هزت المجتمع
المصري في الأيام الأخيرة، العديد من الصور التي تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، والتي تكشف عن تزايد مظاهر
الفقر الشديد في البلاد.
وأظهرت إحدى هذه الصور سيدة فقيرة ترفع لافتة أمام ديوان عام محافظة الشرقية بمدينة الزقازيق، تعرض فيها بيع أحد أبنائها الأربع، حتى تتمكن من الإنفاق على إخوته الثلاثة.
وسبق هذه الصورة بأيام قليلة في المحافظة ذاتها؛ قيام رجل فقير بعرض كليته للبيع، حتى يستطيع مواجهة أعباء الحياة. ورفع الرجل لافتة مكتوبا عليها: "خبر عاجل.. أريد بيع كليتي للحصول على سكن لأولادي"، مذيّلا اللافتة باسمه الكامل ورقم هاتفه.
ابتزاز رخيص
ورغم أن هذه المشاهد أثارت موجة غضب على مواقع التواصل الاجتماعي؛ فإن المسؤولين قابلوها باتهام هؤلاء الفقراء بأنهم خونة يتلقون أموالا من أعداء الدولة؛ لتشويه صورتها وابتزاز النظام.
وقال محافظ الشرقية اللواء خالد سعيد، إن السيدة التي عرضت أحد أبنائها للبيع؛ زوجة موظف بالإدارة المحلية تم نقله إلى موقع آخر، متهما إياها بأنها "تتاجر بأولادها في مشهد مشين، وابتزاز رخيص، كوسيلة ضغط على المحافظة من أجل عودة زوجها".
وأضاف المحافظ في بيان له الخميس الماضي، أن "الرجل بطل الواقعة الثانية؛ وقف لوقت قصير أمام ديوان المحافظة، ثم اختفى، وعندما حاول المسؤولون الاتصال برقم الهاتف الذي كان مكتوبا على اللافتة؛ تبين أنه غير صحيح".
وأكد المحافظ أن مكتبه مفتوح طوال الوقت لمساعدة المواطنين "دون الحاجة إلى مثل تلك الأفعال غير الشرعية" على حد وصفه.
تزايد معدلات الفقر
وأصبح مشهد الطوابير الطويلة أمام شاحنات الجيش التي تبيع سلعا مخفضة؛ أمرا معتادا في الشوارع والميادين الرئيسة. وأكد مواطنون تحدثوا لـ"عربي21" أن "كثيرا من السلع الأساسية، مثل الأرز والمعكرونة والعدس والألبان، لم تعد في متناول يدهم بسبب ارتفاع سعرها".
وأعلن الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، وصول نسبة الفقر في مصر إلى 27.8 بالمئة، وذلك في آخر إحصاء له في 2015، علما بأن العامين الأخيرين شهدا -بحسب مراقبين- زيادة هائلة في نسب الفقر في البلاد؛ بسبب الإجراءات الاقتصادية التي اتخذها نظام
السيسي.
ويقول مراقبون إن معدلات الفقر في مصر زادت بسبب شروط قرض صندوق النقد الدولي المرتبطة بخفض الدعم الحكومي للسلع الأساسية وتعويم الجنيه، وهو ما أسفر عن موجة هائلة وغير مسبوقة من ارتفاع الأسعار.
السيسي لا يملك إلا الوعود الكاذبة
وتعليقا على هذه الأحداث؛ قال أستاذ العلوم السياسية عبدالخبير عطية، إن "ما يحدث هو أمر طبيعي؛ سببه الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية المتردية نتيجة سوء تخطيط النظام الحاكم"، مشيرا إلى أن "الأمور في البلاد أصبحت تسير من سيئ إلى أسوأ، وتزايدت سريعا أعداد المواطنين الذين يعيشون تحت خط الفقر".
وأضاف لـ"عربي21" أن "من الطبيعي في ظل هذه الأوضاف الصعبة؛ أن نجد أشخاصا يعرضون أحد أولادهم للبيع، كي يتمكنوا من الإنفاق على باقي الأولاد، ويوفروا لهم مستقبلا أفضل"، لافتا إلى أنه "في المقابل؛ نجد الرئيس عبد الفتاح السيسي يطالب في كل خطاب له المواطنين بالتحمل، رغم أن الحال قد ضاق بهم، وما عادوا قادرين على التحمل أكثر".
ورأى عطية أن "مؤيدي النظام يعيشون في كوكب آخر، ويرون أن أي شخص يعارض النظام خائن وعميل، وأن أي مظاهر سلبية في المجتمع؛ غير حقيقية ومصطنعة؛ لأنهم لا يريدون أن يعرفوا الحقيقة، ويعيشون أمل تحقق الوعود الوهمية التي يرددها دائما السيسي، والتي أثبتت السنوات الأربع الماضية عدم تحقق شيء منها".
الأوضاع فوق الاحتمال
من جانبها؛ قالت أستاذة علم الاجتماع هبة زكريا، إن "ظاهرة بيع بعض الأسر لأطفالها أصبحت موجودة في المجتمع بسبب شدة الفقر، والخشية من الموت جوعا".
وأضافت زكريا لـ"عربي21": "في الماضي؛ كانت هناك ظاهرة التبني، حيث كانت الأم تترك ابنا لها عند أسرة ثرية ترعاه وتتكفل بنفقته، وكانت الأم تزوره كل فترة، ولكن ما يحدث الآن هو أن الأمهات أصبحن يضطررن إلى بيع أولادهن بسبب الفقر والظروف الصعبة".
وأكدت أنه "لا يمكن لوم هؤلاء الأمهات؛ لأن الأوضاع الاقتصادية أصبحت فوق الاحتمال، وارتفاع الأسعار أرهق الأغنياء والأسر متوسطة الحال، فما بالنا بالفقراء؟"، لافتة إلى أن "مؤيدي النظام هم الذين يشوهون صورة مصر، وليس الفقراء الذي لا يجدون ما يسد جوعهم".