كتب مراسل صحيفة "نيويورك تايمز" ديكلان وولش، تقريرا عن مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو
ريجيني (28 عاما)، مشيرا إلى أن الحادث فتح النقاش حول الاستقرار في
مصر.
ويشير التقرير إلى أن جثة ريجيني قد اكتشفت في 2 شباط/ فبراير، ملقاة على طريق صحراوي قرب القاهرة، وظهرت على الجثة آثار تعذيب وكدمات على الرأس، لافتا إلى أنه منذ اختفائه في كانون الثاني/ يناير واكتشاف جثته، فقد انتشرت نظريات صارخة حول هوية المسؤول عن مقتله وكيفية قتله.
وتذكر الصحيفة أن المسؤولين المصريين والإعلام الموالي للنظام، تحدثوا عن نظريات متعددة، منها مقتله بسبب حادث سير، ومغامرة جنسية فشلت، ومخدرات، وتجسس، واغتيال غامض، واتهام جماعة الإخوان المسلمين المحظورة.. وكل شيء غير الذي تراه واشنطن وروما، وهو أن وفاة ريجيني جاءت بسبب اختطافه وتعذيبه على يد قوات الأمن التابعة للنظام.
ويلفت وولش إلى أن القضية لا تزال تحتل عناوين الإعلام في مصر وإيطاليا، ويقول المسؤولون الغربيون إن الفضيحة عززت من مظاهر قلقهم حول مشكلة أوسع، فهم يعبرون عن قلق من أن تصعيد القمع السياسي وانتهاكات حقوق الإنسان في مصر هما إشارات عن ضعف الرئيس عبد الفتاح
السيسي وقبضته على السلطة، بشكل يهدد استقرار مصر، التي تعد من حلفاء الولايات المتحدة المهمين في المنطقة.
ويكشف التقرير عن أن التقارير عن حالات الاختفاء والتعذيب والاختطاف ووحشية قوات الأمن زادت في الأشهر القليلة الماضية، وهو ما قاد إلى نقاش في العواصم الغربية حول كيفية التعامل مع مصر، مشيرا إلى أن وزير الخارجية جون كيري التقى مع أركان وزارته الأسبوع الماضي لمناقشة الموضوع وكيفية التعامل معه.
وتنوه الصحيفة إلى أن البرلمان الأوروبي أصدر قرارا وصف فيه مقتل ريجيني بأنه "رسالة تثير القشعريرة"، ونابعة من "مناخ الحصانة شبه الكامل من العقاب"، التي تتمتع بها قوات الأمن المصرية، لافتة إلى أن ميشيل دان من مركز كارنيغي للسلام العالمي في واشنطن تقول إن "انتهاك حقوق الإنسان والقمع السياسي يدفعان نحو التطرف والإرهاب بشكل يؤثر على الاقتصاد وإمكانية تعافيه بشكل جيد".
ويستدرك الكاتب بأنه رغم تعهد السيسي بأنه لن يفوت أي فرصة لكي يجد قتلة ريجيني ويعاقبهم، إلا أن أي أمل بأنه سيقوم بالبحث عنهم ضمن صفوف قواته تلاشى، في تصريحاته للصحيفة الإيطالية "لاريبابليكا"، التي تحدث فيها عن أعداء لم يسمهم قاموا بارتكاب الجريمة "لتشويه العلاقات" بين البلدين.
ويذهب التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، إلى أن وضع حقوق الإنسان ازداد سوءا منذ وصول عبد الفتاح السيسي إلى السلطة عبر انقلاب على الرئيس المنتخب محمد مرسي عام 2013، حيث تقول منظمات الدفاع عن حقوق الإنسان إن المئات من الأشخاص اختفوا في مراكز اعتقال ينتشر فيها التعذيب، وإن الغضب على وحشية الشرطة في زيادة مستمرة، فقد اندلع العنف والتظاهرات في حي من أحياء القاهرة، بعدما قام عنصر من الشرطة بإطلاق النار على سائق سيارة أجرة وقتله.
وتبين الصحيفة أن الجماعات التي توثق قضايا حقوق الإنسان وتسجلها تتعرض لضغوط شديدة، حيث هددت الحكومة بإغلاق مركز النديم، الذي يقوم بتقديم المساعدة لضحايا التعذيب، وصدرت أوامر بمنع سفر ناشطي حقوق إنسان، وجمدت حسابات بعضهم في البنوك، وقال معهد دراسات حقوق الإنسان في القاهرة إن تحقيقا في عمل 37 منظمة عمل مدني تحصل على دعم من الخارج هو جزء من محاولة "إبادة حركة حقوق الإنسان في مصر".
