نشر الصحفي البريطاني المعروف، بيتر أوربون، مقالا في صحيفة "ميدل إيست آي" البريطانية، تحدث فيها عن موقف بلاده من قادة الانقلاب العسكري في
مصر، وهجوم الحكومة البريطانية مؤخرا على جماعة الإخوان.
ويرى أوربون أن
بريطانيا قررت "انتهاج استراتيجية جديدة تقوم على استرضاء
الطغاة العرب".
وأشار إلى أن "وزيرا بريطانيا وجه في تصريحات له، الأسبوع الماضي، في القاهرة، رسالة إلى الديمقراطيين في كافة أرجاء الشرق الأوسط، مفادها أن بريطانيا لن تساندهم".
وفيما يلي نص المقال:
تظاهرت بريطانيا بالحياد عندما قاد المشير عبد الفتاح
السيسي انقلابا عسكريا في الثالث من يوليو/ تموز 2013 ضد محمد مرسي، رئيس مصر المنتخب ديمقراطيا.
لم يكن ذلك مقنعا على الإطلاق. ما من شك في أن بريطانيا باركت الانقلاب ضمنيا. فلم يحدث بتاتا أن أطلق رئيس الوزراء دافيد كاميرون، ولا أحد من وزرائه على استيلاء السيسي على السلطة اسم انقلاب، وهو الوصف الحقيقي لما وقع.
سرعان ما بدأت بريطانيا بتزويد نظام السيسي المستبد بالسلاح، وبعد ما يزيد قليلا عن عامين جاء السيسي إلى لندن في زيارة رسمية للالتقاء بكاميرون.
ومع ذلك، لم يخل تعامل بريطانيا مع الحكومة العسكرية المصرية من قدر من الحذر. أما الآن فقد تم التخلي عن ذلك.
وخلال زيارته إلى مصر الأسبوع الماضي لم يقصر أليستر بيرت، وزير شؤون الشرق الأوسط، في التعبير عن توليه المقزز لنظام السيسي.
وليس هذا فحسب. بل ذهب بيرت إلى أبعد من ذلك حين أعلن عن معارضة بريطانيا وازدرائها لجماعة الإخوان المسلمين بشكل لم يسبق أن صدر عن وزير بريطاني من قبل.
لقد وجه رسالة حول جماعة الإخوان المسلمين لا يمكن إلا أن تكون قد صممت عمدا بحيث تدخل البهجة والسرور ليس فقط على نفس الحكومة العسكرية المصرية وإنما أيضا على نفس المملكة العربية السعودية وعلى نفوس حلفائها في الخليج.
نهاية هذا الغموض
في مقالة مذهلة نشرت في صحيفة الأهرام المصرية -الذراع الإعلامي للمؤسسة الرسمية والمقربة جدا من النظام- خصص بيرت جزءا كبيرا من المقال لشن هجوم مباشر على جماعة الإخوان المسلمين.
لقد هاجم الجماعة بحجة ارتباطها بالتطرف مؤكدا على أن بريطانيا كانت قد فرضت حظرا شاملا وتاما على إجراء أي اتصال مع الجماعة منذ عام 2013.
وقال بيرت: "لقد آن الأوان لكل من يدافع عن الإخوان المسلمين في لندن أو القاهرة أن يضع حدا لهذا اللبس والغموض."
لم يكن مستغربا أن تقابل تصريحات بيرت في القاهرة بابتهاج شديد، حيث اعتبر أنها تضفي شرعية على نظام مازال الكثيرون يرونه نظاما فاقدا للشرعية. ما من شك، بالإضافة إلى ذلك، في أن تصريحات بيرت منحت السيسي رخصة لكي يمضي قدما في قمعه الوحشي للإخوان.
وأصبح ذلك جليا عندما ذهبت شخصيات مؤيدة للحكومة تستدل بمقالته لتبرير ما ينتهجه السيسي من سياسات غاية في القسوة والوحشية.
فطبقا للكاتب عبد اللطيف المناوي، أحد أبرز الصحفيين في القاهرة، لقد شق بيرت طريقا جديدا. وفي مقال نشرته له عرب نيوز تحت عنوان "حتى لا تكون لديكم أوهام بشأن الإخوان" – وهو مقال مترجم عن عمود له نشره باللغة العربية موقع المصري اليوم بتاريخ 23 أغسطس – قال المناوي لقرائه حول الموقف البريطاني الجديد: "أعتقد أن هذا الطرح الجديد يعد تطورا كبيرا في الرؤية البريطانية أظن أن علينا أن نبني عليها."
