أفكَار

الجزائر.. بعد جنازة عباسي مدني.. هل تعود جبهة الإنقاذ؟

جنازة مهيبة للرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، رغم غياب الإعلام الرسمي
جنازة مهيبة للرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ في الجزائر، رغم غياب الإعلام الرسمي

قبل تاريخ الـ 22 من شباط (فبراير) الماضي، تاريخ انطلاق الحراك الشعبي في الجزائر، ضد الحكم الشمولي وعصبه غير الدستورية، كان مجرد التفكير في موضوع الجبهة الإسلامية للإنقاذ المعروفة اختصارا في الجزائر بـ "الفيس"، أقرب ما يكون إلى "الطابوهات السياسية"، التي يتفاداها الجميع، لارتباط هذا الكيان السياسي الذي كان في وقته قبل ثلاثة عقود ظاهرة حقيقية، بما يسمى في الجزائر بالعشرية الحمراء والإرهاب، وارتباطه بحالة من المنع والتجريم، مقرونة بعمليات تشويه إعلامية ضخمة. غير أن الحراك الشعبي الذي انطلق، جعل من طرح الفكرة أمرا عاديا، وإن كان الكثيرون ما زالوا يرونه مستبعدا، إلا أن إزاحة ستار الخوف عن الفكرة قد وقع، وقد ظهر ذلك جليا، رغم استمرار منع الرجل الثاني في الجبهة الشيخ علي بلحاج، من المشاركة في التظاهرات والنشاط السياسي.

 



في أول ظهور علني لقيادات الجبهة الاسلامية "المحظورة" في اجتماعات المعارضة الجزائرية لمناقشة أوضاع الحراك وطرح الحلول والبدائل، كان على رأس تلك الوجوه القياديان البارزان، علي جدي وكمال قمازي، كما تجلى بشكل خلط كل الأوراق، في الجنازة الضخمة التي جرت في شوارع الجزائر العاصمة لزعيم الجبهة الشيخ الدكتور عباسي مدني، عقب وفاته في منفاه بالدوحة. فعكس كل التوقعات، احتشد عشرات الآلاف لتوديع قائد الجبهة إلى مثواه الأخير، الأمر الذي أحدث صدمة لدى التيار المناوئ من الاستئصاليين والعلمانيين، الذين كانوا وراء تحريض قيادات الجيش في بداية العام 1992 للانقلاب على نتائج الانتخابات التشريعية التي جرت أواخر 1991، وفازت بها الجبهة الإسلامية للإنقاذ بالأغلبية الساحقة في الدور الأول.

إلا أن ذلك لا يعني أن المعادلة، معادلة المنع والإقصاء التي انطلقت في آذار (مارس) 1992 تاريخ حل الجبهة قد انتهت، بل إنها ما تزال راسخة لاعتبارات كثيرة، ومن الصعب بحسب مراقبين أن تعود الجبهة إلى سالف عهدها في "مغالبة" النظام القائم، بسبب تغير الظروف السياسية للبلد، لكن هذا لا يمنع الحديث عن عودة ما بشكل أو بآخر، تتخلى فيه الجبهة الإسلامية للإنقاذ عن خطابها الراديكالي القديم، بعد أن تكون قياداتها قد استفادت من دروس العقود العجاف الماضية، فهل ذلك ممكن عمليا؟ أم أن الأمر مرتبط أولا وأخيرا بمدى نجاح ثورة الجزائريين، في إزالة بقايا حكم العصابة، ومدى ترسيخ القيم الديمقراطية في إدارة شؤون الدولة؟

