نشرت صحيفة "الغارديان" قبل أيام تقريرا للكاتب جوناثون فريدلاند، يعلق فيه على فوز بيرني
ساندرز على
هيلاري كلينتون، الذي توجه الفوز بـفارق 22 نقطة في نيوهامبشير يوم الثلاثاء الماضي، ويعقد مقارنة بينه وبين زعيم حزب العمال البريطاني، جيرمي
كوربين.
ويقول فريدلاند: "رأيت حملة ساندرز، والحديث هنا عن حركة ليس مبالغا فيه؛ ففريقه، الذي في معظمه من الشباب المتحمس المستعدين للعمل الدؤوب، وتستطيع أن ترى لماذا، فقد يكون مسنا ويظهر بمظهر لاري ديفيد، العم اليهودي متقلب المزاج، إلا أنه متحدث من الوزن الثقيل، فتصريحاته واقعية، وتجتمع لتشكل قضية ليس عليها خلاف أخلاقي، ومنعشة؛ لأنه قلما تم التحدث عنها صراحة، فيقول مثلا: (الاقتصاد مزور)، وهذا واضح، حيث تصنف أمريكا من أكثر الدول التي يتم فيها توزيع الثروة بشكل غير متكافئ منذ عام 1928".
ويشير التقرير إلى أن "هناك 0.1% يملكون من الثروة أكثر من 90% من الشعب الأمريكي كله، وهناك 20 شخصا فقط يملكون أكثر من 50% الدنيا من الشعب. وعائلة واحدة –عائلة وولتون، ملاك وولمارت، يملكون أكثر من 40% الدنيا من الشعب. وفي الواقع فإن عائلة وولتون هي أكثر عائلة تستفيد من المساعدات الاجتماعية في أمريكا؛ لأنهم يدفعون أجورا منخفضة للعمال في محلاتهم، وهذا يعني أن تقوم الحكومة بمساعدة أولئك العمال من أموال دافعي الضرائب، أو كما يقول ساندرز: (وصلت عائلة وولتون لآخر 60 أو 70 مليارا، ولذلك عليك أن تتبرع لمساعدتهم)".
وتلفت الصحيفة إلى أن أقوى لحظات ساندرز تجيء عندما يخاطب الجمهور بقوله: كم منكم مثقلون بديون الدراسة، ويرفع معظم الحاضرين أيديهم، وتقف طالبة لا تزال في الجامعة، وتقول استدنت إلى الآن 131 ألف دولار، وأخر يدرس في جامعة كولومبيا يقول إنه مدين بمبلغ 200 ألف دولار، ويضيف لهم بيرني بأنه يعرف طبيب أسنان مدينا بمبلغ 400 ألف دولار، وذلك بسبب "جريمة الدراسة في الجامعة".
ويبين الكاتب أنه يفعل الشيء ذاته عند الحديث عن الخدمات الصحية، ويسأل الناس كم يدفعون نفقات طبية، وتبدو الأرقام التي يقولها الجمهور، وهي بالآلاف، كبيرة جدا لأي شخص معتاد على الخدمة الصحية المجانية في
بريطانيا، ويشير ساندرز إلى أن تكلفة العلاج عالية جدا، لدرجة أن الناس يترددون في مراجعة الطبيب، ولذلك "يتفاقم مرضهم".
ويفيد التقرير، الذي ترجمته "
عربي21"، بأن الأدوية تكلف الكثير من المال؛ لأن شركات الأدوية تدفع الأموال الطائلة للسياسيين على شكل تبرعات للحملات، ولذلك لا يفعل الكونغرس شيئا لتخفيض أسعار الأدوية. ويقول ساندرز: "الديمقراطية ليست مليارديرات يشترون
الانتخابات، بل إن ذلك هو حكم الأقلية، ونحن سننهي ذلك كله معا".
ويعلق فريدلاند قائلا إن "ذلك كله يتناغم مع ما يحبه الجمهور، وعندما يتحدث ساندرز عن بعض الناس الذين يقومون بوظيفتين، أو حتى ثلاث للتمكن من دفع تكاليف الحياة، تهز المدرسة التي تجلس بجانبي رأسها، وتقول إن ابنها يفعل ذلك بالضبط، ثم يعيد الذاكرة لتلك الأيام التي كان يعمل فيها شخص واحد، الرجل في العادة، لمدة 40 ساعة في الاسبوع لإعالة العائلة كلها، ثم يعد بأن يخلق اقتصادا يعمل لصالح العائلة العاملة، وليس لشريحة الـ 1% الثرية".
