نشرت صحيفة لوموند الفرنسية مقالا لتيبو بوارو، أستاذ التاريخ في جامعة باريس، طالب فيه أوروبا بمساندة
إيطاليا في بحثها عن حقيقة مقتل الطالب
جوليو ريجيني في القاهرة، وطالب الحكومات الأوروبية بعدم التغاضي عن هذه القضية المبدئية، بسبب الحسابات الدبلوماسية.
وقال الكاتب، في هذا المقال الذي ترجمته "عربي21"، إن أوروبا التزمت الصمت بشكل مخجل منذ يوم الثالث من شباط/ فبراير الماضي، وهو تاريخ العثور على جثة الطالب جوليو ريجيني، هذا الباحث الإيطالي الشاب، البالغ من العمر 28 سنة، والذي كان يدرس في مرحلة الدكتوراه في اختصاص الاقتصاد في جامعة كامبريدج البريطانية. وقد اختفى يوم 25 كانون الثاني/ يناير، وحين عثر عليه كانت على جسده آثار
تعذيب وحشية، مثل حروق بأعقاب السجائر وكدمات وكسور؛ بسبب الضرب الذي تعرض له.
وأضاف الكاتب أن هذه الحادثة، والغموض والتضليل الذي لحقها فيما يتعلق بهوية القاتل، أثارت استنكار الأوساط الأكاديمية والباحثين في كامل أنحاء العالم. ولكن الموقف الأوروبي إلى حد الآن يبدو سلبيا، حيث إن أوروبا التي تعاني من عدة أزمات دبلوماسية، وتواجه وضعا دوليا مقعدا، اختارت عدم التعاطي بجدية مع هذه القضية، واليوم تبدو إيطاليا وحيدة في جهودها للبحث عن الحقيقة أمام السلطات
المصرية.
واعتبر الكاتب أن أوضاع الحقوق والحريات في مصر تبدو في أسوأ مراحلها، بعد خمس سنوات من ثورة 25 يناير وسقوط نظام حسني مبارك، ولكن الدبلوماسية الأوروبية تبدو غير مهتمة بهذه الانتهاكات التي تجري في مصر والعالم العربي، وكأنها لم تستخلص دروس الماضي حينما تجاهلت الحكومات الأوروبية الاغتيالات السياسية وعمليات القمع وغياب المحاسبة، التي أدت إلى اندلاع الربيع العربي، وسط غفلة من الغرب وعجز منه على مجاراة الأحداث وفهمها.
كما اعتبر الكاتب أن مقتل ريجيني يعدّ جريمة بشعة في حق العلم؛ لأن هذا الشاب يمثل جيلا جديدا من محبي المعرفة الذين يجوبون العالم بحثا عن فهم المسائل المعقدة وفكها. وهذا الجيل الأوروبي الذي يمثله ريجيني، يستحق أن يدافع عنه الاتحاد الأوروبي أمام كل جريمة في حقه، وأن يدافع عن حرية البحث العلمي، ويطرح الأسئلة ويمارس الضغط على السلطات المصرية؛ لكشف ملابسات الجريمة، بعيدا عن المغالطات والتضليل، كما يقول الكاتب.
وفي هذا الإطار، رفض الكاتب الأخذ بكل الشائعات التي تتحدث عن أن جريمة قتل ريجيني مرتبطة بقضية تجسس، أو أنها جريمة قتل عادية، أو أنها حدثت بالصدفة ولم تكن مبرمجة، واعتبر أن كل الملابسات التي رافقت عملية الإخفاء القسري التي تعرض لها، بالإضافة إلى الأبحاث الميدانية التي كان يقوم بها حول النقابات المصرية والتحركات العمالية، تطرح عدة أسئلة حول أسباب استهداف ريجيني في مصر، وبالتالي يجب على الدبلوماسية الأوروبية مساندة إيطاليا في ضغطها على السلطات المصرية لمعرفة الحقيقة.
ونوّه الكاتب إلى أن التبادل الثقافي والأبحاث العلمية التي يقوم بها الشباب في كامل أنحاء العالم، تمثل فرصة لتحقيق التقدم العلمي والحضاري وبناء صرح الإنسانية، عبر الحوار والنقاش، ومواجهة الحقائق، واكتشاف فضاءات مجهولة، وربط الأحداث ببعضها، وهو ما يقوم به كل الباحثين الشبان من أمثال جوليو ريجيني؛ ولذلك فإن جريمة قتله قد تلقي بظلالها على بقية زملائه وتعرقل جهودهم، بسبب التهديد الذي أصبحوا يواجهونه.
وفي الختام، طالب الكاتب القارة الأوروبية بأن تكون في مستوى المسؤولية، وأن تقوم برد فعل قوي في مستوى خطورة هذه الجريمة، وأن تقف إلى جانب المجتمع المدني الإيطالي والأوروبي، وأن تدافع بكل قوة عن حقوق الإنسان والحريات الأكاديمية، وتساند إيطاليا في جهودها للبحث عن حقيقة ما حصل لجوليو ريجيني في القاهرة.