التاريخ المرعب

حتى تتسنى الإجابة على إشكالية عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ من عدمها، من المهم مساءلة التاريخ عن هذه الظاهرة، وكيف شكلت في مرحلة الانفتاح الديمقراطي في الجزائر، الذي نتج عن أحداث الخامس من تشرين أول (أكتوبر) 1988، وقبول سلطة الرئيس الشاذلي بن جديد وقتها بالتعددية السياسية والإعلامية، ظاهرة بحد ذاتها، عندما تم إنشاء الجبهة في شباط (فبراير) 1989، أين سيطرت على الشارع الجزائري طولا وعرضا، في شكل جبهة ضمت العديد من التيارات الإسلامية مختلفة المشارب والتوجهات، بقيادة الراحل الدكتور عباسي مدني ونائبه الشيخ الخطيب علي بلحاج، قبل أن يكتسح الشارع الجزائري، ومعه اكتسح الانتخابات المحلية والتشريعية في أولى الانتخابات التعددية والشفافة في تاريخ البلاد منذ الاستقلال، غير أن ذلك الصعود للجبهة، شكل خطرا كبيرا على مصالح قوى متعددة داخل البلاد كانت تملك النفوذ والقوة، وعلى رأسهم جنرالات الجيش ممن يسمون جنرالات فرنسا، وخلفهم جزء كبير من الطبقة السياسية العلمانية الاستئصالية، وعدد من الدول الأجنبية، وتحديدا فرنسا والسعودية، للانقلاب على اختيار الشعب، وحل الجبهة، ومطاردة الأنصار والمتعاطفين، وفتح محتشدات الصحراء لاعتقال الآلاف منهم، وقبلها تم اعتقال القادة وزجهم في السجون، الأمر الذي أحدث حالة من الخوف والرعب، انفجرت فيما بعد إلى أعمال عنف دموية، جرت، باعتراف بعض الجنرالات فيما بعد، بشكل مخطط، حتى يتم تشويه الإسلام السياسي من جهة، ومن جهة أخرى تخويف وإرعاب الشعب ومنعه من المطالبة بحقوقه السياسية، حين تطرح معادلة الأمن أو الديمقراطية، وبطبيعة الحال، فإن الدماء عندما تكون تنزف، يصبح مطلب الحريات الديمقراطية ترفا سياسيا لا محل له من الإعراب.

في تلك الأثناء، أمضت الجزائر سنوات سوداء شهدت مجازر مروعة، ذهب ضحيتها آلاف المواطنين العزل، حيث تقدر بعض الإحصائيات عدد الضحايا بـ 250 ضحية، بينما قدرها علي يحيى عبد النور رئيس الرابطة الجزائرية لحقوق الإنسان الأسبق بـ 500 ألف قتيل، علاوة على الأرامل وعشرات آلاف المختطفين وخسائر مالية كبيرة جدا.

هذه الوضعية، جعلت عملية ذكر الجبهة الإسلامية للإنقاذ، مع سطوة وسائل الإعلام الرسمية، وتفسيرها الأحادي لما وقع في البلاد من مجازر، مرتبطة لدى الأجيال الصاعدة بفكرة الإرهاب، وهي النغمة التي أريد لها أن تعم وتنتشر، رغم أن الجبهة الإسلامية لم تتبن في كل خطاباتها العمل المسلح أو العنفي، فقد كان الشيخان عباسي وبلحاج في السجن قبل اندلاع المواجهات الدامية، كما أن الجماعات الإسلامية المسلحة اتضح جليا فيما بعد أنها كانت مخترقة، علاوة عن أن ما يسمى بالجيش الإسلامي للإنقاذ الذي تزعمه المدعو مدني مزراق، ورغم ادعائه أنه الجناح المسلح للجبهة، إلا أن القادة السياسيين ظلوا ينفون ذلك عنه باستمرار، وقد أكدوا ذلك عقب خروجهم من السجن بعد قضاء حوالي 12 سنة داخله.

هذه الصورة المرتبطة بالإرهاب، هي أكبر العوائق اليوم أمام عودة الجبهة للعمل السياسي، حتى وإن كانت عمليا هي ضحية انقلاب عسكري، بعد أن قبلت بقواعد اللعبة الديمقراطية، ودخلت معترك المنافسة الحزبية والانتخابات.

الرعب والتشويه إذن إشكالية لا يستهان بها، كما أن قانون الوئام المدني والمصالحة الوطنية التي طرحت في نهاية حكم اليمين زروال، وبداية حكم عبد العزيز بوتفليقة، ركزت على أمور سطحية لإنزال آلاف المسلحين من الجبال، بينما بقيت الأمور الحقيقية للمصالحة مؤجلة أو ملغاة، علاوة عن أن ملف الجبهة في عمومه، يطرح اشكالية محاسبة كل المتسببين في الأزمة الدموية، وهذا ما لا يمكن فتحه في الظروف الحالية على الأقل، إلا إذا تمت مصالحة حقيقية، ترتكز على العدالة والحقيقة.

