كتاب عربي 21

إذا كان الأمر كذلك .. فلست متحضرا

1300x600
كنت أستمع في سيارتي إلى برنامج إذاعي تفاعلي، تناول أمر تنظيم بعض الدول العربية لمسابقات ملكات الجَمال (بفتح الجيم، أخذا في الاعتبار أنه صارت هناك مسابقات لجَمال الجِمال بكسر الجيم، والماعز).  وقال أحد المدافعين عن الفكرة ما معناه: ما فيها شيء أن تستعرض فتاة المفاتن التي حباها بها الله (وبالطبع فقد ذكرنا بأن الله جميل يحب الجمال)، وقال غيره إن مسابقات ملكات الجمال تشجع السياحة.

ولا أفهم كيف يشجع اختيار ملكة جمال ووصيفاتها السياحة، ما لم يتم وضعهن في صناديق زجاجية في واجهات المتاجر، وجعل "الفرجة" عليهن نظير رسم معلوم، وحتى مثل هذا الإجراء، يتطلب وجود ملكات جمال بالجملة، حتى يتم توزيعهن على أكبر عدد ممكن من المتاجر، لزيادة "الدخل الوطني".
دعونا نناقش الجماعة بشكل متحضر:  لا بأس ولا ضير في أن تستعرض فتاة مفاتنها أمام لجنة تحكيم، وبحضور آلاف الناس، ويستوجب هذا أن ترتدي ملابس ماركة "ما قلّ ودلّ"، أي تغطي "أصغر" مساحة ممكنة من جسمها، حتى يتأكد أعضاء اللجنة من أن مفاتنها (تستأهل).

طيب:  العورة أيضا فتنة (وكلمة مفاتن من مشتقات فتن يفتن) فهل يجوز استعراضها على المكشوف؟ وأقصد بالعورة مواطن العفة، كما نسميها نحن غير المتحضرين. أقول هذا، وأنا أعرف أن مسابقات الجمال تتطلب كشف نسبة "معتبرة" من العورة!

 هنا لابد من التذكير، بأنه حتى من يؤيدون مسابقات ملكات الجمال لا ينكرون أنهم يقلدون الغرب، من منطلق أن تلك المسابقات من الممارسات الحضارية. فهل سيمضون إلى آخر الشوط بإقامة مسابقات تستعرض فيها الفتيات مفاتنهن دون ملابس على الإطلاق، كما يحدث في العديد من الشواطئ الأوروبية؟ أو لا يمانعون في أن تظهر ملكة الجمال على أغلفة مجلات مثل بلاي بوي أو جريدة "ذا صن" الإنجليزية، متدثرة فقط بجلدها؟

 أذكر أنني جالست قبل أعوام المفكر المصري الراحل عبد الوهاب المسيري، صاحب أول وأكبر موسوعة عن اليهودية واليهود، وكنا نتحدث عن أن البعض يستجير بالإسلام، حتى وهو يمارس نشاطا يتعارض مع بديهيات الإسلام، وحكى لي عن السيدة التي كانت تشارك ابنتها المسلمة في مسابقة ملكة الجمال، وثلثا جسمها مكشوف، والأجزاء المغطاة منه، أكثر "بلاغة" من الأجزاء المكشوفة، لأنها تعطي صورة واضحة وصارخة عن تضاريس، تحرص معظم النساء في كل القارات على إخفائها تماما.
المهم. عندما لاحظت الأم الحنون اضطراب ابنتها، وهي على وشك السير على المسرح لعرض بضاعتها، قالت لها: اقري الفاتحة وادخلي برجلك اليمين وربنا معاكِ!

 ونواصل النقاش المتحضر، وننتقل إلى كون مسابقات ملكات الجمال تسهم في ازدهار السياحة! لم يقل لنا صاحب هذا الرأي كيف يكون ذلك، ومن ثم فمن حقي الاستنتاج بأنه يعني أن السياح عندما يرون مفاتن من تحمل لقب ملكة الجمال والوصيفة، سيقولون:  ياه، هذا بلد متحضر وبه نسوان حاجة تجنن..  هيا بنا!  يعني على بلاطة هناك استغلال لمفاتن البنات لجذب السياح والعملات الأجنبية، بإعطاء الانطباع بأن "البلد" منفتح كانفتاح ملابس المتسابقات للفوز بلقب ملكة الجمال. فهل يقبل بلد عربي أن يقال عنه أنه يستخدم بناته طعما لاجتذاب السياح والعملات الصعبة؟ 

الإجابة هي: نعم، فهناك بلاد عربية تقبل ذلك، ولديها لجان وطنية لاختيار ملكة جمال عموم البلاد، وأخرى للشاطئ، وثالثة للبطيخ، ثم وسعت الحكاية وصارت هناك ملكة جمال المحجبات، ولا أعرف على أية أسس يتم اختيار هذا الصنف من الملكات: قياسا على خامة القماش الذي يصنع منه الحجاب، أم على طريقة ارتداء الحجاب، أم تقاطيع وجه المحجبة، أم جمال الوجه وبقية الجسم "المحجب"!!
في لبنان قطع التحضر شوطا بعيدا، فهناك منذ سنوات بعيدة ملكات جمال الأرز، والفراولة والربيع، وأصيب بعض اللبنانيين بلوثات عقلية وبائية من فرط السرور عندما تم اختيار اللبنانية جورجينا رزق ملكة لجمال الكون عام 1971، فلم يكن مستغربا أن يعتبر ذلك البعض أن بلدهم صار أطلنطيا حذوك النعل بالنعل، فابتدعوا منذ نحو سبع سنوات صرعة "ملك جمال الرجال"، ولم أستغرب عندما تزوج أول من فاز بذلك اللقب بالشحرورة الراحلة صباح وفارق العمر بينهما 62 سنة.

ما يفوت على المتاجرين بأجساد النساء باسم التحضر والترويج للسياحة، هو أن غالبية الغربيين يعتبرون مسابقات ملكات الجمال نوعا من الرقيق الأبيض، أو الدعارة المستترة.  ويحضرني هنا ما سمعته من مفكر وكاتب مصري آخر هو الأستاذ فهمي هويدي – الكاتب الذي تنشر مقالات مختارة له في عربي 21 -  الذي تحدث عن أحد بلدياته الذي ذهب إلى فرنسا في ستينيات القرن الماضي، وعاد من هناك منبهرا بما رآه من رقي وتقدم، ولكنه كان مستاء من أن الشاذين جنسيا لا يعرفون "الستر".

وزار صاحبنا فرنسا مجددا في السبعينيات، وعاد يشكو من أن الشواذ هناك صارت لهم جمعيات وأندية ودور علنية، ونشاط علني.  ثم واتته الفرصة لزيارة فرنسا في الثمانينيات وعاد وهو في منتهى القرف، بعد أن صار من حق الشواذ الزواج العلني، وفي مطلع الألفية الثالثة، تم اختياره لمهمة رسمية في فرنسا فرفض بقوة:  مش رايح! قالوا له: يا راجل دي فرصة تقعد هناك أسبوعين، تلاتة، وتبحبح، والحكاية فيها بدلات ونثريات، فصاح: لا، مش رايح، لأنه مش بعيد يكون الشذوذ بقى إجباري!!