هذا الموقع يستخدم ملف تعريف الارتباط Cookie
في الجزء الثاني من المقابلة مع الدكتور أحمد المصطفى دالي أبرز نقاد فكر الحركات الإسلامية في السودان، يتناول أهم المسارات التي يمكن أن يتبعها مفهوم الإسلام السياسي لتحقيق النجاج في السودان بعد الإطاحة بنظام الرئيس عمر البشير الذي امتد لنحو 30 عاما، ويشير دالي إلى المقاربات التي تؤمن بها جماعة "الاخوان الجمهوريين" في السودان، واستخدمت في الحكم على مؤسسها محمود محمد طه بالردة وإعدامه في أواخر حكم الرئيس الأسبق جعفر نميري عام 1985م.
س ـ هل ثمة فرصة لتغيير جوهري وعميق في مقاربات الإسلام والدولة الحديثة؟
ـ الإجابة ببساطة شديدة، نعم، ثمة فرصة لتغيير جوهري وعميق في مقاربات الإسلام والدولة الحديثة. وهي مقاربة يمكن أن تجد تفاصيلها في كتب الأستاذ محمود محمد طه، "الإسلام" و"الرسالة الثانية من الإسلام" و"تطوير شريعة الأحوال الشخصية" و"من دقائق حقائق الدين".
ومما جاء في كتاب "الإسلام" للأستاذ محمود في مواجهة سؤالك الذكي الوارد أعلاه ما يلي:
"الفهم الذري للدين يجعله يناسب عصر الذرة، نعم فالعلم التجريبي الروحي - الدين - ليس جديدا ولكنه سيعود جديدا، لأن عصر الذرة يتطلب فهما ذريا للدين - أعني فهماً دقيقاً، يصل إلى نواة الدين، ويفجر تلك النواة تفجيراً يسمع له دوي أعتى من دوي تفجيـر النواة المادية، ولقـد ساير الدين طفـولة البشرية في سحيـق الآماد، وأحسن مسايرتها، وكان بها رفيقا، شفيقا، يمد لها في الأوهام، والأباطيل، التي كانت تكتنف تفكيرها، ريثما ينقلها، على مكث، وفي أناة، من وهم غليظ، إلى وهم أدق، ومن باطل غليظ إلى باطل أدق، وهكـذا، دواليك، حتى قطعت الإنسانية عهد الطفولة، ووقفت اليوم، في طور المراهقة، تستشرف إلى عهد الرجولة، والاكتمال. وأصبح على الدين دور جديد، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائر المضطرب - طور المراهقة ـ ليـدخل بها عهـد الرجـولة، والاكتمال".
الحوار هو سبيل تفكيك الجمود العقائدي والسياسي المسيطر على الانتاج الثقافي وسط نخب التيار الاسلامي
- المطلوب مراجعة فكرية عميقة ودقيقة لتجري تعديلا ضروريا يقبله العقل الموضوعي. ولكن قبل أن ندخل في بعض تفاصيل هذه المراجعة وهذا الفهم دعنا نلفت النظر إلى ما قال الأستاذ محمود محمد طه عن أن المسلمين اليوم ليسوا على شيء وأنه ليس هناك من وجود للإسلام إلا في المصحف. ولقد أدركت الناس نبوة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، حيث قال: "يوشك أن تداعى عليكم الأمم كتداعي الأكلة على القصعة. قالوا: أومن قلة نحن يومئذ يا رسول الله؟ قال بل أنتم، يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بكم".
فليس هناك مجتمع مسلمين وليس هناك أفراد مسلمين ولكننا غثاء كغثاء السيل لا يبالي الله بنا. والمخرج من هذا البعد البعيد هو الرجوع إلى الإسلام ببعث سنة النبي عليه أفضل الصلاة وأتم التسليم، كما ورد في الحديث: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا فطوبي للغرباء. قالوا من الغرباء يا رسول الله قال الذين يحيون سنتي بعد اندثارها".