الجبهة الإسلامية وظلال الدوحة والرياض

لا تنفصل قضية الجبهة الإسلامية الجزائرية المنحلة، قبل ثلاثة عقود من الزمن، عن مجمل الصراعات الحالية في الوطن العربي، فما نشاهده اليوم من صراعات في ليبيا وسوريا ، وحتى في اليمن والسودان، بين محور الرياض أبو ظبي القاهرة، من جهة، ومحور الدوحة أنقرة، ليس بعيدا عما حصل في الجزائر أمس، ويكفي أن نرى كيف شيعت الدوحة جثمان الدكتور عباسي مدني بكل الإجلال والتعظيم، مع مشاركة أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني في عملية التشييع، في مقابل وصف قناة العربية السعودية لعباسي مدني يوم وفاته في تقاريرها بأنه يمثل "عراب العشرية السوداء"، لتتضح الصورة العجيبة والغريبة، التي تلخص كامل المشهد.

 



وللتاريخ، فإن السعودية باعتراف كبار جنرالات الجيش زمن التسعينيات، وعلى رأسهم الجنرال خالد نزار وزير الدفاع السابق، وقفت بكل ما تملك لدعم الانقلاب على الجبهة الإسلامية، عبر ما قدمته من دعم مالي سخي للنظام الجزائري وقتها، حتى يتجاوز حالة شبه العزلة التي وقع فيها بعد الانقلاب، وهو الأمر الذي لم يكن مفهوما وقتها بالنسبة لشرائح واسعة من الجزائريين، كانوا يعتقدون أن السعودية هي التي ستكون أول المعترضين على الانقلاب على حزب إسلامي، لكن العكس هو الذي حصل، قبل أن تتضح الصورة أكثر، عندما اختار الراحل الدكتور عباسي مدني الاستقرار في الدوحة تحديدا، بعد خروجه من السجن.

كل ذلك لم يكن يعني الجزائريين لا من قريب ولا من بعيد، لكنهم اليوم يكتشفون أنهم في عمق لعبة إقليمية ودولية كبيرة، ولذلك يزداد خوفهم على ثورتهم أكثر، لإدراكهم أن القوى المتربصة لا يمكنها أن تسمح بعودة الحرية للشعب، ومن ثم سيكون لفكرة عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ عوائق إضافية أخرى، مرتبطة بالخارج أيضا، وقد تبين أن هناك دولا بأكملها مستعدة أن تنفق المليارات ولا يعود للشارع العربي طابعه الإسلامي، ومن ثم لا يريد الجزائريون الدخول في متاهات صراع المحاور، ويفضلون الآن التركيز على مطلب الحرية والديمقراطية، بعيدا عن الشعارات الإسلامية التي ستعطي مزيدا من الفرص للقوى المناوئة، وقوى الثورات المضادة، لكي تحشر أنفها أكثر في الشأن الجزائري، وربما كان ذلك سببا كبيرا في وأد مطالب الحراك في بناء دولة حرة ديمقراطية.

تأجيل حلم "الدولة الإسلامية"

لا يمكن مع طرح فكرة إمكانية عودة الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقد أثبتت من خلال جنازة الدكتور عباسي مدني، التي حضرها عشرات الآلاف من المشيعين من الأنصار والمتعاطفين، والتي عادت معها لأول مرة منذ 30 سنة، تلك الأهازيج المدوية (عليها نحيا.. وعليها نموت) بكل ما تحمله من رمزية، أن تنسينا حقيقة أن جزائر 2019 ليست جزائر 1992، فقد تعاقبت أجيال عديدة على تلك الفترة الصعبة من تاريخ الجزائر، ومعها تغيرت الكثير من العقليات، حتى إن شباب اليوم، من الذين يشاركون بقوة في حراك الشعب، لا يعرفون في معظمهم عن الجبهة شيئا أو يكادون، اللهم إلا معلومات عامة وأحيانا مغلوطة، ومن ثم فقد تراجع أنصار الجبهة عن تصدر الحراك، إدراكا منهم أن ذلك في صالح الشعب، لسحب كل الحجج التي يمكن توظيفها لعرقلة مسيرة التحرر الوطني.

