انتقلت
مصر من لعب دور المحرك في عملية السلام بين
الفلسطينيين والإسرائيليين، إلى لعب دور "عراب
التطبيع" بين العرب وإسرائيل، حيث يعمل عبد الفتاح
السيسي على الاستفادة من أوراق نفوذ
إسرائيل خارجيا لتعزيز نظامه، وفق ما ذهب إليه العديد من المراقبين والسياسيين.
وبالرغم من تصريحاته الأخيرة عن ضرورة تحريك عملية السلام، تذيلت القضية الفلسطينية قائمة أولويات نظام عبد الفتاح السيسي منذ انقلاب 3 تمو/ يوليو، بالتزامن مع إحكام الحصار على قطاع غزة، وشن عمليات عسكرية في شمال سيناء تحت شعار الحرب على الإرهاب.
صراع وجود لا حدود
وردا على محاولة التطبيع من قبل النظام وبعض أذرعه السياسية والإعلامية، قال الناشط الحقوقي والمرشح الرئاسي السابق، خالد علي، إن "الأزمة أزمة وجود وليست أزمة صراع حدود، كل سلطة تحاول استخدم الكروت (البطاقات) في صالحها لتثبيت وجودها بقدر الإمكان، ولكن في النهاية رأي الشعب هو الذي يحدد طبيعة العلاقة مع إسرائيل، فالغالبية ترفض أي تطبيع"، كما قال.
ورأى أنه "رغم كل محاولات السلطات للدخول في علاقات طبيعية مع إسرائيل، إلا أن الموقف الشعبي واضح"، مشيرا إلى أن "الموقف الرسمي تمليه معاهدة السلام، ومصالح مشتركة، وتحالفات استراتيجية بين تل أبيب والقاهرة، لكن الذي يملي الموقف الشعبي هو الدم والأرض".
وعزا تراجع الدور المصري في القضية الفلسطينية إلى "انشغال النظام والأنظمة العربية برمتها بالقضايا الداخلية المتأزمة (..)، إضافة إلى أن الصراع الفلسطيني الفلسطيني أثر بالسلب على القضية".
كامب ديفيد و30 يونيو
بدوره، رأى الكاتب الصحفي المصري، أسامة البشبيشي، لـ"
عربي21"، أن "العسكر منذ كامب ديفيد صاروا أداة للعدو الصهيوني واتخذوا أجندة تخدم مخططه في المنطقة تهدف للقضاء على التيار الإسلامي المعتدل، وهو ما أعلنه صراحة وزير الدفاع الصهيوني موشيه يعلون أنه تم التخطيط لـ 30 يونيو للإطاحة بمرسي باعتباره أول رئيس مدني ذي خلفية إسلامية".
وأعرب عن اعتقاده بأنه "لا دور لمصر في حل القضية الفلسطينية عقب الانقلاب العسكري الفاشي، فالسيسي جاء منفذا لأجندة الصهاينة داخل مصر بامتياز، ومحققا لطموحاتهم في القضاء على الصحوة العربية الصاعدة بدءا من مصر"، كما قال.
واستدرك قائلا: "العسكر يتعاملون مع ملف القضية الفلسطينية حسب مصالحهم الرامية إلى بقائهم في السلطة أكبر فترة ممكنة، بتأكيد حفاظهم على أمن العدو الصهيوني واعتباره شريكا استراتيجيا يضمن لهم رضا الدول المانحة للمعونات واستمرار تدفقها، وشرعنة انقلابهم الدموي دوليا".
نظام بوجهين
أما المفكر السياسي وأستاذ العلوم السياسية، أحمد دراج، فذهب إلى القول بأن "كل نظام سياسي في مصر له أولوياته، ولديه سقف محدد يتحرك ضمنه"، موضحا أنه "عندما يكون النظام خائفا من إسرائيل، ويحسب لتأثيرها الدولي ألف حساب، يجبره ذلك على وضع القضية الفلسطينية في ذيل اهتمامته".
وأضاف لـ"
عربي21": "علينا أن ندرك أن هناك أجندتين للنظام: ظاهرية وباطنية، أو أجندة إعلامية وأخرى فعلية، فتراه يضع القضية الفلسطينية في قمة أجندته الإعلامية، وفي الوقت ذاته يضعها في مؤخرة أجندته الفعلية"، بحسب تعبيره.
واعتبر دراج أن "حملة النظام ضد الإسلام السياسي تلقى تأييدا لدى الإسرائيليين".
وبشأن التقارب المصري الإسرائيلي سياسيا وعسكريا، قال دراج: "ليس هناك أكثر تقاربا من تهنئة وزير خارجية مصر لإسرائيل بذكرى إنشاء دولة الاحتلال"، مضيفا: "لديك نظام سياسي يتعامل مع إسرائيل بقوة، وهناك رغبة شديدة في التطبيع بكل الوسائل".
واعتبر دراج أنه "ليس هناك أدل من تعزيز التعاون الاقتصادي من إدراج الشيكل الإسرائيلي ضمن عملات البنك المركزي، كما أن قضية جزيرتي تيران وصنافير تصب في الاتجاه نفسه، وتخدم الاستراتيجية الإسرائيلية بشكل واضح، وتفتح المجال بين إسرائيل والسعودية ومن ثم الخليج، وتعطيهم مسوغا أمام شعوبهم لتبرير التعامل مع إسرائيل"، وفق تقديره.
التغيير قادم
بدوره، أرجع مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، فؤاد معصوم، التباين بين الموقفين الرسمي والشعبي في مصر؛ إلى "ارتباط مصر باتفاقات دولية مع إسرائيل"، ولكنه استدرك قائلا: "إلا أن ذلك لا يلزم الشعب المصري بها، وأعتقد أنه سيأتي اليوم الذي يطالب فيه المصريون، بإلغاء هذه الاتفاقيات".
وقال لـ"
عربي21": "الأنظمة العربية أنظمة استبدادية، معادية لشعوبها، وحرياتها، وتحررها"، معتبرا أن "العلاقة بين الحرية والقضية الفلسطينية وثيقة، فكلما زادت حرية الشعوب، اقترب موعد تحرير الأراضي المحتلة".