وكشف المناوي عن أن مقالة بيرت جاءت بعد لقاءات جرت محليا مع سفير بريطانيا في القاهرة جون كاسون.
وبحسب ما أورده المناوي، فقد تحدث كاسون عن اتجاه جديد على السياسة البريطانية في إطار تعاملها مع الإرهاب ومواجهة خطره، وأيضا قدم ما يمكن اعتباره موقفا جديدا حول رؤية بريطانيا لجماعة الإخوان المسلمين."
إذا كان ما قاله المناوي صحيحا، فإن تصريحات بيرت لم تأت من فراغ، بل يبدو أنها صيغت بعناية، وينبغي أن ينظر إليها على أنها جزء من الاستراتيجية البريطانية الجديدة تجاه مصر والعالم العربي.
أين هي المخاوف تجاه وضع حقوق الإنسان؟
في مقاله المنشور في صحيفة الأهرام يدعي بيرت أن "الحرب البريطانية على الإرهاب تشن ضمن إطار متين يكفل حماية حقوق الإنسان."
إلا أنه لم يشر في مقاله بأي شكل من الأشكال إلى انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها نظام السيسي، علما بأن تقريرا صدر العام الماضي عن الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان يؤكد أن ما يقرب من ستين ألف سجين ومعتقل سياسي يقبعون وراء القضبان في السجون المصرية.
ما من شك في أن مؤيدي الرئيس السابق محمد مرسي وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين يشكلون نسبة كبيرة من هذا الرقم، حيث تقول جماعة الإخوان المسلمين نفسها أن ما يقرب من تسعة وعشرين ألفا من أعضائها هم الآن رهن الاعتقال.
وبحسب تقرير صدر في عام 2016 عن لجنة حماية الصحفيين تحتل مصر المرتبة الثالثة من بين الدول الأكثر احتجازا للصحفيين، وذلك بعد تركيا والصين. وتقول منظمة هيومان رايتس وواتش إن ضباط وكالة الأمن الوطني المصرية لديهم سجل حافل بممارسة التعذيب والاختفاء القسري بشكل منتظم ضد المحتجزين، ودون مواجهة ما يستحق الذكر من المساءلة والمحاسبة.
ليس بالأمر الهين أن يغفل بيرت التطرق لأي من هذه الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان.
ولا يقل جسامة عن ذلك قرار بيرت ربط معركة بريطانيا المحلية ضد الإرهاب الإسلاموي مع الحرب المصرية على الإرهاب.
ذهب بيرت إلى افتراض أنه لا يوجد ثمة فرق يذكر بين نضال بريطانيا المحلي ضد الإرهابيين الإسلامويين والمعركة غير القانونية التي يخوضها الرئيس السيسي ضد جماعة الإخوان المسلمين في مصر.
وأعلن بيرت أن بريطانيا ومصر "ما فتئتا تخوضان حروبهما ضد الإرهاب منذ ما يزيد عن أربعين عاما."
هذا تصريح مضلل للغاية. علينا أن نستحضر حقيقة أن التهديد الإرهابي الذي تواجهه بريطانيا إنما يأتي بالدرجة الأولى من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية وكذلك من غلاة العنصريين في اليمين المتطرف.
وهذه بالتأكيد جماعات عدمية تعادي الديمقراطية وسيادة القانون ولا ترى سوى العنف سبيلا ولا تتورع عن التدمير والتخريب بكل استهتار وعبثية.
وهذا لا ينطبق بحال على جماعة الإخوان المسلمين المصرية.
عالم مختلف
لابد أن بيرت وكاسون يعلمان علم اليقين أن جماعة الإخوان المسلمين المصرية ألزمت نفسها بانتهاج الأساليب السياسية السلمية لما يزيد عن أربعة عقود، وأنها ظلت ملتزمة بعدم اللجوء إلى العنف منذ الانقلاب العسكري الذي استولى على السلطة قبل أربعة أعوام.