ولذلك، من المهم الإشارة إلى حالة من التطور الواضحة في طريقة تفكير أنصار الجبهة وقادتها، ناحية الفعل الديمقراطي واستيعاب الآخر المختلف، حتى إن خطابات الشيخ علي بلحاج، الرقم الصعب في معادلة الجبهة، الذي ما يزال ممنوعا من النشاط السياسي والدعوي، تغير بشكل كبير من خطاب عاطفي تهييجي للجماهير، وأحيانا متطرف في الماضي، إلى خطاب عقلاني استيعابي يقبل بالآخر، بل ويدافع عن المخالفين بصوت عال، عبر تدخلاته عبر مواقع التواصل الاجتماعي واليوتيوب. 

 



لقد تخلى أنصار الجبهة الإسلامية في ما يبدو، أو على الأقل تم تأجيل، مشروع أو حلم "الدولة الإسلامية" الذي رفعوه سنوات التسعينيات من القرن الماضي، التي كانت أحيانا بشعارات صادمة (دولة إسلامية بلا ما انفوطيو) أي دولة إسلامية بلا انتخابات، واكتشف ما تبقى من الأنصار، أنهم صاروا في غالبيتهم كهولا وشيوخا بلحى بيضاء، وأن أمامهم جيلا جديدا مختلفا، لا يعرف في قاموسه غير الدولة الحرة والديمقراطية، الدولة المدنية التي تضمن الحقوق والواجبات بالتساوي.

وحتى إذا أمكن للجبهة أن تعود، فإنها كما أشار الدكتور عباسي مدني في أحد حواراته، لا يمكنها أن تعود كما كانت، لقد كانت تجربة مرتبطة بواقع وزمان مختلف عن واقع اليوم، إلا أنه لا مانع من تطوير الفكرة بحيث يمكن لأنصار الجبهة وقادتها أن ينخرطوا في العمل السياسي بتشكيل سياسي آخر، وبرنامج مختلف، ورؤية جديدة تستجيب للمتغيرات الكثيرة التي حصلت، على ألا تتكرر أخطاء الماضي، أو تعاد أساليب التحشيد السابقة، التي اعتمدت خطابا راديكاليا متشنجا، فكان نتيجتها أن تحول ذلك إلى مبرر في أيدي خصومها لوأد التجربة ومعها وأد الديمقراطية برمتها، قبل أن يستعيد الشعب الجزائري بعد 30 سنة من التيه السياسي المبادرة والوعي. 

الجبهة تعرضت لظلم شديد لكن عودتها مستبعدة

ويرى الكاتب والمحلل السياسي نصر الدين قاسم أن قاعدة الجبهة ما تزال حية ومهيأة وتمددت لتضم شبابا آخرين لا علاقة لهم بجبهة الإنقاذ، لأنهم لم يدركوا فترة رواجها وهيمنتها الشعبية، إنما سمعوا عنها وعن الظلم الذي تعرضت له والاضطهاد الذي طال قيادتها التاريخية ومناضليها. 

 



وقال نصر الدين قاسم في حديث لـ "عربي21"، "إن الحضور القياسي الذي حظيت به جنازة المرحوم عباسي مدني لم يكن مقتصرا على مناضلي الجبهة؛ فعدد الذين شهدوا الجنازة كان مهولا جعلها واحدة من أكبر الجنائز في تاريخ الجزائر المستقلة، إلى جانب جنازتي الراحلين هواري بومدين وحسين آيت أحمد. لقد حضر الكثير من الجزائريين الجنازة تضامنا مع الشيخ، لأنهم شعروا بالغبن والاضطهاد الذي مارسته عليه السلطة في حياته وفي مماته أيضا، والجزائريون معروفون بشهامتهم ورفضهم للظلم، فيتضامنون مع المظلوم دائما وينتصرون له".