ويتابع الكاتب قائلا: "بالطبع يقوم المراقب البريطاني بالمقارنة مع زعيم حزب العمال جيرمي كوربين، لكن ساندرز ضرب على وتر حساس عندي، وهو ما لم يفعله كوربين، وقد يكون جزء من شرح ذلك هو أن السيناتور عن فيرمونت متحدث قادر على إنتاج جمل رنانة، من اختياره لأغنية الحملة إلى إعلان الحملة، الذي يبرز بنت إريك غارنر الأمريكي الأفريقي الذي قتلته شرطة نيويورك، والذي كانت آخر كلماته (لا أستطيع التنفس)، ما جعل حملته ناجحة جدا".
وتبين الصحيفة أن جزءا من الإيضاح هو أن ساندرز لا يحمل الحمل ذاته الذي يثقل كاهل كوربين "مع أنه يحمل أثقالا خاصة به"، مشيرة إلى أنه ببعض الطرق هو أكثر راديكالية من رئيس حزب العمل: فتحليلاته ومقترحاته أكثر جرأة وعمومية، مع أنه غير واضح حول كيف سيمرر ذلك كله إلى كونغرس جمهوري، ولم يبين كيفية التمويل، لكن لم يستطع أحد إلى الآن أن يشكك في وطنيته، فهو ينشد النشيد الوطني.
وينوه التقرير إلى أنه "في ما بتعلق بالسياسة الخارجية، وهي التي تعطي حيوية أكبر لكوربين، فإن أقوى تهمة له هي أنه ليس لديه سياسة خارجية، وهذا يعني أن السيناتور ليس مثقلا بسجل من التصريحات حول الجماعات الإرهابية، ولم يكن عليه توضيح ذلك، وهو يؤيد إطلاق النار على مسلحي تنظيم الدولة المتورطين في القتل، بعد أن كان مترددا في إبداء رأيه، كما أنه ليس مضطرا للدفاع عن رؤية للعالم تبدو متسامحة مع مزيج من الديكتاتوريات".
ويرى فريدلاند أن "أقوى معارضة لساندرز هي ذاتها التي توجه لكوربين: وهي أنه غير قابل للانتخاب، وفي أمريكا يبقى هذا الحال قويا، سيكون عمر ساندرز في شهر أيلول/ سبتمبر 75 عاما، ويميل الأمريكيون لإهمال المرشحين الأكبر سنا، وبغض النظر عن أي مرشح جمهوري سيواجهه ساندرز، فلن ينسيه أنه اشتراكي، وهي كلمة يربطها الأمريكيون بفترة الحرب الباردة مع روسيا، وستكون هناك دعايات على التلفاز بأن ساندرز يريد تحويل أمريكا إلى شرق ألمانيا".
ويستدرك الكاتب بأن "مسألة قابلية الانتخاب ليست واضحة لدي كما كانت في وقت ما؛ وذلك لأن منافسته الديمقراطية هيلاري كلنتون ليست بالضرورة مضمونة النجاج، وأظهرت الاستطلاعات في تصويت نيوهامبشير شكوكا قوية لدى الديمقراطيين حول أمانة كلينتون ومدى استحقاقها لأن تمنح الثقة".
وتشير الصحيفة إلى أن "كلينتون مرشحة قديرة وليست ملهمة،. وقربها الشديد من (وول ستريت)، بما في ذلك الرسوم الباهظة التي تتقاضها من غولدمان ساكس، يجعلها في الجانب الخطأ من موجة معاداة الشركات الكبيرة، التي تعمل مع بيرني ساندرز ودونالد ترامب (الذي يقول مثل ساندرز إنه ليس بحاجة للمتبرعين لحملته، ولذلك لا يمكن شراؤه)".
ويذكر التقرير أنه "إضافة إلى ذلك، فإن هناك تغيرا في ديمغرافية الناخب الأمريكي، الذي أصبح بشكل متنام يفضل الديمقراطيين على الجمهوريين في الانتخابات العامة، إضافة إلى صعوبة توقع مزاج الناخبين في عام الغضب، ويبدو أنه ليس من الحكمة الإصرار على إعلان أن أيا من المرشحين غير قابل للانتخاب، فالآن في أمريكا يبدو أن كل شيء ممكن. واذا أخذنا بعين الاعتبار نظامنا الانتخابي والحسابات البرلمانية فإن ذلك لا يبدو صحيحا بالنسبة للملكة المتحدة".
ويختم فريدلاند تقريره بالقول: "صحيح أني تأثرت بساندرز، لكن الخوف بأن تنتهي حملة ساندرز بتسليم البيت الأبيض لدونالد ترامب، الذي يريد أن يمنع المسلمين من دخول أمريكا، أو لتيد كروز، الذي يريد أن يقوم بقصف سجادي للشرق الأوسط حتى (يضيء في الظلام)، فهذا ما يجب أن يحسب حسابه الليبراليين التقدميين في أمريكا، خاصة أن الآثار تتجاوز حدود بلادهم".