يقول ميثاق
الأمم المتحدة: نحن شعوب الأمم
المتحدة، آلينا على أنفسنا أن ننقذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب، التي، في خلال
جيل واحد، جلبت على الإنسانية مرتين، أحزاناً يعجز عنها الوصف، وأن نؤكد من جديد
إيماننا بالحقوق الأساسية للإنسان، وبكرامة الفرد وقدره، وبما للرجال والنساء،
والأمم كبيرها وصغيرها، من حقوق متساوية، وأن نبيّن الأحوال التي يمكن في ظلها
تحقيق العدالة، واحترام الالتزامات الناشئة عن المعاهدات وغيرها من مصادر القانون
الدولي.
وتقول المنظمة الدولية، إن مقاصدها هي حفظ
السلم والأمن الدولي، وذلك بـ "منع الأسباب التي تهدد السلم وتقمع أعمال
العدوان وغيرها من وجوه الإخلال بالسلم، وفقاً لمبادئ العدل والقانون الدولي، لحل
المنازعات الدولية التي قد تؤدي إلى الإخلال بالسلم أو لتسويتها. وإنماء العلاقات
الودية بين الأمم على أساس احترام المبدأ الذي يقضي بالمساواة في الحقوق بين
الشعوب، وبأن يكون لكل منها تقرير مصيرها، وكذلك اتخاذ التدابير الأخرى الملائمة
لتعزيز السلم العام."
إخفاق الأمم المتحدة في مجالات وقف الحروب وحفظ السلام، يقابله نجاح منقطع النظير لكيانات تابعة لها أو شاركت في تأسيسها، من بينها منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الطيران المدني الدولي، والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة العمل الدولية، واليونيسيف، واليونسكو، وغوث اللاجئين، وبرنامج الأغذية، ومنظمة الصحة العالمية والبرنامج الإنمائي.
انظر كيف أن ميثاق الأمم المتحدة لا يتوقف
إلا عند الحربين اللتين كانت أوروبا ساحتها الكبرى، وكيف أنها جلبت على البشرية
"أحزانا يعجز عنها الوصف"، وظل ذلك الميثاق واقفا في محطة الحربين
العالميتين الأولى والثانية، باكيا على أطلال أوروبا عشرينيات وأربعينيات القرن
الماضي، ولم تجسر دولة على تعديله، بتضمين
حروب طاحنة كانت ساحاتها آسيا وإفريقيا،
وكان المعتدي فيها الولايات المتحدة وشركاؤها الغربيون، الذين ظلوا يخرقون ذلك
الميثاق برفضهم العنيف لحق الشعوب في المساواة وتقرير المصير.
والأمر الذي لا شك فيه، هو أن الأمم المتحدة
كيان قليل القيمة، فيما يلي عجزه التام عن حفظ السلام في الدول الأعضاء، دعك من
جرائم الإبادة التي ارتكبتها الولايات المتحدة في فيتنام وكمبوديا ولاوس، بل انظر إلى التاريخ القريب جدا: ففي عام 1994 وقفت المنظمة موقف المتفرج بينما قامت
الحكومة التي تسيطر عليها قبيلة الهوتو في رواندا، بقتل مليون شخص من قبيلة
التوتسي، وعندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003 بذريعة تخليص منطقة
الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ونشر الديمقراطية في المنطقة، وظلت تسوم
العراقيين سوء العذاب، قالت الأمم المتحدة إن ذلك عمل غير قانوني! ثم ماذا بعد؟
ولا شيء، لم تصدر عن المنظمة الدولية أي بادرة لمحاسبة من خرق القانون الدولي.
ولكن من مقتضيات الإنصاف أن نشير إلى أن
الأمم المتحدة لم تُقَصِّر في حق الشعب الفلسطيني، فما بين حرب حزيران/ يونيو في
عام 1967 وعام 1989 أصدرت المنظمة 131 قرارا يقضي برفض استيلاء إسرائيل على أراض
فلسطينية، أو يدعو إلى إقامة دولة فلسطينية، وفي السنوات اللاحقة صدرت مئات القرارات المشابهة. ثم ماذا بعد؟ ولا شيء!