لكن نصر الدين قاسم استبعد إمكانية عودة الجبهة للساحة السياسية، مشيرا إلى أن "قيادييها لا يرغبون في ذلك أو يسعون إليه، فقد نقل عن المرحوم عباسي قوله إن الجبهة كانت تجربة خاصة في ظروف خاصة ونصح بعدم تكرارها. فكل الظروف والترسبات والتجارب والمراجعات ترجح عدم عودتها، إلا إذا كان تحت تسمية غير تسميتها وببرنامج غير برنامجها".

ويعطي قاسم لذلك الأسباب التالية:

أولا؛ لأن الجبهة التاريخية تعرضت لإساءات كثيرة من طرف مناضليها الذين جنوا عليها بأخطائهم وممارساتهم الاستفزازية غير الديمقراطية، ومن طرف معارضيها الذين حملوها كل شرور الدنيا.

ثانيا؛ حملة التشويه والتخوين المركزة ـ والمتواصلة ـ التي سلطتها عليها السلطة ومختلف قوى الفتنة والاستئصال، مقابل تغييب صوتها وعرض وجهة نظرها وروايتها للأحداث، الأمر الذي وسع من قاعدة مناوئيها خاصة في أوساط الجيل الجديد منهم، وجعلها موضوعا خلافيا مثيرا للجدل.

ثالثا؛ حملة التعتيم والبهتان المنظمة التي تشنها وسائل الإعلام العلمانية والاسئصالية ضد الجبهة وقيادتها ومناضليها، وتحميلهم مسؤولية العشرية السوداء والجرائم المقترفة ضد الجزائريين دون بينة ودون قرائن أو أدلة، وفي غياب أي تحقيق محايد في المسألة.

وأشار في النهاية إلى أن كل هذا وأسباب موضوعية أخرى تتعلق بتفاصيل أخرى، تستبعد عودتها وتجعل العمل على عودة الحزب دون جدوى، وضرره أكبر من نفعه على الجبهة وقياداتها الحالية ومناضليها، فجبهة الإنقاذ كانت حدثا تاريخيا، وحده التاريخ كفيل بكشف كل الحقائق المتعلقة به.

يجب مناقشة عودة الجبهة داخل الهيئات المنتخبة

أما الكاتب والإعلامي عبد القادر جمعة، فيعتقد أن الجبهة كتيار سياسي ظل موجودا وله امتداد شعبي لا يمكن إنكاره، طوال الحقبة السابقة رغم منعه قانونا ورغم التضييق الذي طال كثيرا من رموزه، لكن الحديث عن عودته بعد نجاح الحراك سابق لأوانه من جهة، معتقدا أن هذا الطرح يستخدم ضمن استراتيجية التخويف الموجهة للجزائريين، بإعادة صور أليمة من تاريخ الجزائر القريب.

 



وفيما يتعلق بحق الجبهة في العودة إلى الحياة السياسية بشكل رسمي وقانوني، يعتقد عبد القادر جمعة في تصريحات لـ "عربي21" أنه من حق المناضلين والأنصار السابقين ممارسة العمل السياسي تحت الشروط والظروف نفسها التي تتاح لباقي الجزائريين، مع احترام القوانين والإجراءات والضوابط المطبقة على الجميع. أما عودة الجبهة كحزب باسمه السابق وشعاراته وبرنامجه، فهو ملف ينبغي أن يطرح للنقاش داخل الهيئات التي سيتم اختيارها بطريقة ديمقراطية فعلية في حال نجاح الحراك الحالي، لأنه موضوع مرتبط بحساسيات سياسية واجتماعية وحتى إنسانية، يجب معالجته بهدوء وفي إطار مؤسسات تمثيلية.