وتدرك وزارة الخارجية البريطانية جيدا أن ثمة فرقا شاسعا – أوسع من الكون نفسه – ما بين تنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة من جهة وجماعة الإخوان المسلمين من جهة أخرى. وتعلم الخارجية جيدا أن جماعة الإخوان المسلمين لا تدعو إلى العنف ولا تحرض عليه، وتفهم الخارجية كذلك أن الطغاة من أمثال السيسي يكرهون الإخوان ليس لأنها جماعة تمارس العنف ولكن لأنها تمثل المعارضة الديمقراطية ضد الدكتاتورية.
لعل من المفيد في هذا الحيز الاقتباس مطولا مما كتبه بيرت في مقاله في صحيفة الأهرام لإعطاء فكرة عن العداوة الجديدة التي ظهرت في نغمة خطاب بريطانيا تجاه الإخوان المسلمين:
"سيتم فرض رقابة مشددة على سلوك جماعة الإخوان المسلمين وأنشطتهم بما في ذلك طلبات استخراج التأشيرات لهم، مصادر تمويل الجمعيات الخيرية، وعلاقات التنظيم الدولية، وتعد بريطانيا الآن واحدة من الدول القليلة في العالم التي حظرت جذريا أي اتصال لها بجماعة الإخوان من عام 2013.
ومن خلال رصدنا لأنشطة جماعة الإخوان المسلمين حول العالم، أصبح من الواضح فعلا أن هذا التنظيم يلجأ إلى استخدام الغموض لإخفاء أجندته المتطرفة في مصر.
إن أساليب المراوغة التي يمارسها التنظيم والتي رصدها معدو التقرير البريطاني عام 2015 مازالت مستمرة في عام 2017. لقد آن الأوان لكل من يدافع عن الإخوان المسلمين في لندن أو القاهرة أن يضع حدا لهذا اللبس والغموض.
ما سبق يقودنا إلى سؤال من يدعم التنظيم: هل ستتجاهلون حقيقة أن جماعة الإخوان المسلمين يفشلون في أحد أكبر تحديات عصرنا الحاضر؟ أم ستفضلون الانضمام إلى بريطانيا ومصر في إدانتهما هذا الفكر المتطرف المسموم أينما وُجِد؟"
استرضاء الطغاة
لماذا لجأ أليستر بيرت إلى التصريح بهذه المواقف؟
اتصلت بوزارة الخارجية لأستفسر فيما إذا كانت مقالة بيرت وما ذكره السفير كاسون في بعض لقاءاته يشير إلى تبدل في السياسة الخارجية البريطانية تجاه محاربة الإرهاب وجماعة الإخوان.
وردا على استفساراتي، أحالني مسؤول في الخارجية إلى رد الحكومة الصادر في فبراير / شباط الماضي على التحقيق الذي أجرته في العام الماضي لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان البريطاني حول المراجعة التي تمت بشأن الإسلامي السياسي وجماعة الإخوان المسلمين.
وقال المسؤول إن مقالة بيرت كان الهدف منها "هو التوضيح بأن المملكة المتحدة صارمة في مواجهة التطرف وستزداد صرامة كما أعلنا عن ذلك في عام 2015 {عندما نشرت نتائج التحقيق الذي أجري بحق جماعة الإخوان المسلمين}، وهذا يتضمن التصدي لكل الجماعات بما في ذلك الإخوان المسلمين حينما تتناقض مع قيمنا ومصالحنا."
وأضاف إن المقال ما هو إلا "نموذج للمقاربة البريطانية التي تفوق في تفاعلها الاستباقي أيا من مقاربات البلدان الغربية الأخرى."
وماذا عن لقاءات كاسون وما يصرح به فيها؟ إنها مبنية على المواقف ذاتها.
دعوني الآن أحل لكم لغز ذلك كله: أعتقد أن بريطانيا قررت انتهاج استراتيجية جديدة تقوم على استرضاء الطغاة العرب.
لقد وجهت تصريحات بيرت في القاهرة الأسبوع الماضي رسالة إلى الديمقراطيين في كافة أرجاء الشرق الأوسط، مفادها أن بريطانيا لن تساندهم.
وبذلك تكون الحكومة البريطانية أكدت ما كانت تذهب إليه القاعدة من أن الادعاءات الغربية بدعم الديمقراطية في المنطقة ادعاءات زائفة وحالة من النفاق، وتكون في الوقت ذاته منحت تطمينات لا حدود لها لواحد من أعتى الطغاة في منطقة الشرق الأوسط، بينما يستمر في قمع حرية التعبير ومحاربة الديمقراطية وانتهاك سيادة القانون.