وينقل وولش عن المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأمريكي نيد برايس، قوله: "تشعر الولايات المتحدة بالقلق من وضع حقوق الإنسان في مصر"، مشيرا إلى أن المسؤولين يرفضون المزاعم بوجود أزمة حقوق إنسان في مصر، وينفون أي علاقة للدولة بمقتل ريجيني، ويقول المتحدث باسم الخارجية المصرية أحمد أبو زيد، إن مصر "مكرسة وبشكل لا يدعو للشك لاحترام حقوق الإنسان".
ويعلق التقرير بأن قرار البرلمان الأوروبي رمزي، خاصة أن معظم الدول الأوروبية حذرة في نقدها أو توجيه توبيخ لبلد له علاقة استراتيجية في مكافحة الإرهاب، حيث أن البوارج الحربية تعبر بشكل مستمر قناة السويس، فيما عقدت فرنسا صفقة أسلحة مع مصر تشمل على 24 مقاتلة وبارجتين حربيتين، وتقوم شركة الغاز الإيطالية "إينيل" بتطوير حقل ضخم للغاز في المياه المصرية، وأكثر من هذا، فإن الغرب يعد مصر حاجزا ضد تنظيم الدولة، الذي بنى قواعد له في سيناء وليبيا الجارة لمصر.
وتورد الصحيفة نقلا عن كيري قوله إنه "ينبغي علينا أن نكون حذرين، فمحاولات ربط المساعدة المالية السنوية 1.3 مليار دولار للجيش المصري بشروط تحسين سجل حقوق الإنسان لم تؤد إلى نتائج". ويقول مسؤول في الخارجية إن جزءا من المشكلة نابع من كون الاستخبارات الامريكية "سي آي إيه" والبنتاغون لا يعدان حقوق الإنسان أولوية في التعامل مع مصر، ويضيف المسؤول الأمريكي: "نشعر بقلق من الرسائل الصادرة عن حكومة الولايات المتحدة".
ويجد الكاتب أنه مع ذلك فإن قضية ريجيني، طالب الدكتوراة في جامعة كامبردج، الذي جاء إلى مصر لدراسة الاتحادات العمالية في مصر، والغضب الذي رافق مقتله، أثارا التركيز من جديد على قضية حقوق الإنسان.
ويشير التقرير إلى أن ريجيني اختفى في 25 كانون الثاني/ يناير، في الوقت الذي كانت فيه قوات الأمن تنزل للشوارع بكثافة؛ من أجل منع تظاهرات في الذكرى الخامسة للإطاحة بنظام حسني مبارك، لافتا إلى أنه عندما عثر على جثته بعد تسعة أيام كانت تحمل آثار التعذيب، وكانت أضلاعه ورجلاه مكسرة، بالإضافة إلى وجود كدمات كثيفة وحروق بالسجائر في جسده، وكانت أظافره مقلوعة ورقبته مكسورة.
وتذكر الصحيفة أن طبيعة الجراح التي تسببت بمقتل ريجيني، جعلت المسؤولين الإيطاليين يتوصلون إلى تورط الأمن المصري في مقتل ريجيني، حيث لاحظوا تزامنا بين العثور على جئة الطالب ولقاء السيسي وفدا تجاريا
إيطاليا، فيما التقى مدير الأمن الإيطالي ألبرتو مانينتي نظيره المصري في القاهرة، وشعر العديد من المسؤولين الغربيين أن إلقاء جثة الطالب بهذه الطريقة ربما كان رسالة موجهة لإيطاليا أو للسيسي نفسه.
ويقول وولش إن الدائرة المحيطة بالسيسي غامضة، مستدركا بأن عددا من المحللين يرون أنه يقوم بدور الأول بين متساوين، فهو قائد سلطته مقيدة بعمل عناصر مستقلة من الخدمات الأمنية، وتقول دان "هناك الكثير من علامات الفوضى في الأجهزة الأمنية، وبعد عام 2011 اتحدت تلك الأجهزة لبعض الوقت ضد جماعة الإخوان المسلمين، لكنها الأن عادت للشجار مرة أخرى".
ويفيد التقرير بأن التحقيق حول مقتل ريجيني يعتمد على تقرير الطب الشرعي الإيطالي، الذي لم يصدر بعد، وهو الذي سيؤكد فيما إن كان ريجيني قد عذب ولفترة طويلة، ما يشير بالاتهام إلى واحد من الأجهزة الأمنية.
وبحسب الصحيفة، فإن المسؤولين الإيطاليين يعتمدون في الوقت الحالي على تعاون المصريين معهم، حيث زار النائب العام الإيطالي غويسبي بيغانتون القاهرة، ووافق الأمن على تقديم معلومات موجودة على هاتف ريجيني، وصور حول تحركه في المنطقة التي اختطف منها.
وتختم "نيويورك تايمز" تقريرها بالإشارة إلى قول دان: "هذا لا يتعلق بريجيني، فهناك شعور بأن المصريين مصممون على سحق مجتمع حقوق الإنسان العامل هناك منذ 30 عاما، ولو نجحوا فلن يعرف أحد ما يجري هناك".