عودة الجبهة ممكنة والشباب لم يفقد الصلة بها

في المقابل لا تستبعد الصحافية نائلة بنرحال، المختصة في الشؤون الأمنية، عودة الجبهة مستغلة الحراك الشعبي لاسترجاع ما يقول أنصارها إنه حقهم، مشيرة في حديث لـ "عربي21"، إلى أن الحراك اليوم يرفع شعار عدم إقصاء أحد، ومنه قد يستغل بقايا رموز الجبهة الوضع للعودة بقوة، وقد أبانت جنازة الرقم الأول في الجبهة عباسي مدني عن واقع آخر، ليس فقط من حيث العدد لأنه يمكن إدراج ذلك ضمن الحراك الشعبي ومشاركة الشباب والمواطنين في المسيرات المختلفة، بل من خلال الشعارات التي رفعها المشاركون التي تؤكد وجود خلايا نائمة، كان يكفي أن تكون جنازة لرمز قوي لتستيقظ وتعلن الوفاء والالتزام ومواصلة المسيرة أو "الكفاح "حسب بعض الشعارات، موضحة أن من كان يعتقد أن الشباب ليست له صلة بالجبهة فقد أخطأ في الحساب، حيث ظهرت شريحة كبيرة منهم ولاءها لهذا الحزب مما يرشحها لتكون قاعدة مستقبلية له.

 



الجميع تعلم الدرس

مع كل المتغيرات السابقة، بات أمر الجبهة مفتوحا على كل الاحتمالات، وإن كان أمر عودتها بالشكل القديم مستبعد جدا، لكنه ليس مستحيلا، أما العودة بشكل آخر فهو الأقرب للمنطق، خاصة أن قادة الجبهة أنفسهم يستبعدون عودتها، علما أن البرلمان الجزائري كان أقر في 2011 يحول دون عودة الجبهة إلى الساحة السياسية، كما أن استمرار المطاردات الأمنية للرجل الثاني في الجبهة الشيخ علي بلحاج، ومنعه من التحرك وأحيانا حتى من أداء صلاة الجمعة في المسجد، رغم أن الجزائر في عز حراكها، يؤكد صعوبة الأمر، خشية أن تعود الجبهة لاكتساح الساحة من جديد، وتجد البلاد نفسها في النقطة نفسها التي كانت عليها قبل عقود.

لكن ما يجعل من أمر العودة إلى الممارسات البائدة، سواء لدى قادة الجبهة أو أقطاب النظام الحاكم، أن الجبهة التي كان أنصارها يرددون بالملايين في الشوارع شعارا (لا ميثاق لا دستور، قال الله قال الرسول) بكفر تام بقوانين الأرض الوضعية، وانتصارا للشريعة، هي الآن بأنصارها وقادتها في قلب الحراك، يرفعون عاليا شعارات الدولة المدنية، ويناقشون مواد الدستور، ويؤكدون الطابع السلمي والحضاري للمسيرات، وهو ما يقابله في الطرف الآخر من المعادلة، سلطة في جانبها العسكري على الأقل، تحمل روحا وطنية مخالفة تماما لجنرالات الدم في التسعينيات، وتراهن ألا تنزل قطرة دم واحدة من الجزائريين.

لقد استوعب الجميع الدرس القاسي.

 

رحل الرجل الأول في الجبهة الإسلامية للإنقاذ، وقد كان واحدا من رعيل الثورة الجزائرية ضد الاستعمار الفرنسي، وأحد رجالات الدولة الوطنية، ساهم بفعالية في أحداث تشرين أول (أكتوبر) 1988، والولوج إلى التعددية الحزبية، قبل أن يعود مرة أخرى إلى السجن ثم إلى المنفى الاختياري في الدوحة، حيث توفي.

 

وقد كان لافتا للانتباه، أن الإعلام الجزائري الرسمي، ممثلا في وكالة الأنباء والتلفزيون والإذاعة، تعاملت بحذر مع الجنازة، ومع ما رافقها من شعارات أعادت الوهج لأيام الجبهة الأولى.

 

التعليقات (1)
علي
الجمعة، 17-05-2019 07:52 م
ولماذا وقد رجعت جبهة القوة الاشتراكية FFS بعد ان حمل زعيمها السلاح وصعد الى الجيل في سنة 1963، وقتل اثر ذلك الاف الحزائريين، وسجن من سجن، وجرح من جرح ، وعذب من عذب ، وعادت جبهة القوة الاشتراكية للعمل السياسي، هل حلال على الجبهة الاشتراكية العمل السياسي ن وحرام على الجبهة الاسلامية للانقاذ