الحلق، وهو ما يحدث عادة في الصيام، وزيادة احتمالية الإصابة بالفيروس، لكن لجنة البحوث الفقهية بالأزهر اجتمعت بنخبة من متخصصين في علوم الفيروسات والأوبئة، فأجمعوا على أن جفاف الحلق لا علاقة له بالإصابة بكورونا، ما يعني أن جفاف الحلق بسبب الصيام لن يزيد من احتمالية الإصابة بالفيروس".
ولفت وحيد في حديثه لـ"عربي21" إلى أن "العلاقة بين الفطر والصيام في رمضان مرهونة دائما بالطب، حيث يشخص الطبيب الحالة، ويفتي المفتي وعالم الدين في النازلة بحسب تلك الإفادة، لكن العجيب في فتاوى كورونا أن بعض من أفتى وتحدث عن جواز الفطر لم يرجع إلى أهل الاختصاص لتقدير الحالة بشكل علمي ودقيق".
وأضاف: "وبسبب كثرة اللغط دخل الأزهر الشريف على الخط وأدلى بدلوه، حيث أكدّ وكيل الأزهر السابق الدكتور عباس شومان أن مسألة الصيام في ظل انتشار كورونا من عدمه يتم الرجوع فيها لأهل الذكر، وهم أهل الاختصاص".
من جهته قال أستاذ أصول الفقه في جامعة أم القرى بمكة المكرمة، الدكتور محمد السعيدي: "لا وجود لمثل هذه المطالبات والفتاوى في الساحة التواصلية في المملكة العربية العسودية، أما إن وجدت في أماكن أخرى فهي ليست مبنية على أسس علمية أو مصلحية معتبرة، بل سوء فهم لأحكام الصيام، والأعذار المبيحة للفطر".
وردا على سؤال "عربي21"، "متى تسقط أركان الإسلام عن المسلم؟" أوضح أنها "لا تسقط إلا في حال العجز، والعجز عن الصوم ليس مسألة عامة حتى يملك أحد إسقاطها، بل هي مسألة فردية، كالسفر والمرض، فهذان العذران كل فرد من الناس هو القَيّم على نفسه في اعتبارهما أو عدم اعتبارهما".
وتابع: "وفيما يتعلق بجائحة كورونا فإن الأمر كذلك هو من مسؤولية الأفراد، فمن أصابه المرض فله أن يتخير بين أن يُفطر وهو الأفضل وهو ما ينصح به الأطباء، وعليه القضاء بعد الشفاء، أو يصوم وهو العزيمة إن كان الصيام لا يلحق به ضررا".
بدوره وصف أستاذ الفقه الإسلامي في جامعة جرش الأهلية بالأردن، الدكتور حسن شموط فكرة إسقاط الصيام بسبب تفشي وباء كورونا بـ"الدعوى الباطلة، والتي تهدف إلى المس بشعيرة أساسية ألا وهي صيام شهر رمضان، وإن انتشار مثل هذه الدعوى التي لا تستند إلى أساس علمي أو شرعي إنما تدل على تساهل الناس في ما يخص العبادة، وتثاقل البعض عن أدائها".
وواصل حديثه لـ"عربي21" بالقول إنه "لم يثبت بأي دليل علمي وجود ارتباط وثيق بين الصيام وبين انتشار فيروس كورونا، بل الثابت أن الصيام والامتناع عن الطعام فيه فائدة للجسم، وقد شرع الله الإفطار للمريض الذي لا يستطيع الصيام ويجد مشقة بصيامه مع مرضه وحاجته للدواء".
أما بخصوص الفتاوى التي بنيت على الخوف من احتمالية الإصابة بالفيروس فأكدّ شموط أن "تجويز الإفطار بسبب التخوف من أن يصاب المسلم بمرض، وهو لم يصب به بعد، وقد لا يصيبه أصلا، فهذه مما لم يجز القول به في دين الله".
وختم حديثه بالإشارة إلى أنه "في حالة ابتلاء المسلم بفيروس كورونا، وأمره الطبيب بالإفطار لحاجته إلى تناول الدواء، ولمعالجة ما يصيب جسمه من ضعف ووهن، فهذا مسوّغ شرعي يبيح له الإفطار، فمريض الكورونا تنطبق عليه عموم أحكام المرضى في الفقه الإسلامي".
وفي المغرب، أكد الخبير في التغذية الدكتور محمد الفايد، أن الصيام علاج رباني لكثير من الأمراض، وهو الوسيلة الأنجع لغسل الجسم وتطهيره من السموم.
وقال الفايد في عدد من المداخلات المسجلة على صفحته على "اليوتيوب": "إن مختلف جامعات العالم والمخابر الطبية الدولية أصبحت تنصح بالصيام باعتباره الآلية الأنجع لتطهير الجسم من السموم".
ودعا الفايد، الذي أثارت مداخلاته لغطا كبيرا في المغرب، إلى ضرورة معرفة المقاصد الكونية للصيام، التي تعني العودة إلى العلاج الطبيعي للأمراض، من خلال تناول المواد الطبيعية بعيدا.
وفي الجزائر أكدت اللجنة الوزارية للفتوى، بعد اجتماعها الاثنين الماضي، 18 نيسان (أبريل) الجاري، بمقر وزارة الشؤون الدينية والأوقاف، أن "البحوث الطبية أثبتت عدم وجود علاقة بين الصوم والإصابة بفيروس كورونا"، مؤكدة أنه "لا يجوز ترك هذا الركن العظيم".
وأشارت ذات الجهة، إلى أن الصيام يبقى "واجبا على المكلفين القادرين"، وأنه "لا يجوز الإفطار إلا لأصحاب الأعذار الشرعية، وهم العاجزون عن الصوم مثل كبار السن، وأصحاب الأمراض المزمنة التي تستوجب منع الصيام، والمرضى ممن يسبب لهم الصوم مشقة، وتترتب عليهم الفدية".
#اللجنة_الوزارية_للفتوى#الفتوى_رقم_11#صيام_شهر_رمضان#صيام_الطواقم_الصحية#صلاة_التراويح_نافلة_وتؤدى_بالبيوت#فعل_الخيرات_من_أفضل_القربات_في_رمضان pic.twitter.com/9wUm6ncsNr
— وزارة الشؤون الدينية والأوقاف (@MARWDZAIR) April 20, 2020
وفي تونس رفض علماء الزيتونة، ما يشاع عن تأثير الصوم على مناعة الإنسان، في ظل تفشي فيروس كورونا، وقالوا في بيان لهم بهذا الصدد: "حكم الصّوم ثابت بالنصّ القطعيّ، ومعلوم من الدّين بالضّرورة، وهو واجب على كلّ مكلّف مقيم صحيح خال من الموانع الشّرعيّة. فلا يجوز الفطر إلّا لأصحاب الأعذار من المرضى والمسافرين وكبار السنّ ونحوهم. ويجوز للمصاب بوباء كورونا الفطر في رمضان بناء على توجيهات الأطباء المباشرين لحالته".
وقالوا إن الحديث عن التأثير على المناعة "يعدّ من التقدير الفاسد والاحتياط المُتوهّم. وعليه فإنّنا نهيب بكلّ مسلم ألا يلتفت إلى هذه الادعاءات المتهافتة".
إقرأ أيضا: جدل فقهي في تونس بسبب الصيام في زمن كورونا