تحولت
السجون في
مصر عقب انقلاب 3 تموز/ يوليو، من أماكن للعقاب بتقييد الحرية، إلى أماكن للقتل وسلب الحياة بكل تفاصيلها، وبات المعتقل سلعة للبيع والشراء، بحسب جهات حقوقية وأهلية.
وتصف المتحدثة باسم "رابطة أهالي
المعتقلين بسجن
العقرب" آية علاء، الحياة في السجون المصرية بـ"الموت البطيء"، مؤكدة أن "كل الحقوق تنتهك في السجون، وخصوصا سجن العقرب الذي هو وصمة عار في تاريخ مصر".
وقالت "آية" زوجة الصحفي المعتقل حسن القباني المدان بالقضية المعروفة إعلاميا بـ"غرفة عمليات رابعة"، إنه "لا يوجد فرق بين صحفي، وطبيب، ومواطن عادي، ومسؤول سابق، ففي السجون يُطبق الظلم على الجميع بأبشع صوره، وبكل أنواعه الجسدية والنفسية".
وأكدت لـ"
عربي21" أن آلاف المعتقلين يعيشون في عالم آخر لا يعلم به أحد غيرهم، "فالحياة في سجون مصر أشبه بوخز الإبر، حيث الحرمان من النوم والجلوس والقيام والتحرك والطعام والشراب والتبول والتداوي"، مشيرة إلى أن "السجين لا يحصل على شيء مطلقا دون ثمن، وحياته رهن سجانه الذي بإمكانه أن يحيلها إلى جحيم في أي وقت".
من جهتها؛ قالت إيمان محروس، زوجة المستشار الإعلامي لحزب الحرية والعدالة، المعتقل في سجن العقرب، أحمد سبيع، إن "الأوضاع سيئة في كل سجن العقرب بلا استثناء، والزيارة غير مسموح بها طوال الوقت، ولا تتجاوز 10 دقائق في أفضل الأيام".
وتساءلت في حديثها لـ"
عربي21": "لماذا هذا التعنت مع المعتقلين بمنع الدواء والملبس والطعام عنهم؟"، وحاولت الإجابة بالقول: "ليس لذلك غير معنى واحد؛ هو رغبتهم في التخلص البطيء منهم، بدلا من قتلهم مباشرة".
أحكام بالجملة للمعتقل
أما مريم، زوجة مراسل قناتي "الجزيرة" و"مصر 25" عبد الرحمن شاهين، الذي اعتقل في السويس صيف عام 2014؛ فقالت لـ"
عربي21" إن "أكبر مشكلة تقابل زوجي؛ هي إلصاق التهم به، والحكم عليه في ثلاث قضايا منفصلة".
وصدر حكمان ضد شاهين بالسجن لست سنوات في قضيتين مختلفتين، على خلفية اتهامه بنشر أخبار كاذبة، وحرق سيارات للشرطة، والمشاركة في أعمال عنف، إضافة إلى حكم بالمؤبد في القضية المتهم فيها بقتل المتظاهرين أثناء فض اعتصام رابعة العدوية.
وبينت مريم أنها اعتادت على "المرمطة" أثناء زيارته، وقالت: "في كل مرة أذهب لزيارته في سجن جمصة العمومي؛ أواجه ابتذالا وانحطاطا لم أكن أتصوره في حياتي؛ من تفتيش ذاتي، ومضايقات، وتعنت، وانتظار لساعات طويلة؛ حتى يجعلونك تكره زيارة من تحب".
مافيا المال في السجون
وتقول سمية عبد الفتاح، زوجة المعتقل في سجن العقرب، محمد علي عبد اللطيف، المحكوم عليه في عدد من القضايا بأكثر من خمسين عاما، كان آخرها حكما عسكريا بالمؤبد في قضية أحداث الكلية الحربية بكفر الشيخ؛ إن زوجها تم تلفيق تهم متعددة له في أكثر من مكان، بسبب موقفه الرافض للنظام.
وأضافت لـ"
عربي21": "منذ وضعه في سجن العقرب وهو لا يأكل كما يأكل الناس (..) فلا يقدمون لهم إلا كل ما هو عفن ونتن وغير صالح للحيوان"، وفق قولها.
وكشفت عن انتشار "مافيا المال" في إدارة السجون بين أفراد الشرطة، قائلة: "كل شيء يمكن أن تحصل عليه بالمال، فهناك نهم وطمع شديد بالمال.. يستغلون الطرفين، الزائر و(السجين) من أجل إدخال بعض، وليس كل، الأطعمة أو الأدوية، أو بعض المتعلقات الضرورية، ويسعون لاستنفاد نقود النزيل".
وأرجعت سوء المعاملة للمعتقلين إلى دورهم "في الثورة على نظام مبارك، ورفضهم للانقلاب العسكري، فهم (السجانون) يريدون الانتقام منهم بشتى الطرق، وبأبشع الوسائل، ويعامَلون على أنهم خونة وشياطين".
وقال نجله، علي، في تصريح لـ"
عربي21": "والدي يتعرض لتعذيب شديد لأقل سبب منذ اعتقاله، وانتقل بين عدد من السجون آخرها سجن العقرب، ولا أتمكن من رؤيته غير بضع دقائق"، مضيفا: "الزيارة يتم الترتيب لها بساعات طويلة، ونحرم كثيرا من رؤيته".
القتل خارج القانون
وشهدت السجون في مصر سقوط ضحايا من قيادات وشخصيات بارزة في العمل السياسي والأكاديمي، من أبرزهم وكيل لجنة الدفاع والأمن القومي بمجلس الشعب السابق فريد إسماعيل، الذي توفي في أيار/ مايو من العام الماضي، بعد دخوله في غيبوبة كبدية، وبعد ذلك بأيام توفي النائب عن محافظة دمياط محمد الفلاحجي عقب دخوله في غيبوبة مماثلة.
ومن أبرز ضحايا الإهمال أيضا؛ أستاذ الأمراض الجلدية الدكتور طارق الغندور، الذي توفي إثر إصابته بنزيف حاد في تشرين الثاني/ نوفمبر 2014، ورئيس مجلس شورى الجماعة الإسلامية عصام دربالة، الذي قضى أثناء نقله من محبسه بسجن طرة إلى أحد المستشفيات في آب/ أغسطس الماضي.
بدوره، قال الباحث في المرصد العربي للحقوق والحريات، لـ"
عربي21"، إن "أوضاع المعتقلين لا تتحسن إلا إذا تم الضغط حقوقيا وإعلاميا بقوة، ولا تتحسن إلا بشكل طفيف"، لافتا إلى أن "استمرار إضراب معتقلي سجن العقرب، دليل قوي على مواصلة سجون الانقلاب انتهاكاتها بحق المحتجزين لديها".
وحث الباحث الحقوقي جميع المنظمات الحقوقية ووسائل الإعلام؛ على "الضغط من خلال كشف الاعتداءات بحق المعتقلين، وتسليط الضوء على سلبهم أبسط حقوقهم، بهدف قتلهم ببطء"، مؤكدا أن "ما يحدث لا يلقى أي تحقيق أو مساءلة، في تشجيع واضح على ممارسة العنف والقتل ضد المعارضين"، وفق قوله.