فلبعث ثوابت الإسلام لا بد من بعث السنة. وسيكون ذلك البعث غريبا. وهو فهم غريب قد لا يقبله العقل الجمعي الذي أشرت إليه ولكنه لا بد له أن يقبله في نهاية المطاف لأنه لازمة من لوازم البعث. "ومن لم يسر إلى الله بلطائف الإحسان سيق إليه بسلاسل الامتحان." كما قال ابن عطاء الله السكندري.
والسنة في تعريف الأستاذ محمود لها "شريعة وزيادة". هي تكليف النبي صلى الله عليه وسلم في خاصة نفسه في حين أن الشريعة هي عمل الاصحاب إذ "لا يكلف الله نفسا إلا وسعها" وشتان ما بين وسع النبي عليه أفضل الصلاة والسلام ووسع أصحابه.
أصبح على الدين دور جديد، هو أن يقفز بالإنسانية عبر هذا الطور القلق الحائـر المضطرب
وللتمثيل على ذلك نذكر: يصلي الأصحاب عليهم رضوان الله خمس أوقات في اليوم والليلة بينما يصلي النبي عليه أفضل الصلاة والسلام خمس أوقات بالإضافة إلى صلاة الليل "يا أيها المزمل قم الليل إلا قليلا". ويصوم الأصحاب شهر رمضان بينما يصوم صلى الله عليه وسلم شهر رمضان ويضيف عليه صيام المواصلة، وهو صيام ثلاثة أيام وليلتين متتاليتن يفطر منه في مغيب شمس اليوم الثالث. وعندما أراد الاصحاب تقليدة في صيام المواصله نهاهم ولما قالوا أنا نراك تواصل يا رسول الله قال لهم: إني لست كأحدكم أني أبيت عند ربي يطعمني ويسقيني.
كان الفقير والمسكين من الأصحاب يأكل الصدقة بينما يقول النبي على الصلاة والسلام "الصدقة أوساخ الناس وهي لا تجوز لمحمد ولا لآل محمد"..
وللتوسع في معرفة الفرق بين السنة والشريعة يمكن مراجعة كتبنا: "من دقائق حقائق الدين" و"الرسالة الثانية من الإسلام" ففيهما من التفصيل ما لا تمكن منه مساحة مقال صحفي.
س ـ في منظور المستقبل أيضا، كيف يمكن تفكيك الجمود العقائدي والسياسي المسيطر على الإنتاج الثقافي وسط نخب التيار الإسلامي في السودان؟
- يمكن تفكيك الجمود العقائدي والسياسي المسيطر على الإنتاج الثقافي وسط نخب التيار الإسلامي في السودان، وغيرهم، بالحوار، الإقناع والاقتناع، في منابر حرة تطرح فيها الأفكار في جو حر ديمقراطي يعطي أصحاب الأفكار فرصا متكافئة في وسائل الإعلام والنشر لطرح أفكارهم علمانية كانت أم إسلامية للتعرض للتمحيص ومن يقنع الناس يذهب الناس معه.
وهناك شروط للداعية العصري نتقيد بها نحن الجمهوريون وهي ترد هكذا في كتابنا الثورة الثقافية: "والتبشير بالإسلام أمر يتطلب أن يكون المبشر، من سعة العلم بدقائق الإسلام، وبدقائق الأديان، والأفكار، والفلسفات المعاصرة، بحيث يستطيع أن يجري مقارنة تبرز امتياز الإسلام على كل فلسفة اجتماعية معاصرة، وعلى كل دين، بصورة تقنع العقول الذكية.. وأن يكون من سعة الصدر بحيث لا ينكر على الآخرين حقهم في الرأي.. وأن يكون من حلاوة الشمائل بحيث يألف، ويؤلف من الذين يخالفونه الرأي.. وهذه هي الصفات التي لا تكتسب إلا بالممارسة.. أعني ـ أن يمارس الداعي دعوته في نفسه، وأن يعيشها ـ أعني أن يدعو نفسه أولاً، فإن استجابت نفسه للدعوة دعا الآخرين.. فإن شر الدعاة هم الوعاظ الذين يقولون مالا يفعلون.. ففي حق هؤلاء وارد شر الوعيد.. قال تعالى: "يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون* كبر مقتاً عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون".. ومقت الله شر ما يتعرض له العبد.."