حتى الدولة المستقلة التي تحدثت عنها قرارات الأمم المتحدة على استحياء، ستكون
بموجب تلك القرارات جزرا تطوقها المستوطنات الصهيونية.
ظلت جامعة الدول العربية عاجزة عن
"الفعل"، لأن ميثاقها طوباوي، يقضي بأن تكون كل القرارات بالإجماع، ولكن
وحتى عندما يكون هناك اجماع على أمر ما، فإن الميثاق لا يشير لأدوات ترجمة
القرارات إلى أفعال، وبما ان هذه الجامعة ولدت قبل الأمم المتحدة، التي خرجت من
رحم عصبة الأمم، فلربما اهتدت المنظمة الدولية بالميثاق العربي، وجارته في الابهام
فيما يتعلق بتنزيل القرارات إلى سوح النفاذ.
وانظر كيف "آلينا نحن شعوب الأمم
المتحدة على أنفسنا إنقاذ الأجيال المقبلة من ويلات الحرب"، فماذا فعلت تلك
الأمم لإنهاء العنف في غزة؟ أو لوضع حد للصراعات في سوريا والعراق وجمهورية
أفريقيا الوسطى والسودان وجنوب السودان وليبيا وأفغانستان وأوكرانيا؟ لا شيء،
فالمنظمة عاجزة تماما عن القيام بأي
دور إزاءها، ولكن السؤال: لماذا؟ والجواب:
لأن مواقف واشنطن وبيجين وموسكو متضاربة ومتعارضة إزاءها. والدول الثلاث أعضاء
دائمون في مجلس الأمن الدولي، مع بريطانيا وفرنسا، وهذا الخماسي يملك من الصلاحيات
والسلطات داخل الأمم المتحدةـ ما يجعل بقية الدول الأعضاء "تمامة عدد"،
وحتى على مستوى الجمعية العمومية للمنظمة الدولية، هناك تكتلات تناوئ بعضها بعضا،
إما بإيعاز من الخمسة الكبار، أو دفاعا عن مصالح ذاتية، وتحالفات إقليمية او دولية.
في عام 1994 وقفت المنظمة موقف المتفرج بينما قامت الحكومة التي تسيطر عليها قبيلة الهوتو في رواندا، بقتل مليون شخص من قبيلة التوتسي، وعندما غزت الولايات المتحدة العراق في عام 2003 بذريعة تخليص منطقة الشرق الأوسط من أسلحة الدمار الشامل، ونشر الديمقراطية في المنطقة، وظلت تسوم العراقيين سوء العذاب
ما يفاقم القصور المؤسسي في الأمم المتحدة،
هو منح حق النقض "الفيتو" للدول الخمس دائمة العضوية في مجلس الأمن، وتم
ذلك في ظرف تاريخي معين، وتحديدا في أعقاب الحرب العالمية الثانية، عندما رأى
المؤسسون أن ذلك يمنح الأمم المتحدة فرصة للنجاح فيما فشلت فيه عصبة الأمم. وما لم
يحظ قرار بـ "نعم" من الخمسة الكبار، فإن مصيره سلة المهملات، وهكذا ومنذ
يومها الأول، صارت الأمم المتحدة مسرحا لصراع الكبار، وتم استقطاب الصغار إلى حلبة
الصراع، فصارت المنظمة كيانا يضم أمما متناحرة.
ولكن إخفاق الأمم المتحدة في مجالات وقف
الحروب وحفظ السلام، يقابله نجاح منقطع النظير لكيانات تابعة لها أو شاركت في
تأسيسها، من بينها منظمة الأغذية والزراعة، ومنظمة الطيران المدني الدولي،
والصندوق الدولي للتنمية الزراعية، ومنظمة العمل الدولية، واليونيسيف، واليونسكو،
وغوث اللاجئين، وبرنامج الأغذية، ومنظمة الصحة العالمية والبرنامج الإنمائي.
إلى يحيى السنوار في عليائه:
هكذا نبدأ من حيث انتهينا/ صخرة أخرى على
النهر/ ولكن المنابع/ تلهم التيار مجرىً آخر نحو مصبِّه/ هكذا نبدأ، لكن المنابع/ أبدا
تهدر في كل عروق الأرض/ تمتد وترتد وتعلو وتدافع / أول الغيث دم ثم الربيع.