نشرت صحيفة لاريبوبليكا الإيطالية تقريرا حول تأثير قضية مقتل الطالب الإيطالي جوليو
ريجيني على العلاقات الإيطالية
المصرية، وحذرت من أن بعض المصالح الاستراتيجية والاقتصادية، المتعلقة بالوضع في ليبيا وحقول الغاز المصرية، قد تثني
إيطاليا عن الإصرار عن كشف الحقيقة، وتشجع السيسي على إدخال المحققين في متاهة لا مخرج منها.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن آثار
التعذيب التي كانت تغطي جسم الطالب الإيطالي جوليو ريجيني فتحت أعين إيطاليا أخيرا على حقيقة نظام عبد الفتاح السيسي، والأساليب التي يعتمدها للسيطرة على البلاد، منذ وصوله للحكم، وإمساكه بكل السلطات، وتحوله إلى فرعون مصر.
وأضافت الصحيفة أن عمليات التضليل التي تقوم بها السلطات المصرية، والمعلومات المغلوطة التي تقدمها حول تفاصيل هذه الجريمة، زادت من تعقيد هذه القضية، في ظل أوضاع أمنية وسياسية متشعبة، وتشابك المصالح والحسابات الدبلوماسية في منطقة البحر الأبيض المتوسط.
وأشارت في هذا السياق إلى أن موقف عبد الفتاح السيسي في ليبيا كان لوقت طويل في تناغم مع توجهات وزارة الخارجية الإيطالية، حيث أعلن مساندته لحكومة وحدة وطنية تدعمها الولايات المتحدة، إلا أن هذه المبادرة أصبحت معرضة للانهيار؛ بسبب برلمان طبرق والمجموعات الموالية للواء خليفة حفتر، الذي يحظى بدعم القاهرة.
كما أن الأخبار التي أكدت وجود قوات خاصة فرنسية في المناطق التي يسيطر عليها حفتر، والأحاديث التي تدور حول وجود حاملة الطائرات الفرنسية شارل ديغول في المياه المصرية، تشير إلى تغير في العلاقات بين القاهرة وباريس.
وحذرت الصحيفة من أن مواقف بعض السياسيين في روما تعطي الانطباع بأن إيطاليا مستعدة لتجاهل تقارير المنظمات الحقوقية الدولية حول مصر، وتجاهل الأصوات المطالبة بكشف حقيقة مقتل ريجيني، لأنهم لا يريدون المخاطرة بمصالحهم مع مصر من أجل هذا الشاب، خاصة أن شركة "إيني" النفطية الإيطالية اكتشفت مؤخرا في سواحل الإسكندرية أكبر حقل للغاز في البحر الأبيض المتوسط، حيث قدر حجم احتياطي الغاز الطبيعي في هذا الحقل بنحو 850 مليار متر مكعب، وتطمع إيطاليا في الحصول على حصة من هذه "الغنيمة"، وهذا قد يثنيها عن الإصرار على النبش في جريمة ريجيني.
وأكدت الصحيفة أن هذه المطامع الإيطالية هي التي شجعت السلطات المصرية على تجاهل طلبات المحققين الإيطاليين ووزارة الخارجية خلال الأيام الماضية، وقد كرر وزير الخارجية الإيطالي باولو جنتيلوني، الثلاثاء، تعبيره عن الاستياء من هذا التجاهل، حين قال إن "التعاون الذي تعهدت به مصر في هذه القضية لم يتحقق منه شيء حتى الآن".
وأضافت الصحيفة في هذا السياق أنه بعد 30 يوما كاملة من اكتشاف جثة جوليو ريجيني، لم يتم إرسال أي وثيقة أو تقرير رسمي للمحققين الإيطاليين، كما أن العديد من الاختبارات والتحاليل البيولوجية المتعلقة بالتحقيق في هذه القضية تم إلغاؤها بشكل غير مفهوم.
واعتبرت الصحيفة أن مصر دخلت مغامرة في هذه القضية، حيث إنها تراهن على تقاعس الجانب الإيطالي ونسيان هذه القضية بعد فترة من الزمن، خاصة أن السلطات المصرية لاحظت أن الضغوط الرسمية من أجل كشف خيوط هذه القضية لم تتزايد رغم طول المدة، ورغم كثرة المبادرات والتحركات الحقوقية الدولية في هذه القضية؛ ولذلك لا تبدو السلطات المصرية مستعجلة لتقديم رواية ذات مصداقية توضح ما حصل لهذا الطالب.
واعتبرت الصحيفة أيضا أن الجريمة التي ذهب ضحيتها ريجيني، وعمليات التعذيب التي تعرض لها على مدى أيام حتى انتهت بوفاته، أصبحت واحدة من أكبر الفضائح والاتهامات التي تم توجيهها لنظام عبد الفتاح السيسي، بعد أن كشفت للعالم الخارجي مدى وحشية هذا النظام، وأسلوب تعامل أجهزته الأمنية مع المواطنين المصريين خلال السنتين الماضيتين.
وتساءلت الصحيفة حول ما إذا كان "فرعون مصر" سيصر على إدخال هذه القضية في متاهة من أجل إخفائها، رغم أن ذلك قد يعني المخاطرة بالعلاقات مع إيطاليا، إذا أصرت هذه الأخيرة على كشف الحقيقة ومحاسبة الجناة.
وأشارت إلى أن معلومات ظهرت في الأيام الأخيرة تؤكد وجود صراع داخل أجهزة السلطة في مصر، بين جناحين يسعى أحدهما لإخفاء الحقيقة والآخر إلى فضحها، وقد كشف آخر تقرير للطبيب الشرعي في الجيزة أنه بينما كان وزير الداخلية مجدي عبد الغفار يرفض طلبات السفير الإيطالي ماوريسيو ماساري بمقابلته، كان جوليو ريجيني حينها لا يزال حيا ويخضع للتعذيب على يد عناصر جهاز أمني محترف، وهو ما يشير ربما إلى أن هذه الأجهزة الأمنية التي تخصصت في هذه الممارسات القمعية، تحظى بغطاء سياسي قوي، ولا أحد يستطيع محاسبتها أو البحث في ما هي بصدد القيام به.
وفي الختام، أكدت الصحيفة على أن حقيقة هذه الجريمة يجب أن يتم الكشف عنها عاجلا أم آجلا، وأشارت إلى تصريح جنتيلوني، الذي قال "إن كرامة عائلة ريجيني وكرامة الدولة الإيطالية تستوجب التعامل بجدية وسرعة مع هذا الملف".