س ـ ما يحدث لتجارب الإسلام السياسي في السودان والمحيط الإقليمي، أهو صعود علماني لفشل إسلامي كما عبر الباحث المصري مروة فكري؟
- ما يحصل هو بلا أدنى ريب فشل لحاملي فهم الإسلام السياسي ولكنه على التحقيق ليس فشلا للإسلام. إذ ليس لبشرية اليوم من مخرج إلا بالإسلام "من يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". ولكن بشرط أن يفهم الإسلام على حقيقته والتي قلت مرارا في هذا المقال أن تفصيله يقع في كتب الفكرة الجمهورية التي زادت على المائتي كتاب.
س ـ هل مخاوف المسلمين من تيار العلمنة والليبرالية الحديثة مبرر أم متوهم؟ وهل نتوقع صعودا علمانيا للسلطة في السودان، وانحسارا إسلاميا؟
- نحن نعتقد أن الدعوة للعلمانية دعوة قاصرة وهذا أمر يطول شرحه وهي دعوة تفترض أن الفهم الديني الوحيد للإسلام هو فهم الإسلام السياسي الإخواني والوهابي مما يزيد في تضليل الشعب. ولقد رأى الناس دعاة ذلك الفكر وقد بدأوا الهياج والتهييج من على منابر المساجد يخوفون الناس بأن الإسلام في خطر من هجمة العلمانيين بعد أن وصفوا خصومهم السياسيين، الذين أسموهم العلمانيين، من الذين كرهوا الفساد باسم الدين، وصفوهم بكل رذيلة بعد أن صلوا معهم الجمعة والجماعة.
س ـ يرى بعض الباحثين بعدم وجود فروقات فكرية حادة بين كافة المذاهب الإسلامية الفكرية والسياسية في السودان بما فيهم الإخوان الجمهوريون، والسلفية وجماعة الإخوان والحركة الإسلامية حول مفهوم الإسلام السياسي، وإنما هي خلافات تطبيقية، أي التيارات تملك تصورات متماسكة ومنفردة لمواجهة المستقبل؟
- من لا يرى أن هناك فرقا بين الفكرة الجمهورية والأفكار السلفية لا يمكن أن أصفه بأنه قارئ في أي مستوى من المستويات، دع عنك باحث.
كيف لباحث نفترض أنه قرأ كتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" وقرأ أبوابه التي تقول: الجهاد ليس أصلا في الإسلام، الرق ليس أصلا في الإسلام، الرأسمالية ليست أصلاً في الإسلام، عدم المساواة بين الرجال والنساء ليس أصلاً في الإسلام، الطلاق ليس أصلاً في الإسلام، الحجاب ليس أصلاً في الإسلام، تعدد الزوجات ليس أصلاً في الإسلام، المجتمع المنعزل رجالة عن نسائه ليس أصلاً في الإسلام، المساواة الاقتصادية: الاشتراكية، المساواة السياسية: الديمقراطية، المساواة الإجتماعية: محو الطبقات والفوارق.
كيف لنا أن نفترض أن الباحث قرأ كتاب "تطوير شريعة الأحوال الشخصية" و"كتاب الإسلام برسالته الأولي لا يصلح لإنسانية القرن العشرين" وكتاب "الرسالة الثانية من الإسلام" إلى آخر كتب الفكرة الجمهورية التي تعرض مجانا على صفحة الفكرة الجمهورية على الأنترنت https;//www.alfikra.org.
كيف لنا أن نفترض أن ذلك الباحث قرأ كل تلك الكتب أو بعضها واستمع لتسجيلاتها ثم خلص لأنه لا فرق بين الفكرة الجمهورية وكافة المذاهب الإسلامية؟